TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: لنجعل العراقي يخاف

قناطر: لنجعل العراقي يخاف

نشر في: 12 سبتمبر, 2020: 06:28 م

 طالب عبد العزيز

كثيراً ما نسمع عبارات مثل (العراقي شجاع أو العراقي لا يخاف والعراقي ابو الغيرة، وهو ابن الملحة..) وهي كلمات مديح جميلة، ومدعاة للفخر في ظاهرها، لكنها حملت وتحمل الويلات لهذا الكائن المسكين (العراقي)

الذي لا يميز بين الشجاعة والتهور، وبين الخوف والجبن، وبين الغيرة والحماقة وسواها من الثنائيات القاتلة هذه، وقد دفع الكثير من رجالنا وأولادنا وأسرنا بعامة الثمن الباهظ في المال والأنفس والممتلكات جراء سوء الفهم هذا، في اندفاعات أقل ما يقال عنها أنها بلا معنى، دونما إرشاد من واعظ على منبر أو باحث في جامعة أو زعيم في حزب سياسي.

وبعيداً عن تعريف الطب النفسي للخوف والذي يقول:" بأن الخوف شعور يُصيب عقل الإنسان المترقب لحدوث أمر سلبيّ له من خطر معين" فان الخوف يُتجاوز بالادراك والتعلم ليصبح عقلانيا وحالة طبيعية في السلوك العام. ولعل ما يحمل العراقي على الاندفاع والتهور وارتكاب أفعال تقع دائماً خارج السلوك السوي في الصدامات المسلحة بخاصة هو عدم قدرته على تعريف الخوف بما لا يظهره بصفة الجبان في محيطه، فتراه يذهب الى أقصى حدود العنف، نافياً أيَّ وجود للعقل والإدراك وغير مبال بالنتائج المترتبة على سلوكه هذا. وكثيراً ما نسمع من عراقي يشير الى قوته و(شجاعته) وجرأته بقوله: أنا ما أخاف حتى من الله.

لو بحثنا في قضية بسيطة مثل موقف العراقي من الاحتفاظ ببندقيته، وإصراره على تعزيز ممانعته، وتنويع مصادر قوته بالأسلحة، لوجدناه محقاً جداً، فهو في غابة حقيقية، والوحوش فيها كثيرة، فلا قانون لحمايته، ولا سلطة تردع من يتجاوز عليه، لذا لم يبق أمامه سوى الاعتماد على نفسه في أسرته وعشيرته، وهنا، في الحيّز الضيّق هذا انتفى التفسير الفلسفي للخوف ولا جدوى من الذهاب به الى العقل والاحتكام للمنطق، إذ، لا وقت لديه لفلسفة مترددة تضيع حياته، وتفقده ما يملك، وتقلل من شأنه في محيطه، وبذلك تكون البندقية أقصر وأنجع السبل أمامه، وما الشجاعة إلا القتال والموت والدم وتحطيم الخصم، ولو دققنا في الأمر عميقاً لوجدنا انَّ الدولة بضعفها وعجزها وإهمالها للقوانين هي المسؤول الأول والأخير في ما حدث له ولـ (خصومه) أيضاً.

هي دعوة خالصة للحكومة بأن تجعل العراقي يخاف، فخوفه هذا ضروري جداً لضمان حياته، ومستقبل أولاده، ولا أقول لإرهابه بقوة السلاح، أبداً، فهي الأسوأ هنا، أنا أدعوها لتخيفه بقوة القانون، وأن تجعل من سلطة القضاء معينا له في إيجاد تفسير جديد للخوف عنده، وأن تفهمه بأن الطمانينة والعيش الرغيد لا يأتي بالبندقية، فهو بحاجة أكيدة للخروج من حاضنته الاجتماعية، التي تشنّع عليه تراجعه في أيّ مواجهة، سواء أكانت في الحق أو الباطل، اللذين اختلطا في فهمه، ولم يعد يرى الشعرة التي تفصل بينهما. وأرى بأن الوقت قد حان للعراقي بالخروج من دائرة الحماقة والتهور الى دائرة العقل والإدراك، وما ذلك بعسير إن أخذت الدولة بيده، وتمكنت من انتزاع البندقية التي في رأسه، والتي بات وللأسف، لا يرى طريقه وحياته ومستقبل أولاده إلا منها. ربما تنفع مقالتنا هذه القائمين على حملة نزع أسلحة العشائر التي لم تفد من تجارب الحملات السابقة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

سقوط 3 شهداء في انفجارات لبنان

انفجارات جديدة بأجهزة اتصال لاسلكية لعناصر حزب الله في لبنان

البرلمان يؤجل انعقاد جلسته

السفيرة الأميركية: العراق قادر على خلق نموذج اقتصادي يحتذى به

تصاعد أزمة السكن في العراق.. نقص الوحدات السكنية يهدد مستقبل ملايين المواطنين!

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: حاشية الكراهية

"حاكمية الفقهاء" انقلاب على دعوات السيستاني

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

نتائج اجتماعية سلبية محتملة لمقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959

العمودالثامن: لماذا تصمت نقابة المحامين؟

العمودالثامن: حين تغضب النقيبة !!

 علي حسين لم يخترع بيان المثقفين العراقيين قصة اضطهاد وملاحقة المحاميتان زينب جواد وقمر السامرائي ، ولم يختلق المثقفون الموقعون على البيان حكاية صمت نقابة المحامين على ما جرى ويجري من شتائم واتهامات...
علي حسين

قناطر: بين طفولة الورق وشيخوخة الإلكترون

طالب عبد العزيز أشعر بغربة حقيقية أمام شاشة اللابتوب، وأنا أدوّن المادة هذه، لم أألفَّها والله، مع أنني أمضيت معها أكثر من عشرين سنة، تطالعني وأطالعها كل يوم، حتى صار بإمكاني ترتيب أفكاري، وكتابة...
طالب عبد العزيز

نتائج اجتماعية سلبية محتملة لمقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959

لاهاي عبد الحسين وإنْ ظهرت بعض التصريحات المهدئة من قبل المتحمسين لمقترح التعديل الجائر بحق العائلة والمرأة العراقية والمواطن العراقي نتيجة الجهد الثقافي والأدبي والاعلامي العراقي المعارض الذي اشتركت به أكثرية من النساء والرجال...
لاهاي عبد الحسين

المجتمع الغربي يتجه نحو الفوضى والعنف!

ايف مونتناي ترجمة: عدوية الهلالي مع أعمال الشغب الأخيرة في المملكة المتحدة، رأينا أن المجتمع البريطاني لم يعد يمثل معجزة التوازن بين السكان المحليين والسكان القادمين حديثاً. بل إننا نشعر أن التوترات التي تم...
ايف مونتناي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram