كنت كلما التقي زائرا لبريطانيا قادما من العراق اول ما اسأله: شلونها بغداد؟ اتحايل على نفسي باستحضارها عن طريق اغانيها الخاصة وصورها وذكرياتها. أجمل هدية تلقيتها في حياتي كانت خارطة لبغداد مفصّلة بعثها لي صديق طفولة بيد أحد القادمين من هناك. كالمجنون أجد نفسي أحيانا امشي في شوارع الخارطة وأغني.
بعد سقوطها هرعت اليها. وجدتها مرعوبة شاحبة الوجه وكأنها لا تميز بين الصديق والعدو. أحزنني ثقل الغبار الذي كان يغطي وجناتها. مسحت بدمعي شيئا منه. همست لها: يا ام احلى وجه .. قد جاءك الفرج.
بعد أربع سنوات عدت اليها فوجدتها بحال أتعس مما كانت عليه. منعني خجلي من أن ارفع عيني واراها وصوتها يصفعني عتبا: وينه الفرج؟ من يومها صرت اتجنب سؤال القادمين من بغداد عن حالها وكأني اعرف الجواب.
أمس ، صادفت عراقيا طيبا حلّ ضيفا عند صديق لي هنا بالقاهرة . صار لوحده يكلمني عن ضيم بغداد ومصائبها. قال ان الذي يحل ببغداد انتقام منظم. حكايات ووقائع واحداث وصور تدمي القلب. غادرته وقد خنقتني حسرة كحسرة فدعة الشاعرة : "تشكي الزغر وتريد تكبر".
جاء الليل فكبرت الحسرة أكبر. لاح لي وجه بغداد من جديد وكأنها "فصلية" بيد همج منتقمين. نعم انها كذلك. مصيبة "الفصلية" ليس في زواجها بالغصب، بل باختيار أتعس من في العشيرة التي اخذتها ثأرا او تعويضا لتزوجها له.
وهكذا كانت بغداد، عمت عيني. سلّموا رقبتها بيد الأغبياء والمعتوهين والأميين. كل عاطل عن العقل، وليس عن العمل فقط، صار يتحكم بمصيرها. كل نصاب ومحتال وبائع ومخلص صار يأمر ويتحكم في شوارعها.
بغداد والشعراء والصور، صارت "فصلية" مهمومة الوجه يعبث الزعاطيط بمقدراتها. لقد وشموا وجهها الوضّاء يصور وشخابيط غريبة لا هي من العراق ولا العراق منها.
ولربما، لكثرة ما مر بنا من قهر، صار حتى الطفل فينا يحس بأنين الموجوع. لكن وجع بغداد يظلّ لا يحسّه الا تلك الفصلية التي زُفّت في ليلة سوداء لأعجف بشع، فأنّت:
وينـــــــه اليفك مظلـوم وين الله وينــــه
يتركرك اعله اجلاي هذا الحضينه
شلونها بغداد؟
[post-views]
نشر في: 16 ديسمبر, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 3
ام رشا
يعني شلونها بغداد بعد ان هدرت كرامتها وكرامة أهلها، وعاث بها الاوغاد و البسوها ثوبا غير ثوبها ليحولوها إلى مدينة متخلفة ومشوهه تشبههم،هل تعلم من دمر بغداد ويحاول ان يغير وجههاالمتحضر انها الطائفية والحقد والكراهيه والجهل والتخلف والانتقام من كل ماهو جميل
كاظم الأسدي
ليس فقط الشعراء والصور ؟ بل حتى الريسز والمقهى البغدادي والدائرة الرسمية وموظفيها الكلاسيكيين ومشاتل ساحة عنترة وأسواق كالصدرية وغيرها ؟وعنفوان أكاديمية الفنون وتماثيل بغداد ؟؟ والكرادة والمنصور والعوينة و..و..و كلها باتت من مخلفات النظام الصدامي اليوم
علي
الاخ هاشم بعد الذي يحدث لبغداد وغيرها يجب ان نعيد قراءة التارخ هل ان المغول هم من دمروا بغداد بعد غزو هولاكو؟