العراقيون بجامعة موسكو في الستينيات ومصائرهم (2)

العراقيون بجامعة موسكو في الستينيات ومصائرهم (2)

د. ضياء نافع

كلية الجيولوجيا هي المحطة الثانية في هذه السلسلة من المقالات عن الطلبة العراقيين بجامعة موسكو في ستينيات القرن العشرين ومصائرهم .

كانت هذه الكليّة جديدة كليّا لمفاهيمنا , إذ استطعنا أن نترجم الى العربية اسماء معظم الكليّات تقريباً , إلا أننا كنا نقول – كليّة الجيولوجيا . تميزت هذه الكليّة بقبول مجموعة كبيرة نسبياً من الطلبة العراقيين و في الدراسات الأولية فقط , إذ لم يكن هناك طالب عراقي في الدراسات العليا . اسماء هؤلاء الطلبة وكما أتذكرهم و حسب حروف الهجاء هم كما يأتي – المرحوم انترانيك ( نسيت اسم والده ) / المرحوم الشهيد د. حامد الشيباني / المرحوم جمال منير / د. ديكران يوسف / صاحب ( نسيت اسم والده ) / صدّاع العاني / المرحوم د. عدنان عاكف / المرحوم غريب رياح / المرحوم فيصل الجبوري/ كبه ( نسيت اسمه) / د. محي السعد / منذرنعمان الاعظمي / د. يحيى قاسم. 

أحاول أن اتوقف عند هذه الاسماء (الحبيبة الى قلبي ) ومصائرهم حسب معلوماتي المتواضعة , وحسب ما انحفر في ذاكرتي عن أحداث ارتبطت بهم وعرفت بها أو سمعت عنها , وكم أتمنى أن يكمل الآخرون هذه السطور أو يصححونها في الأقل , إذ رحل البعض منهم عن الحياة , ومن واجبنا , نحن الذين مازلنا على قيد الحياة , أن نسجّل ما شاهدناه و ما عرفناه آنذاك للاجيال العراقية القادمة من الأبناء والأحفاد وأبناء الأحفاد , كي نبرز الحقائق والوقائع كما كانت فعلاً ونسجلها قبل أن تضيع الى الأبد , أولاً , وكي لا تكرر هذه الأجيال الأخطاء والعثرات الى حدثت في مسيرتنا, ثانياً , وتلك هي مهمة التاريخ العظيمة . 

المرحوم انترانيك , وكنت اسميه دلعاً انتران . كان مرحاً وبسيطاً ومبتسماً ومتفائلاً دائماً , وهو الذي اطلق ( هلهولة عراقية مدوّية ) عندما اجتمع معنا الدكتور المشاط ( مدير البعثات في وزارة المعارف آنذاك ) في قاعة (02) بجامعة موسكو ( انظر مقالتنا بعنوان – رابطة الطلبة العراقيين في الاتحاد السوفيتي 2 ) . لقد تصرف المشاط بعنجهية وغرور وبشكل فظ تجاه الطلبة العراقيين , واستخف بالشهادات السوفيتية , وأعلن أن شهادة الكانديدات حسب القاموس الروسي العربي الذي اطلع عليه هذا المدير بحثاً عن معنى تلك الكلمة الروسية هي ( مرشح علوم ) , وبالتالي فانها لا يمكن إلا أن تعادل شهادة ماجستير ليس إلا , وكان رد فعل القاعة واضحاً ضد هذه الأفكار السطحية , واذا بنا نسمع (هلهولة) مدوّية من وسط القاعة يطلقها انترانيك , وقد ضجّت القاعة بالضحك طبعا , وكان ذلك اجمل رد (شبابي!) رائع ( رغم كل ما قيل ويقال ) على هذا المدير ( المبوّز !) , الذي يتكلم عن العلم السوفيتي ( وكان آنذاك يغزو الفضاء) وتعادل شهاداته من وجهة نظر سياسية عراقية ساذجة ومضحكة وضحلة ولئيمة , وجهة نظر تعكس طبعاً تلك الخلافات السياسية التي كانت سائدة في الساحة العراقية بداية الستينيات . ولقد تذكرت المرحوم انترانيك وهلهولته المدوية عندما جمعنا مرّة ( نحن أساتذة جامعة بغداد والمستنصرية) وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور المشاط نفسه , وتكلم أمامنا بنفس ذلك التعجرف والعنجهية والغرور و السطحية أيضاً , نحن الاساتذة , وهو يمجّد ويمجّد (القائد الضرورة!!!) بتلك الكلمات الطنانة والرنانة المقرفة حتى الضجر, وقلت بيني وبين نفسي , آه لوكنت معنا الآن ايها المرحوم انترانيك !!! , وتذكرت المرحوم انترانيك أيضاً عندما قرأت اسم الدكتور المشاط ضمن عرائض الذين ( يرجون !!! ) الاميركان بالتدخل لانقاذ العراق ... 

الاسم الثاني هو الشهيد د. حامد الشيباني , والذي كتبت عنه عدة مرات , وسأبقى أكتب عنه وأذكر سيرته المتواضعة ( والعظيمة أيضاً ) منذ كان طالباً متميّزا (علماً وأخلاقاً ) في كلية الجيولوجيا بجامعة موسكو وهو يرفع اسم العراق عالياً , وكيف اقترح مشرفه العلمي نفسه أن يكمل حامد دراسته العليا لأنه لاحظ تميّزه, وهكذا حصل على شهادة الدكتوراه , و عاد الى العراق وأصبح – وبجدارة - شخصية علمية وإدارية بارزة في شركة النفط الوطنية في السبعينيات, وكيف اعتقلوه في شركة النفط هذه وأثناء الدوام , ومن ثم اختفى أثره , ولا يوجد له الآن حتى قبر , رغم كل محاولات عائلته , التي أرادت فقط ان تعلم مصير ابنها , أو حتى مكان قبره في أرض الوطن , الوطن الذي رفع المرحوم د . حامد الشيباني رأيته عالياً في أجواء كلية الجيولوجيا بجامعة موسكو في تلك الأيام الخوالي ... الرحمة والذكرى العطرة والخلود لك ايها الشهيد الدكتور حامد الشيباني .

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top