TOP

جريدة المدى > عام > بل غيتس في كتابه الجديد.. كيف السبيل لتجنّب كارثة مناخية ؟

بل غيتس في كتابه الجديد.. كيف السبيل لتجنّب كارثة مناخية ؟

نشر في: 23 فبراير, 2021: 09:58 م

ترجمة وتقديم لطفية الدليمي

لم يعُد التغيّر المناخي في أيامنا هذه ضرباً من توقعات كارثية أو مشهداً متخيّلاً في رواية أو في عقل مهووس بالنهايات المأساوية للعالم ؛

بل هو حقيقة واقعة صار البشر يعيشونها ويختبرونها بل ويتحسّبون خوفاً من مآلاتها القاتلة . متى كانت درجات الحرارة اليومية في كبرى العواصم الاوروبية ، مثلاً ، تكاد تلامس حدود الأربعين درجة مئوية ؟ الأمر ليس مزحة أبداً ، ولابدّ من تكريس ثقافة بيئية جمعية تتناول كلّ التفاصيل الخاصة بالاحترار العالمي .

مسألة التغير المناخي الناجم عن فرط التسخين في الغلاف الجوي مسألة شائكة وشديدة التعقيد لكونها تتعلّق بأنماط سائدة من التصنيع والمعيشة اليومية على صعيد إنتاج الغذاء والطاقة ، وهناك مصالح رأسمالية ضخمة – مثل شركات النفط العملاقة – لن تقبل بسهولة الانتقال نحو أنماط مستحدثة من العيش تُكبح فيه الانبعاثات الكاربونية ( أي غاز CO2 ) المسببة لفرط التسخين العالمي ، وليست بعيدة السياسات الترامبية التي تحوّلت إلى نمط من الآيديولوجيا الناكرة حقيقة التغير المناخي أصلاً .

ليست آيديولوجيا الخداع والنكران الستراتيجية الوحيدة التي توظّفها الشركات العملاقة والمدافعون عن مصالحها من كبار السياسيين المتنفذين ؛ بل سادت في الآونة الأخيرة رؤية تتبنى اليأس وعدم جدوى أي جهد بشري لعكس آثار التغير المناخي تحت ستار ادّعاء أنّ البشرية عبرت حاجز اللاعودة ، وانّ الكارثة المناخية قادمة لامحالة مهما فعلنا . الحالة مشتبكة ومعقدة وتنطوي على سيناريوهات صراعية درامية بالتأكيد .

من المفيد في هذا الموضوع أن نستمع لرأي مطوّر الأعمال الأكثر شهرة في العالم ، بل غيتس Bill Gates ، المهتم بشؤون التغير المناخي ، والذي نشر كتابه عن هذا الموضوع يوم 16 شباط ( فبراير ) من هذا العام ( 2021 ) . الكتاب بعنوان : كيف السبيل لتجنّب كارثة مناخية : الحلول التي لدينا ، والانعطافات الحاسمة التي نحتاجها

How to Avoid a Climate Disaster: The Solutions We Have and the Breakthroughs We Need

أقدّم أدناه ترجمة للملاحظات التي كتبها غيتس عن كتابه ونشرها في موقعه الالكتروني المعروف GatesNotes تحت عنوان ( كتابي الجديد عن التغير المناخي ستجده هنا تقريباً ) . الرابط الالكتروني لمن يسعى لقراءة النص الأصلي ( ومواد أخرى في الموقع ) هو :

https://www.gatesnotes.com/Energy/My-new-climate-book-is-finally-here

المترجمة

عندما عملتُ في مايكروسوفت ، كان الأمر يمثل دوماً هزّة عاطفية عندما ننتظر رؤية منتج لنا عملنا عليه لسنوات طويلة وهو يتأهّبُ ليكون مطروحاً أمام الجمهور في نهاية المطاف . يخالجني شعور الترقّب ذاته اليوم . كتابي الجديد عن التغير المناخي سيكون متوفّراً للقرّاء يوم الثلاثاء ( 16 فبراير 2021 ، المترجمة ) ألكترونياً ( أونلاين ) وفي متاجر الكتب كذلك .

كتبت كتابي هذا ( كيف السبيل لتجنّب كارثة مناخية ) لاعتقادي بأننا في لحظة حاسمة فارقة . شهدتُ تقدّماً مذهلاً خلال الخمسة عشرة سنة الماضية – ومايزيد – كنتُ أتعلّم فيها الكثير حول الطاقة والتغير المناخي : إنخفضت أسعار الطاقة المتجدّدة المستحصلة من الشمس والرياح بطريقة دراماتيكية ، وهناك دعم جمعي متزايد – ولم يزل يتعاظم اليوم مقارنة مع السنوات السابقة – لمزيد من الخطوات الكبيرة الساعية لتجنّب كارثة مناخية ، وقد إنطلقت الحكومات والشركات في كل العالم لاعتماد أهداف طموحة بشأن خفض الانبعاثات الكاربونية .

إنّ مانحتاجه الآن هو خطّة بوسعها تحويل كل هذا الزخم المتصاعد إلى خطوات عملية كفيلة بتحقيق أهدافنا الكبيرة ، وهذا هو بالتحديد مايسعى إليه كتابي ( كيف السبيل لتجنّب كارثة مناخية ) : خطّة من شأنها إزالة الانبعاثات الكاربونية المتسبّبة في فرط التسخين العالمي .

تقصّدتُ الإبقاء على التفصيلات التقنية في حدّ أدنى لأنني أريد للكتاب أن يكون متاحاً للمقروئية العامة أمام كلّ من يُبدي اهتماماً بهذه المعضلة الخطيرة . لم أفترضْ منذ البدء أنّ القرّاء يعرفون شيئاً عن موضوعات الطاقة والتغير المناخي ؛ لكن لو امتلك بعضهم شيئاً من هذه المعرفة فعندئذ آملُ أنّ فهمهم سيتعمّقُ حول هذه الموضوعات المعقدة إلى حدود غير متصوّرة . ضمّنتُ كتابي أيضاً وسائل من شأنها جعل كلّ فرد قادراً على المساهمة في حلّ هذه المعضلة سواءٌ كان قائداً سياسياً ، أو مصوّتاً إنتخابياً ، أو مطوّر أعمال ، أو مكتشفاً تقنياً ، أو فرداً يروم معرفة الوسيلة التي يستطيع بها التأثير من أجل الصالح العام .

ساهمت مؤسستي ( مايكروسوفت ) في إنعطافة كبرى في ميدان الطاقة بدأت بتأسيس صندوق مالي مشترك للاستثمار في شركات الطاقة النظيفة الواعدة ، وقد توسّعت أعمال هذا الصندوق كثيراً في ميدان التعجيل باعتماد الابداعات الخاصة في مجال الطاقة حتى بلغ الأمر الخطوات التفصيلية لكلّ مشروع . سنمضي في دعم الاستثمار على جانبين : جانب المفكّرين العظام في ميادين الطاقة ، وجانب التقنيات والأعمال المستجدة غير المسبوقة ، فضلاً عن دعم السياسات الطاقوية في القطاعين العام والخاص التي من شأنها التعجيل بالانتقال إلى الطاقة النظيفة . سنعملُ خلال الأسابيع والشهور القليلة القادمة على تحويل الأفكار المعروضة في كتابي هذا إلى فعل ، مع محاولة جعل خطتي واقعاً مرئياً على الأرض .

أدناه مقطع من مقدّمة كتابي ، يوفّرُ للقارئ إحساساً حول الموضوعات التي يتناولها كتابي ، والأسباب التي دفعتني لكتابته . آملُ أن يستثيرك الكتاب ويحفّز تفكيرك ؛ لكنّ ماآمله أكثر من هذا هو أنّك ستعمل كلّ مايمكنك عمله في المساعدة على إبقاء كوكبنا بيئة قابلة للعيش للأجيال القادمة .

* * * * *

لم أكن لأتنبّأ منذ عقدين قبل اليوم أنني سأتحدّثُ يوماً ما إلى الجمهور العام حول التغير المناخي ، أو كتابة كتاب عن هذه المعضلة . تتركّز خلفيتي المهنية في قطاع البرامجيات الحاسوبية ( السوفتوير ) وليس في العلم المناخي ، وأعمل هذه الأيام بصورة كاملة مع زوجتي ميليندا في مؤسسة غيتس حيث يتركّز اهتمامنا المشترك ( وهو اهتمام واسع الأبعاد بكل المقاييس ) في حقول الصحة العالمية ، والتنمية ، والتعليم في الولايات المتحدة الأميركية . جاء تركيز اهتمامي على موضوعة التغير المناخي بطريقة غير مباشرة – أعني بذلك عبر تناول معضلة فقر الطاقة في عالمنا .

مع بداية الألفية الثالثة ، وعندما كانت مؤسستنا في بواكيرها الأولى ، بدأتُ الترحال إلى بلدان واطئة الدخل الفردي في شبه الصحاري الأفريقية وجنوبي آسيا لغرض الحصول على معرفة أوثق عن وفيات الأطفال ، ومرض الأيدز ، والمعضلات الصحية الكبرى التي كنا نعمل على فهمها ومعالجتها في مؤسستنا ؛ لكنّ عقلي لم يكن يرتاح للاقتصار على فهم الأمراض فحسب . كنتُ أركب الطائرات نحو المدن الرئيسة هناك ، وأتطلّع عبر النوافذ ، وأتساءل : لماذا تسود الظلمة الحالكة ؟ أين كلّ تلك الأضواء البرّاقة التي كنتُ سأراها لو كانت هذه مُدُناً مثل نيويورك أو باريس أو بكّين ؟

تعلّمتُ لاحقاً أنّ مايقاربُ بليوناً ( أي ملياراً ، ألف مليون ) من البشر لم يمتلكوا أبداً القدرة التي توفر لهم مصدراً معتمداً للكهرباء ، وأنّ نصف هؤلاء يعيشون في شبه الصحاري الأفريقية ( تحسّنت الصورة قليلاً منذ ذلك الحين في مطلع الألفية الثالثة ؛ يعيش اليوم حوالي 860 مليوناً فحسب من غير كهرباء ) . بدأتُ منذ ذلك الحين بالتفكير في الوسائل التي من شأنها جعل العالم قادراً على توفير طاقة مُعْتَمَدَة للفقراء . لم يكن أمراً ذا معنى أن تأخذ مؤسستنا على عاتقها حلّ هذه المعضلة الضخمة لأننا سعينا دوماً لجعل تركيزنا مصوّباً على المعضلات الرئيسية التي إنطلقنا منها ( وفيات الأطفال ، الإيدز ، المعضلات الصحية الكبرى ) ؛ ومع ذلك بدأتُ في تدوير الأفكار برأسي مع صحبةٍ من بعض أصدقائي المكتشفين وأصحاب الأفكار الخلاقة .

إلتقيتُ أواخر عام 2006 مع إثنين من زملائي السابقين العاملين في مايكروسوفت واللذين شرعا في العمل بمشروعات غير ربحية في ميدان الطاقة والمناخ . حضر زميلاي اللقاء صحبة إثنين من علماء المناخ الخبراء في المعضلات الخاصة بالطاقة والمناخ ، وشرح لي الأربعة بياناتٍ تربط بين الانبعاثات الكاربونية ( ظاهرة غازات الدفيئة Greenhouse Gases) والتغير المناخي .

علمتُ حينها أنّ غازات الدفيئة كانت تجعل الحرارة ترتفع باضطراد ؛ لكنني إفترضتُ مسبقاً وجود تغيرات تناوبية أو عوامل أخرى ستعمل بشكل طبيعي على منع وقوع كارثة مناخية ، وكان من العسير آنذاك القبولُ بحقيقة أنّ البشر طالما ظلّوا يطلقون غازات دفيئة بقدر مايشاؤون فإنّ درجات الحرارة ستبقى ترتفع من غير كابح يحدّها ( أي كنّا نفترض وجود كوابح طبيعية لدرجات الحرارة ، المترجمة ) .

عدتُ لمقابلة مجموعة زملائي مرّات عدّة مع أسئلة إضافية لغرض المتابعة والتفكير في المعضلة ؛ لكننا كنّا نغرق في بركة موحلة : العالمُ ، من جهة ، في حاجة لتوفير المزيد من الطاقة للإيفاء باحتياجات الفقراء ؛ لكن من جهة أخرى نحن في حاجة لتوفير تلك الطاقة من غير إطلاق المزيد من الانبعاثات الكاربونية .

بدت المعضلة الآن أكثر مشقة من ذي قبلُ ؛ إذ لم يكن كافياً توفيرُ طاقة رخيصة ومعتمدة للفقراء بل يجبُ أيضاً أن تكون تلك الطاقة نظيفة .

أصبحتُ خلال بضع سنواتٍ مقتنعاً بأمور ثلاثة :

1 . لكي نتجنّب كارثة مناخية يجب أن نبلغ مرحلة الانبعاثات الكاربونية الصفرية .

2 . نحنُ في حاجة لنشر الوسائل التقنية التي بحوزتنا اليوم ( مثل معدّات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ) بطريقة أسرع وأذكى من ذي قبلُ .

3 . نحنُ في حاجة لخلق ونشر المبتكرات التقنية التي تمثل انعطافات غير مسبوقة ، وهذه هي التي ستقودنا إلى حل معضلات الطاقة والتغير المناخي في المستقبل .

كان المتطلّب الخاص بالانبعاثات الصفرية للغازات الكاربونية – وهو بالفعل – الصخرة الصمّاء العنيدة الأكثر مشقة بين كل المتطلبات . إنّ قصر المتطلّب على خفض هذه الانبعاثات فحسب ( بدلاُ من تصفيرها بالكامل ) لن يكون مفيداً . الهدف المفيد والوحيد هو الخيار الصفري لهذه الانبعاثات . يقترحُ هذا الكتاب طريقة للمضي إلى الأمام ، وهذه الطريقة هي سلسلة من الخطوات التي بوسعها توفير فرصة أفضل لنا في تجنّب كارثة مناخية . تقومُ هذه الخطوات على خمس دعامات رئيسة :

- لماذا الخيار الصفري ؟ : سأفصّلُ في الفصل الأول من الكتاب كثيراً عن السبب الكامن وراء حاجتنا لتصفير الانبعاثات الكاربونية ، ويشمل هذا الحقائق التي نعرف ( وتلك التي لانعرف ) عن الكيفية التي سيؤثر بها إرتفاع درجات الحرارة على البشر في كلّ بقاع العالم .

- الأخبار السيئة ، بلوغ مرحلة الانبعاث الصفري لغازات الدفيئة سيكون مسعى عظيم المشقة حقاً : كلّ خطّة تسعى لانجاز شيء حقيقي على أرض الواقع إنما تبدأ بتقييم واقعي للمُعيقات التي تقف حجر عثرة في الطريق ؛ ولأجل هذا سأقدّمُ في الفصل الثاني من الكتاب تقييماً للتحدّيات التي من المتوقع مواجهتها في الطريق .

- كيف السبيل لإدامة حوار ثري مقترن بالمعلومات والبيانات الدقيقة بشأن التغير المناخي : سأوفّرُ في الفصل الثالث من الكتاب بعضاً من الاحصائيات المُربِكة التي قد تكون سمعتَ بها ، ومن ثمّ سأشاركُ القارئ بعضاً من الاسئلة التي لطالما دارت في عقلي وأنا في خضمّ كلّ حوار جدّي عن التغير المناخي . الاحصائيات والبيانات الدقيقة هي العاصمُ الذي منعني من الانجراف في أخطاء غير مقبولة مرّات عدّة ، وآملُ أن تساهم هذه الاحصائيات والبيانات الموثوقة في ترصين رؤيتك ومنعك من الشطط أو المواقف المنحازة غير المُسبّبة .

- الأخبار الطيبة ، نستطيع أن ننجح ! : أقدّمُ في فصول الكتاب الممتدة من الفصل الرابع حتى التاسع رؤية عن المساهمات التي يمكن بها لتقنيات الحاضر أن تكون ذات فائدة ، وأبيّنُ أيضاً المواضع التي نحتاجُ فيها إنعطافات تقنية ليست في حوزتنا اليوم . سيكون هذا هو الجزء الأطول من الكتاب لأنّ هناك الكثير ممّا يمكن – ويتوجّبُ – قوله .

- الخطوات التي نستطيع اتخاذها الآن : في الوقت الذي يبدو من الطبيعي أن تكون طموحاتنا حول معالجة التغير المناخي مدفوعة بإحساسنا العميق بأهمية العلم المناخي ؛ فإنّ أية خطة عملية لخفض الانبعاثات الكاربونية يجب أن تكون مدفوعة بحقول علمية أخرى غير علم المناخ فحسب : الفيزياء ، الكيمياء ، البيولوجيا ، الهندسة ( بكل فروعها ) ، علم السياسة ، الاقتصاد ، العلوم المالية ،،، إلخ . سأقدّمُ في الفصول الأخيرة من الكتاب مقترحاً لخطّة عمل مؤسّسة على موجّهات دليلية إستقيتُها من خبراء في كلّ هذه الحقول العلمية التي ذكرتها .

الخلاصة : ثمة أشياء يستطيع كل منّا فعلها ( مهما كان جنسه أو وظيفته أو تدريبه المهني ) من شأنها المساعدة في تجنيب الجنس البشري كارثة مناخية مؤكّدة .

هذا هو كلّ الأمر . دعونا ننطلق في سعينا .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

"مُخْتَارَات": <العِمَارَةُ عند "الآخر": تَصْمِيماً وتَعبِيرًاً> "قَحْطَانْ اَلْمِدْفَعِيِّ"

رحلة إلى ديوانية (النفّري)

موسيقى الاحد: أجمل قاعات الموسيقى

البعث الرواية الثالثة لتولستوي لكنها الأكثر إنسانية

المدينة وأسوارها الغامضة رواية هاروكي موراكامي الجديدة

مقالات ذات صلة

معضلة الصداقة الفكرية واقترانها بالحب
عام

معضلة الصداقة الفكرية واقترانها بالحب

جوني ثومسُن*ترجمة: لطفية الدليميسؤال وردني على البريد الالكتروني:عزيزي السيد ثومسنفي أواسط سبعيناتي قابلتُ إمرأة تصغرُني بعشرين عاماً، وقد أبانت عن اهتمام فكري بي لا يمكن تغافله أو الالتفاف عليه. هي في عمر ابنتي، وأنا...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram