وضع المالكي إصبعه على الجرح العميق حين دعا أول من أمس إلى "إشاعة ثقافة الحب". أظنها المرة الأولى التي ترد فيها كلمة "الحب" في أحاديثه. المالكي سياسي. والسياسي، كل سياسي، عندما يقول شيئا لا يعنيه مثلما يعنيه المواطن العادي ،خاصة إذا صار ذلك السياسي حاكما. أكثر ما يجيده السياسي هو اللعب بالألفاظ إلى حد أنه قد يصنع من "الوطن" صورة خرافية لا علاقة لها بوطن الناس. السياسيون الحاكمون يريدوننا أن نموت من أجل "وطنهم" ونتعرى ونجوع ونضحي بلا حدود كي يبقوا في كراسيهم. وطنهم هو الحكومة التي ستزول يوما ولا يظل منها غير بقايا رماد تاريخهم الأسود. أما نحن المساكين فوطننا هو هذا الذي ترونه يئن مما يصبونه على رأسه من مصائب وكوارث وروائح تسد منافذ الخير.
ومثلما يكثر الحكام من التغني بالوطن والوطنية عندما يفشلون، ليضحكوا علينا، نجدهم يتحدثون عن الحب، الذي لا يعرفونه أصلا، ليبتزوا به مشاعرنا قبل عقولنا. فالحب عند السياسي استحواذ وعند الإنسان عطاء. فالسياسي، كما يصفه أوسكار مرينجر هو من "يجيد فن الاستحواذ على حقوق وأموال الفقراء والأغنياء والرجعيين و المتحضرين ويوهمهم أنه سيحمي كل واحد منهم من شرور الآخر".
السياسي قلبه مثل عقله: مؤدلج. وأنى للقلب المؤدلج أن يعرف معنى الحب ! سؤال قفز على لساني حين سمعت المالكي يتحدث عن الحب! عن أي حب يتحدث؟ هل هي دعوة لنا إلى أن نحبه هو مثلا؟ أسأل لأن السياسي، كما قلت، قد يعني ما لا تعنيه الناس. إنها "الحسجة" أو الباطنية السياسية. وإن كان يقصد ذلك، فمن قال له إننا نكرهه؟ عن نفسي أجيب، بما غناه رياض أحمد: أحبك ليش ما أدري؟
وقبل هذا وذاك أسأله: هل أنت تحبنا يا دولة الرئيس حتى تدعونا للحب؟ أشك في ذلك، مع احترامي لشخصك. تعرف ليش؟
لو كنت تحبنا لنظرت إلى زنوبة التي تبيع كلينكس بالشوارع وكأنها رحاب حفيدتك. تخيل أنك، في أيام حكم صدام، قد زرت ابنتك وسألتها عن حفيدتك، فأجابتك أنها عند الفلكة تستجدي، فماذا ستقول؟ إن الذي ستقوله هو الحب يا أبا إسراء.
ولو مررت يوما في أحد المساطر ووجدت ابنك أحمد، كباقي المئات أو الآلاف من أبناء العراقيين، ينتظر مقاولا يترحم عليه بفرصة عمل حتى لو كانت جمع المخلفات بكرك عتيق رغم أنه خريج كلية، فماذا سيحدث لقلبك؟ إن الذي سيحدث له هو الحب يا ماسك خزينة البلد المليارية.
ولوأنك تركت الخضراء أنت وعائلتك ليلة واحدة، ولا أقول شهرا، وبت مع عائلة عراقية تعيش في بيت من تنك، فبماذا ستدعو ربك عند صلاة الفجر؟ إن الذي ستدعو به هو الحب يا حاج بيت الله!
للحب ركعتان لا يتم وضوؤهما إلا حين تجلس مع الناس في مقهى بشارع الكيارة بمدينة الصدر تشرب استكان شاي وتسمع داخل حسن وبنت الريف يتناوبان في أغنية:
لو رايد عشرتي وياك حجي الجذب لا تطريه.
إنت فين والحب فين؟
[post-views]
نشر في: 29 ديسمبر, 2012: 08:00 م