علاء المفرجي
كان احتفالاً خجولاً من اشخاص وبعض المؤسسات الثقافية في ثمانينية القاص والروائي محمد خضير.. وهو ما لا يليق بمثل قامته الأدبية ومنجزه المتميز في السرد..
فنحن نقرأ في قائمة الاخبار الثقافية في كل يوم، أن البلد الفلاني يحتفل هذا العام بميلاد الاديب الفلاني أو العالم الفلاني ، وهذا الاحتفال لا يبادر به وسطه أو حفنة من معارفه، يتذكرونه بكلمات وأماسي وندوات، بل هو ما يقو بها البلد كله، ليس متفضلا بطبيعة الحال على هذا الأديب، بل هي فرصة له –اعني البلد - ليباهي العالم بانتماء هذا الاديب له، فهو بالنسبة لهذا البلد، قيمة عليا، بل وثروة وطنية لا يمكن التفريط بها تحت أي ظرف، حتى وإن عارضت أفكارها قيم هذا المجتمع، وأفكاره، حيث يكفي أنها جزلت بعطائها المعرفي درجة استحقت بها الخلود والشهرة. ولنا أن نتذكر مرة أخرى الكاتب والروائي الكبير اندريه مارلو الذي لم يكن ديغولياً بل يسارياً وشيوعياً حين منحه ديغول اليميني، امتياز حقيبة الثقافة مرتين في بلد علامته الاساسية صناعة الجبن وصناعة الثقافة مثل فرنسا، ويفخرديغول نفسه، وهو أول رئيس للجمهورية الخامسة، أن يتوسط بعمل نجله سكرتيراً للروائي الفذ فرانسوا مورياك. وأمير بافاريا لم يكن أحمقاً ليترجل عن عربته، فقط ليخلع قبعته وينحني عند مرور العربة التي تقل بيتهوفن تحيةً لمروره.
وهل لي أن أذكر ما فعلته بلدان العالم لهؤلاء الرموز في بلدانهم، من خلع اسماءهم على شوارع وساحات، وتحويل بيوتهم الى متاحف تضم مقتنياتهم وآثارهم في الحياة، ومراكز دراسات تحمل باسمائهم، أو جوائز كبيرة تحمل اسماؤهم، أو صورهم في طوابع البريد او العملة الوطنية، أو إقامة تماثل لهم، وغير ذلك من صور الاستذكار والتكريم.
محمد خضير الذي يعد واحدا من أيقونات السردية العراقية او قل رائده بما قدمه من منجز أذهل قراء العربية به، لصبح قمة علامة شاخصة في الادب العراقي والعربي.
إذن ما الذي فعلناه لمحد خضير في ثمانينيته – اطال الله عمره – وهو ما زال يرفد الادب العربي بجواهره في السرد والتنظير الادبي غير ما قام به اصدقاؤه الادباء، بما يستطيعون من بهجة هذه الذكرى لهم ولمحمد خضير.؟
أمام هذه السيرة الغنية، لأحد أساطين الأدب في العراق المعاصرين، نضع أمام المؤسسات الثقافية المعنية الاسئلة التي تعنى بطريقة تكريمه بهذه المناسبة، أسوة بما تقوم به المؤسسات الثقافية في كل دول العالم. والأخذ بها أو اقتراح غيرها بما يتلاءم ومكانة هذا الأديب، من شأنه أن يدفع الى الاهتمام برموزنا الثقافية والفكرية جميعاً.
هل احتفت بهذه المناسبة كلياتنا الادبية والالسنية به، بإقامة ندوات عن نتاجه الابداعي؟ وهل اقيم تمثال له في إحدى ساحات البصرة التي خلدها في منجزه، وقال عنها: “انها ارتساماً زمنياً لصيرورة شخصية، وحيّزاً للتخييل والحلم بمدينة أخرى”.؟ هل أعيد طبع مخطوطاته ومؤلفاته، هل ساهمت وزارة التعليم العالي من خلال تسمية، إحدى قاعات كلية الآداب في الجامعات العراقية بأسمه. وهل تم إطلاق جائزة سنوية للقصة بإسم جائزة محمد خضير، هل أعيد نشر كتبه، وطبع الذي لم ينشر إن وجد؟، وهل تم إصدار طابع بريدي يحمل صورته.؟
أنها دعوة لجميع مثقفينا، للمبادرة في رفع اصواتهم، ليس فقط للاحتفاء بمحمد خضير بل بكل رموزنا الاحياء، والذين غادرونا.. وهل لي أن أذكر ما فعلته بلدان العالم لهؤلاء الرموز في بلدانهم، من خلع اسماءهم على شوارع وساحات، وتحويل بيوتهم الى متاحف تضم مقتنياتهم وآثارهم في الحياة، ومراكز دراسات تحمل باسمائهم، أو جوائز كبيرة تحمل اسماءهم، أو صورهم في طوابع البريد او العملة الوطنية، أو إقامة تماثيل لهم، وغير ذلك من صور الاستذكار والتكريم.
ما الذي فعلناه نحن لرموزنا إذن، غير جلسات التكريم والاحتفاء والاستذكار وربما التأبين ، - لا فرق - والتي لا تسمن ولا تغني عن جوع؟ فإذا كان الكثير منهم قد قضى في مدافن الغربة وقسوة المنفى، في أعوام تسلط الدكتاتورية فإن من يعيش بين ظهرانينا بعد زوالها، مازال يعاني قسوة النسيان وشظف العيش والإهمال المتعمد.