TOP

جريدة المدى > محليات > الحياة تعود إلى بحر النجف بعد100 عام من الجفاف

الحياة تعود إلى بحر النجف بعد100 عام من الجفاف

نشر في: 9 فبراير, 2019: 08:32 م

 متابعة المدى

على الرغم من مرور أكثـر من مئة عام على جفاف بحر النجف الواقع في الجزء الشمالي من محافظة النجف ، إلا أن مياه الأمطار الغزيرة ومعها السيول أعادت الحياة للبحر هذا العام ليتحول متنفسا للأسر العراقية خلال العطلة الربيعية.

وقال فاضل فارس، وهو صاحب شركة سياحة في محافظة النجف لـ موقع "العربي الجديد" إن "امتلاء مساحات واسعة من منطقة بحر النجف بمياه الأمطار حوله إلى مكان سياحي مميز يحوي مناظر خلابة"، موضحاً أن هذا الأمر دفع شركته لتنظيم سفرات سياحية يومية إلى المنطقة بأسعار رمزية لا تتجاوز العشرين ألف دينار عراقي (ما يعادل 16 دولاراً أميركياً) .
وأضاف "شهدنا إقبالاً كبيراً من الزائرين لبحر النجف للاستمتاع بأجوائه خلال العطلة الربيعية"، مبينا أن الشركة تسير الرحلات إلى البحر يومياً. ولفت إلى قدوم زائرين من خارج محافظة النجف للاستمتاع. وقال علي مرزوك، الذي يسكن إحدى المناطق المحاذية لبحر النجف، إن "البحر امتلأ بمياه الأمطار، وكاد يغرق المناطق المجاورة، إلا أن الأهالي تمكنوا من وضع سواتر ترابية مرتفعة حالت دون ذلك". وأضاف "الآن وبعد هدوء مياه بحر النجف تحولت المنطقة إلى واحة جميلة تعج بالزائرين الذين يأتون يومياً للتنزه"، معبراً عن أمله في انعكاس عودة الحياة لبحر النجف على المناطق القريبة منه. وفي السياق، أكد سمير عبد الزهرة، وهو مدرس من سكان محافظة بابل) أنه أصطحب أسرته إلى بحر النجف لقضاء يوم كامل هناك، موضحا لـ "العربي الجديد" أن الأجواء الجميلة فيه جعلته يفكر بإعادة التجربة والقدوم مجدداً في نزهة ثانية إلى المنطقة الأسبوع المقبل، مستغلاً إجازة العطلة الربيعية.
يشار إلى أن محاولات استثمار منطقة بحر النجف فشلت بسبب شبهات فساد، وفقا لما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي من بينها صفحة "النجف مدينتي" التي قالت إن مستثمرا كويتياً اقترح في وقت سابق تحويل المنطقة إلى منتجع سياحي دون أن يدفع العراق أية مبالغ مالية، موضحة أن جهات سياسية طالبت بنسبة مالية مقابل ذلك، ما أدى إلى إفشال المشروع.
وتاريخياً ذكر بحر النجف في مؤلفات المؤرخين العرب القدامى ومن ذلك ما ذكره المؤرخ اليعقوبي في تاريخه (البلدان) إذ قال: (النجف كان على ساحل بحر الملح...) أما المؤرخ العربي الشهير الطبري فقد ورد في كتابه (تاريخ الرسل والملوك) ما نصه : (واقبل المختار حتى انتهى الى بحر البحيرة يوم الجمعة فاغتسل فيه...)
أما المؤرخ العربي المسعودي (ت 346 هـ) ففي كتابه الشهير (مروج الذهب) جاء ذكر بحر النجف في أكثر من موضع من ذلك قال: (كان البحر حينئذ في الموضع المعروف اليوم بالنجف وكانت تقوم هناك سفن الصين والهند بنقل البضائع التي ترد الى ملوك الحيرة..)
ونستشف من قول المؤرخ العربي المسعودي إن بحر النجف كان يربط النجف بمدن العراق والخليج العربي، ومن ثم بالهند والصين .. وقد تأكد ذلك من خلال اطلاعنا على مصادر قديمة عدة.
هور وبحيرة
اما الكتاب المحدثون فقد اطلقوا عليه مرّة (هور النجف) وأخرى (بحيرة النجف) ومن هؤلاء صاحب كتاب (الاستيطان القبلي) ومنهم من سماه بـ(مستنقعات النجف) كالباحث الكبير أحمد سوسه في كتابه (تطور الري في العراق) . اما الدكتور صالح أحمد العلي فقد ذكر في كتابه (تاريخ حضارة وادي الرافدين) ما نصه:
(تتجمع هذه الأنهار في مجتمع الانهر.. وهي تصب في بحر النجف الذي كان مليئاً بالماء وتصل إليه السفن البحرية) .
ومنهم من قال ان لفظة (البحر) التي اطلقت على هذا المنخفض جاءتَّ من باب التفخيم ليس إلا ومن هؤلاء الباحث محمد جواد في رسالته التي اعدها لنيل درجة الماجستير (تاريخ النجف في العصر العباسي) .
ومازال بعض أهل النجف يتناقل خبراً عن تسمية هذا البحر، بان اسمه (الني) فلما جف على حد زعمهم سمي (الني جف) ولكثرة الاستعمال سقطت الياء تخفيفاً كما هو معروف عند علماء اللغة فصارت (النجف) ولو تدبرنا هذا الخبر لوجدناه يفتقر الى الأدلة العلمية والبراهين المنطقية.. ويفند هذا الزعم ما ذكره المؤرخون العرب المسعودي والطبري واليعقوبي فقد جاء ذكر (النجف) وكان البحر مغموراً بالمياه وتصل اليه السفن البحرية. وقيل أن اصل هذا المنخفض انما نشأ بفعل عوامل التعرية الباطنية التي تؤثر تأثيراً فاعلاً في بعض أنواع التكوينات الصخرية.. وهذه التكوينات الصخرية التي تؤثر فيها عوامل التعرية هي الغالبة على هذه المنطقة كما وصف الرحالة الأجانب وعلماء الآثار الذين زاروا العراق بحر النجف ، من هؤلاء (المستر بارلو) الذي وصف بحر النجف كما شاهده في سنة 1889م (1306هـ) .
قائلاً: (ان النهر المسمى نهر الهندية يجري في الجهة اليمنى من الفرات وهو يحمل نصف مياه الفرات.. ثم يصل الى مدينة النجف فيصب هناك في بحيرة تسمى (بحر النجف) يبلغ طولها (609 أميال وعرضها (30)ميلاً.. والمياه بعد أن تتجمع في بحر النجف تتغلب عليها المواد المعدنية، وتغدو كمياه البحر مالحة وغير صالحة للافادة منها.. وكان هذا البحر خير طريق للمواصلات بين النجف وسائر الجهات العراقية وكذلك خارج العراق.. وإن اكثر الزائرين الذين يقدمون من الهند لزيارة الأماكن المقدسة في كربلاء والنجف كانوا يسلكون طريق الفرات الذي ينتهي بالنجف...) وادي الفرات (2/265).
ومن هؤلاء أيضاً الرحالة البرتغالي (تكسيرا) الذي كتب رحلته بالبرتغالية ثم ترجمت الى اللغة الانكليزية وطبعت في لندن سنة (1902 م) . لقد وصل هذا الرحالة الى النجف مساء السبت (3 ربيع الثاني عام 1013 هـ) ووصف البحر بقوله: (إن بحر النجف يستمد مياهه من الفرات، ولذلك يلاحظ ازدياد مقاديره في مواسم الطغيان، وليس لهذه البحيرة شكل معين وانما تمتد بطولها حتى يبلغ محيطها خمسة وثلاثين الى اربعين فرسخاً وهناك ما يقرب من منتصفها ممر ضحل تستيطع الحيوانات اجتيازه خوضاً في المواسم التي يقل فيها ماء البحر...). لقد لعب بحر النجف دوراً كبيراً في إخراج النجف من عزلتها الجغرافية ونموها وتوسعها وكثرة عدد سكانها، إذ اخذت تنمو وتتوسع وتزدهر فقد كان البحر واحداً من المسالك المهمة الذي يربط النجف بالخليج العربي عبر ميناء (الابله) الذي يُعد رئة العراق على العالم الخارجي.
ولم يقتصر دور البحر على النقل التجاري فحسب بل كان يستخدم لنقل المسافرين وزوّار المرقد الشريف من عدة مدن إسلامية..
كما كان البحر مورد رزق لأهل النجف باعتباره مملحة كبيرة يعتاش عليها الكثير من الناس، فلا عجب حينما سمي منذ القدم بـ(بحر الملح).. وقد أكد ذلك الرحالة (تكسيرا) بقوله: (إن هذه البحيرة كانت شديدة الملوحة ولذلك كان يستخرج منها الملح الذي يباع في بغداد والمناطق المجاورة).
كما اعتمد سكان النجف في رزقهم اضافة الى ما ذكر- على اسماك البحر الكثيرة والمختلفة الأنواع.. وقد ذكر ذلك الرحالة البرتغالي (تكسيرا) إذ قال : ومع ملوحة بحيرة النجف كان يكثر فيها السمك بحجومه وأنواعه المختلفة ولهذا يسميها الناس هناك (بحيرة الرهيمة) ويضيف تكسيرا قائلاً: (وعلى الرغم من أن السمك كان متيسراً في بحيرة النجف فان سكان البلدة لم يكونوا يستفيدون منه الا بمقدار قليل...).
في عام 1887 م أخذ بحر النجف بالجفاف بعد ما عمد السلطان العثماني الى سد منافذه الرئيسة التي تصب فيه بالصخور الكبار فسمي بابي صخير وكان اسمه السابق (الجعارة) لشدة صوت البحر.. ويذكر الباحث أحمد سوسه إن فكرة تجفيف بحر النجف تعود الى زمن الاسكندر المقدوني الذي حاول تجفيفه لإحياء أراضيه واستثمارها في الإنتاج الزراعي، وذلك عن طريق إنشاء سد بين نهر بابل ومنخفض بحر النجف لمنع وصول مياه الفيضانات إليه.
أحد سكان منطقة بحر النجف تمنى على المسؤولين أن يستغلوا هذا المكان سياحياً وتمتد اليه يد الرعاية والاهتمام وبشكل مدروس دراسة علمية على يد خبراء في مجال السياحة .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

مقالات ذات صلة

واسط تطارد المرابين.. وباحثون يحذرون من تفاقم ظاهرة «الربا»
محليات

واسط تطارد المرابين.. وباحثون يحذرون من تفاقم ظاهرة «الربا»

 واسط / جبار بچاي بعد تفاقم ظاهرة «الربا» ووقوع ضحايا أغلبهم من الفقراء والمحتاجين للمال، شكّلت محافظة واسط خلية أمنية لتعقّب المرابين، وتمكّنت الأجهزة المختصة في المحافظة من اعتقال بعضهم وتوقيفهم وفق القانون...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram