عبد الله السكوتي يحكى ان واعظا جلس أمام مكبرات الصوت وبدأ بالتوجيه نحو الرحمة والمساعدة، فقال : أيها الناس اكسوا العريان واشبعوا الجائع وساعدوا المساكين، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء الى آخر خطبته التي ملئت بمكارم الأخلاق، زوجته في البيت تسمع خطبته التي كانت مليئة بالإرشاد والتوجيه باتجاه عمل الخير .
وهي على هذا الحال مر بها سائل ممزق الثياب جائع تعبان فرأت المرأة ان زوجها أصاب كبد الحقيقة ولم ير للخير بابا إلا طرقه، فنادت السائل وقدمت له الطعام ثم عمدت الى (بدلة) من بدلات زوجها وأعطتها له وهي فرحة مستبشرة، مر على هذه الحادثة أسبوعان والزوج لا يعلم بما فعلت زوجته لأنه أوصى ان الإنسان اذا تصدق بيده اليسرى يجب أن لا يدع يده اليمنى تشعر بذلك و تسمع ، كناية عن السرية في الصدقة حتى تكون خالصة لوجه الله. افتقد الزوج (بدلته) وطلبها كي يرتديها فهو مدعو الى مأدبة عشاء فاخرة ، فقالت الزوجة إنها تصدقت بها وكست بها عريانا ، فغضب الزوج ودمدم حتى فتح فمه على أوسعه وصرخ بها صرخة أطارت لبها ، فقالت المرأة : ألم توصِ أنت بذلك؟ ، فقال بلغة عصبية عامية (ولج هذا الحجي انقشمر بيه هذوله الكاعدين مو نطبقه على نفسنا). هكذا الأمر اذاً : بعضهم يدعو الى الفضيلة بلسانه دون قلبه أو حواسه الأخرى ، إنها لطامة كبرى أن يدعو الإنسان الى فعل معين ويمتنع هو عن فعله ، أو ينهى عن عمل معين ويعمله فقد قال الشاعر : لا تنه عن خلق وتأتي مثله عارٌ عليك اذا فعلت عظيم وصاحبنا يجهر بالفضيلة لغرض الوجاهة والوعظ أي أن ما يخرج من الأفواه (مجرد كلام )، وهذا ما نحن عليه نسمع الكثير ولكن بلا فعل ودون فضيلة واحدة ، الفقر له رائحة الآن وملأت رائحته الطرق بعد أن أصبح المال لأناس معينين دون غيرهم ، رحم الله الجواهري حين غنى هذه الحالة بتنويمة الجياع حيث يقول : نامي جياع الشعب نامي حرستك آلهة الطعام نامي فان لم تشبعي من يقظة فمن المنام نامي على زبد الوعود يداف في عسل الكلام والشعب المسكين ، نعم أصبح الشعب مسكينا فهو بين قطبي رحى تطحنه متى شاءت ولا يدري من أين تكال له الطعنات من المفخخات الى العبوات الى الجوع الى المتاجرة بدمائه وخبزه وكرامته ، يكفي أيها السادة فقد اتخمنا خطبا ومللنا الوعظ ، نريد عملا ولسنا بعد هذا نقنع بالوعود فالوعود كاذبة وقائلوها لم يقصدوا ما جاء فيها ، كان خطابا لمرحلة وانتهت ، وها هم يغزلون غزلهم لمرحلة مقبلة يكونون فيها أسيادا ثانية ، ليبقى الشعب يغني مأساته مع هؤلاء الذين لفظتهم ثقافاتهم المتعددة ـ وتعلموا ان يزنوا الكلمات ، كلمات فقط بلا طائل ودونما نتيجة ، ونختم هواءنا الذي في شبك بقول الشاعر : إني لأفتح عيني حين افتحها على كثير ولكن لا أرى أحدا
اترك تعليقك