في الدول المتقدمة تصدر القرارات عادة استنادا الى الاستعانة بالخبراء واصحاب الشأن ، وفي الازمات تتشكل خلية تتولى مهمة اصدار القرار ، وباعتماد هذا الاسلوب في ادارة الحكم لا وجود اطلاقا لقرار فردي يصدر عن رئيس او زعيم ، وعلى هذه القاعدة حافظت الدول المتقدمة على استقرار اوضاعها السياسية والاقتصادية والامنية ، ودول المنطقة العربية لها اسلوبها في اتخاذ قراراتها ، فهي تعتمد قاعدة "نفذ ثم ناقش " في وقت تعلن فيه حالة الطوارئ او الاحكام العرفية لاعتقادها بان امن السلطة يتطلب اجراءات من هذا النوع ، لحماية النظام من التهديدات الداخلية والخارجية .
الحالة العراقية في اتخاذ القرار مبتكرة ، وذات خصوصية مستقلة لا مثيل لها الا في بعض بلد واحد او ربما او اكثر مجاور للعراق، "القرار 101" يخذه المسؤول بالاستعانة بمسبحته فهو لا يقدم على اية خطوة من ان يستمع لصوت اخر ، او هكذا يعتقد ، يأمره او ينصحه بالموقف المناسب ، وايمانا بهذه القاعدة يصدر القرار في افتتاح استقبال وفد رسمي خارجي او اصدار بيان او استخدام الخيار العسكري في معالجة ازمة سياسية وتشكيل تحالفات ، وابعاد مسؤول متورط بالفساد عن منصبه .
بعد العام 2003 ارتفع عدد المستشارين الذين توزعوا بين الوزارات والدوائر الرسمية وحتى المنظمات المهنية ، ووسائل الاعلام ، وعلى الرغم من كثرة عددهم يبقى "القرار 101" هو المرجع الوحيد لصناع القرار، فبه حافظوا على مناصبهم ومواقعهم من اجل خدمة ابناء الشعب العراقي ، كما اعلنوا ذلك في برامجهم الانتخابية .
احد مراسلي قناة فضائية كانت له قصة مع الابتكار العراقي في صنع القرار بأسلوب مسبحة 101 خرزة ، ففي مطلع العام 2007 رافق المراسل احد كبار المسؤولين الى قضاء المحمودية في زيارة تفقدية لناحية اللطيفية، ولقاء الأهالي والوجهاء هناك لبحث تامين الطريق الواصل بين بغداد ومحافظة بابل ، وملاحقة الجماعات الإرهابية، وطبقا لرواية المراسل فان المسؤول الكبير اخر عودته ثلاث ساعات ، وكان بين آونة واخرى يخرج مسبحته من جيبه ، وفي اخر محاولة ارتسمت على وجهه علامات الرضا وامر الموكب بالتوجه الى بغداد ، فوصلنا سالمين بعد اتخاذ المسؤول "قرار 101".
في كتاب صدر منتصف عقد التسعينات بعنوان "المنازلة الكبرى" يسلط الضوء على الأحداث قبل وبعد الثاني من آب عام 1990 اي غزو النظام السابق للكويت، جاء فيه أن معظم أعضاء مكان يعرف بمجلس قيادة الثورة علموا بالقرار من التلفزيون أما العراقيون فأصيبوا بصدمة، ومن يمتلك منهم بعد نظر توجه الى الأسواق لشراء مواد غذائية قابلة للخزن تحسبا لسنوات عجاف، وهذا ما حصل فعلا بفرض الأمم المتحدة على العراق عقوبات اقتصادية وإخضاعه لطائلة البند السابع نتيجة قرار قائد "المنازلة الكبرى" التي انتهت بتوقيع شروط غير معروفة في خيمة صفوان ، ومن يريد ان ينصب خيمة مماثلة سيواجه مادة في الدستور تنص على منح مجلس النواب صلاحية الموافقة على اعلان الحرب وحالة الطوارئ بأغلبية الثلثين بناء على طلب من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء.