1
وفق نظم انتخابية متعددة، من نظام القائمة المفتوحة، والقائمة المغلقة. الدائرة الواحدة والدوائر المتعددة، مارس الشعب العراقي عملية الاقتراع الانتخابي لاختيار أعضاء مجلس النواب، وأعضاء مجالس المحافظات، كي يلبوا احتياجاته ويقدموا له الخدمات المختلفة، ويشرعوا القوانين التي تساعد على ازدهار وتقدم المجتمع العراقي، الذي عانى الكثير من كل أشكال، الظلم والقهر والحرمان والسجون إبان حكم البعث، واليوم يعاني الإرهاب والطائفية والتسلط والخلافات السياسية والفئوية والشخصية، التي أوقفت عجلة النهوض بالبلد، وعثرت العديد من التشريعات والقوانين التي تخدم المواطن بشكل خاص، لكنها لم تدخل ضمن التوافق والمصالح الحزبية والشخصية للساسة. هذه الصراعات إذا لم تحل بطريقة الحوار والتنازل المتبادل من كل الأطراف، ربما ستجر البلد إلى هاوية لم تكن بالحسبان، وحينها سيكون الكل في مركب الخسارة.
من المفترض ومثلما أعلن أن شهر نيسان المقبل سيشهد انتخابات مجالس المحافظات في العراق، وفق نظام من المؤمل منه أن يضمن بعض المقاعد حتى لو كانت تعويضية، للديمقراطيين والمدنيين والعلمانيين واليساريين والليبراليين، بالإضافة إلى أهمية فض التخندق القومي والطائفي والمذهبي والمناطقي الذي ارتخى نوعا ما في الفترة القريبة الماضية، من اجل صعود أشخاص وأسماء جديدة إلى هذه المجالس، تعمل وفق مبدأ الوطنية والعمل الجماعي خدمة للصالح العام ومن اجل رفاهية المواطن، وتقدم وازدهار المحافظة، وتقديم ما يمكن تقديمه، من اجل تعويض تأخر وتلكؤ السنين الماضية، من عمر التغيير النيساني.
2
من خلال متابعة الشارع بشكل ميداني، وما ينتج من حوارات وسجالات بين المواطنين داخل الكثير من المرافق العامة، بالإضافة إلى ما تعرضه وسائل الإعلام، من تذمر وسخط جراء الخلافات والصراعات والأزمات السياسية المستمرة بين الفرقاء السياسيين التي تركت ظلالها على الحياة العامة، بالإضافة إلى انشغال هؤلاء الساسة بمصالحهم الحزبية والفئوية والشخصية، على حساب المواطن. جعل الكثير من الناس يفكرون بصوت عال وهم يعلنون أنهم لن ينتخبوا هؤلاء مرة أخرى، ويندبو ا حظهم العاثر الذي أوقعهم في شباك الانتخابات الطائفية والمناطقية، التي لم يجنوا منها سوى الضيم والقهر والحرمان، وسوء الخدمات، والبطالة، والتهميش، وعدم احترام حقوق الإنسان، ومحاولة التضييق على الحريات، ناهيك عن غلاء المعيشة والأزمات الأخرى التي لا تعد ولا تحصى. بدءاً من الماء الصالح للشرب والكهرباء، وانتهاء بالكهرباء والماء الصالح للشرب.
هذا السخط الشعبي على الوضع الحالي، وعلى من تم إيصالهم إلى مجلس النواب ومجالس المحافظات، مع كسر قيد الاصطفافات في الفترة القريبة الماضية ولّد ارتياحا وتفاؤلا عند القوى الأخرى التي حرمت من التمثيل في تلك المجالس، وبشكل خاص المدنية والديمقراطية. مع سوء إدارة وجهل الكثير من أعضاء مجالس المحافظات في كيفية بناء وتعمير البنى التحتية لمحافظاتهم، وتقديم الخدمات وتوفير فرصة العمل وو الخ من أمور، تقع على عاتقهم وعاتق أحزابهم وحركاتهم وتياراتهم التي وعدت بالكثير من المنجزات والمشاريع قبل الانتخابات، التي كان للاصطفافات الطائفية والمذهبية والمناطقية وحتى العشائرية فيها كلمة الفصل، ناهيك عن النظام الانتخابي المجحف، والإغراءات والهديا والهبات التي وزعت على العوائل والأفراد. من غير أن نسمع أو نقرأ أو نشاهد برنامجا انتخابيا لأي كتلة فازت بالتمثيل في مجالس المحافظات ،لا بل حتى مجلس النواب. كل هذا كان سببا في عدم صعود القوى المدنية والديمقراطية.
3
العامل الآخر الذي أنعش آمال القوى المدنية والديمقراطية في الصعود إلى مجالس المحافظات، هو الانشقاقات والخلافات بين الكتل الكبيرة، خاصة تلك التي بنيت على أساس طائفي ومناطقي، حتى أن البعض من هذه الكتل فاتح القوى المدنية والديمقراطية في إمكانية التحالف والنزول بقائمة واحدة في بعض المناطق، في محاولة احتيال جديدة على المواطن والدخول هذه المرة من باب آخر، غير باب الفتاوى ودعم المرجعية، وإنفاق أموال لاطائل لها، بعضها معلوم المصدر وآخر مجهول.
من خلال مراجعة بسيطة لحركة المجتمع العراقي في الفترة القليلة الماضية وبالتحديد عامي 2011 و 2012 نجد أن هذه الحركة كسرت طوق وحاجز الطائفية بين المناطق، وأصبح باستطاعة الكثير منا، زيارة ودخول مناطق كان من غير الممكن دخولها، حتى لمن لا يكترث للطائفية أو المذهبية. مع فتح الكثير من الخطوط التجارية والاقتصادية والاجتماعية بين تلك المناطق، وأخذت الحياة تعود إلى طبيعتها المعهودة بين أبناء العراق. وهي نقطة أخرى تصب في مصلحة القوى المدنية والديمقراطية، لاستعادة مكانتها المعهودة اجتماعيا وسياسيا والعمل على النهوض بالمجتمع من ركام الدكتاتورية والإرهاب والطائفية والمحاصصة، مع العمل على تقدم البلد وازدهاره، بشتى المجالات.
4
إلا أن ما حدث من تطورات ومستجدات على بعض الملفات التي فتحت في الفترة الأخيرة، التي عبر عنها أنها طائفية وما نتج من ردة فعل وتصريحات متشنجة من كل الأطراف، ربما يعود بنا إلى فترة الاصطفافات والتخندق الطائفي والمذهبي والمناطقي والعشائري، خاصة ونحن على أعتاب انتخابات مجالس المحافظات التي يشكك الكثير في إقامتها في الوقت المحدد لها والمعلن. فالأمور تارة تسير نحو التهدئة، وأخرى نحو التصعيد، وبين هذا وذاك، تتقطع أنفاس المواطن في عمله وتنقله اليومي، مثلما تدور بوصلته بالاصطفاف وعلى أي أساس. أي تطور سلبي تصاعدي في هذه الخلافات، وما سينتج عنه من ردة فعل، ربما تتدخل فيه جهات إرهابية داخلية أو خارجية ، قد يعود بنا إلى فترة سوداء من تاريخ البلد كنا قد غادرناها، إلى غير رجعة مثلما تمنى ذلك عموم أبناء العراق.
وإذا ما تم ذلك فعلا وعادت تلك الاصطفافات مع الانتخابات الخاصة بمجالس المحافظات نتيجة التصعيد المقصود أو غير المقصود بالخلافات السياسية الشخصية منها أو الحزبية أو الفئوية بين الفرقاء "والأصدقاء" في العملية السياسية، فإن الخاسر سيكون حتما قوى التمدن والديمقراطية واليسار التي لن تتمكن من مجاراة القوى الدينية والمناطقية والعشائرية والعزف على أوتارهم. أما الخاسر الأكبر فسيكون الشعب، الذي سيعض إصبعه البنفسجي ندما بعد حين، وهو يعيد ذات الأسماء والأشكال والأنواع من الأحزاب والتيارات والحركات، إلى مجالس المحافظات، ليعيش في ذات العجلة التي ظل يدور فيها الفترة السابقة ،حيث يدور معه الفقر والظلم والبطالة ونقص الخدمات وغلاء المعيشة والفساد والتزوير وغسيل الأموال وتهريبها والأزمات والخلافات والسجالات والتصريحات وتبادل الاتهامات، وامتيازات أعضاء الحكومة ومستشاريهم، وأعضاء مجلس النواب ومجالس المحافظات ومجالس الأقضية والنواحي، وأصحاب الدرجات الخاصة ومدراء المحاصصة والتزوير والمعادلة، وكل من لفّ لفّهم وصعد مركبهم، وصفق وطبل لهم. وتبقى آخر الأماني وأولها أن نرى ونعيش في ظل عراق موحد فيدرالي ديمقراطي مثلما أقره الدستور، عراق مدني يحترم كل الأطياف والأديان والمذاهب والقوميات، عراق من غير قادة ودعاة الطائفية والمذهبية والمحاصصة التي ستموت لحظة اختفائهم.