الرئيسية > أعمدة واراء > بغداد من بعيد

بغداد من بعيد

نشر في: 25 نوفمبر, 2016: 09:01 م

 البشاعات في الحياة اغلبها من صنع البشر،  احيانا تفرض حضورها القسري فتصبح ظاهرة سائدة .  في العالم المتحضر الجميع يرفض الخراب ،وفي عالم اخر  ترافق البشاعة  الانسان منذ ولادته وحتى مماته ، تمتد الى محيطه فتحيل  المدن الى خرائب ،  و لعل   خطورة البشاعة تكمن في عقد هدنة معها غير محددة بسقف زمني.        
 في كتابه "سلاماً للغربة وداعاً للوطن ، تأملات من مقهى وايت ليز في لندن"  لمؤلفه رياض رمزي ، يحذر الكاتب من  التآلف مع البشاعات بوصفها واقع حال ( بغداد الآن لاتتمتع بلياقة بصرية جاذبة ، لأن سادتها الجدد، وفق منطق الاغتصاب ، قرروا فصلها عن ماضيها المجيد ، وتحويلها الى مدينة كئيبة لاتصلح لأن تكون عاصمة لكل المزيج السلالي والديني الذي يفخر مواطنو البلاد بالانتساب الى بلد هي عاصمته) .
منظمات دولية صنفت بغداد ضمن اقذر المدن في العالم ، هل ثمة بشاعة اخرى تستفز المسؤولين في العاصمة ، تحثهم على بذل جهودهم لرفع النفايات في اقل تقدير من الشوارع . التقرير جعل البغداديين يشعرون بالخجل ، في ظل  اضطراب الأوضاع الأمنية والسياسية فقدوا القدرة على محاسبة من شوّه مدينتهم ، اما الكاتب المقيم في العاصمة البريطانية فرصد البشاعة من بعيد (رجال منزوعو  الحياء  وضعوا الأخلاق خارج الخدمة، حولوا الدين الى مصلحة تستقطر منها المنافع بفعل اصابتهم بحالة من فقدان التوازن ، نتيجة ضربات حظ مشكوك في حدوثها سابقا ، وعندما حدث غير المتوقع بفضل المحتل ، انتابتهم غطرسة النجاح ، فغرقوا في مستنقع تدارك ما فات ، واصابهم خبل بثراء غير متوقع عادة ما يصيب أناساً حديثي عهد بالنعمة ، يتابعون جني الأرباح باتباع مسالك غير سوية ، وبسلوك يفتقد لحرقة القلب والرأفة وبتعاطف جليدي تجاه تعاسات الآخرين ، ليس لدى ملّاكها الجدد وفاء او ولاء للمدينة ، لأنهم لم يمنحوا انفسهم فرص  التعرف على  تاريخ بغداد ، لذلك فهم غير آبهين ان كانت مبانيها متفحمة او تفوح من شوارعها رائحة الوحل ، يقضون الشطر الاكبر من حياتهم في اوجارهم او في البلدان التي يمنون انفسهم  بالعيش فيها ابدا) .
كثيرون كتبوا عن بغداد من أماكن إقامتهم في الخارج ليس لغرض البكاء على الأطلال ، وانما لإثارة   الانتباه والحذر من السقوط في مستنقعات البشاعة (قصد احد اصدقائي محل جقماقجي لبيع الاسطوانات كي تحيله  أغاني الاسطوانات التي ابتاعها الى ذكريات المدينة ، عندما لم يجد المحل غامت المدينة عن عينيه ، ولكي يتذكر الأغاني راح يجدّ بالبحث عنها بدءاً من مقهى ام كلثوم ،  لم يجد محل جقماقجي لبيع الاسطوانات ، اما مطبعة الأديب ومسرح بغداد فقد تشوهت اشكالها كانما بلطخة سواد واحدة).
نهاية عقد الخمسينات وفي فسحة الحرية  المتوفرة مع بداية انتقال العراق من النظام  الملكي الى الجمهوري تشكلت نقابة المعلمين وبعدها جمعية بناء المساكن ، استطاعت الجمعية بمؤسسيها الراحلين صفاء الحافظ ، عيسى غيدان رمزي و حسن العتابي وغيرهم ،ان تتفق مع الجهات الرسمية لمنح العاملين في التعليم اراضي سكنية ، على غرار هذه التجربة شكلت جمعيات اخرى منحت المدن العراقية  طابعا حضاريا ، من حق الكاتب رياض رمزي ان يودع وطنه من دون الاشارة الى دور ابيه عيسى غيدان في الحفاظ على التمدن البغدادي المهدد بالانقراض .       

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الزرفي يحذر: النظام السياسي بات على المحك

عراقجي: "المحادثات النووية" مع واشنطن تسير في الاتجاه الصحيح

تعادل وسبعة انتصارات في الدوري الممتاز لكرة القدم

البرلمان يثير القلق: الحكومة أعلنت إفلاسها مبكراً

إسرائيل" تحذر سكان غزة من قصف جديد

ملحق معرض اربيل للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: نور زهير ياباني !!

العمود الثامن: البابا فرنسيس وعقدة ساكو

العدالة الدولية تحت المطرقة

22 عاماً بين "جمهورية الخوف" و"دولة المافيا"

العمود الثامن: درس بارزاني

العمود الثامن: حقا إنها مؤامرة!!

 علي حسين في بعض الاحيان يرسل لي بعض القراء الأعزاء رسائل يؤنبون فيها "جنابي" لأنني أثير حالة من الكآبة والسواداوية في مقالاتي، وهم يلومونني لأنني أستغل هامش الحرية وأسخر من السياسيين والمسؤولين الذين...
علي حسين

كلاكيت: القاموس.. الرواية والفيلم

 علاء المفرجي في فيلم (الاستاذ والمجنون) 2018 وهو من أفلام السيرة الذاتية، للمخرج الأميركي من أصل إيراني فيرهاد سافينيا والمعد عن كتاب بالنوان نفسه، صدر عام 1999، للبريطاني سيمون وينشستر، نتابع قصة قاموس...
علاء المفرجي

(50) عاماً على الحرب الأهلية اللبنانية حياة بين قذيفتين

زهير الجزائري (5) نفير عام! لم نسمع الصوت الأجشّ البارد الذي أمر المدافع بأن تدوّي، ولم نرَ الفارس الذي قطع السهوب لينذرنا: نفير عام! النذير استحال إلى رسائل مشفّرة تخرج من أجهزة الإرسال، تمر...
زهير الجزائري

جِماح الطّائفية.. إلى نوويّة شيعيَّة وسُنيَّة!

رشيد الخيون ما كان في الخاطر ظهور مثقفين، تجمَحَ بهم الطّائفيَّة إلى تسمِّية القنابل النَّوويَّة بالأديان والمذاهب، توصلوا إلى هذه الأفكار الجهنميَّة بعد الحديث عن نِفطٍ شِيعيٍّ وماءٍ سُنيٍّ، فعندهم الأوطان مؤامرات على الطَّوائف،...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram