طموحُ دُعاء في طباعة كتابها الأول لدى دار نشر رصينة ، تعتمد على القيمة الأدبية للكتاب، مشروعٌ جداً، وبالرغم من إنها كاتبة فتية، وهذا أوّل مؤلفٍ لها، إلا أن من الشجاعة أن تبحث عن دار تهتم بالنتاج الأدبي، وتسوّق له جيداً، وتحمي إثر الكاتب من السرقة أو
طموحُ دُعاء في طباعة كتابها الأول لدى دار نشر رصينة ، تعتمد على القيمة الأدبية للكتاب، مشروعٌ جداً، وبالرغم من إنها كاتبة فتية، وهذا أوّل مؤلفٍ لها، إلا أن من الشجاعة أن تبحث عن دار تهتم بالنتاج الأدبي، وتسوّق له جيداً، وتحمي إثر الكاتب من السرقة أو النسخ أو الاعتداء على ملكيته.
قالت لي دعاء عن كتابها الأدبي الساخر، والذي كانت تأخذني سطوره عند قراءتي لبعض نصوصه "أُريد أن أكون مشهورة منذ الكتاب الأول، فأنت تعلمين جيداً أن الكتاب الأول، هو الفيصل الذي من خلاله سيكوّن الجمهور انطباعه عن المؤلف".
كانت دعاء مُحقة، فكثير من المؤلفين العالميين، تركوا كتاباً واحداً، كان الأهم في تأريخهم، وعاشوا في ذاكرة القُرّاء باسم تلك التركة، كـ "لوركا" مثلاً وما تركه من جنون، لكن، تُرى هل يستطيع الكاتب العراقي مهما بلغ إبداعه من إثبات وجوده من خلال كتاب واحد؟، حاولت إخبارها "بأن هذا الوطن للأمنيات المسروقة فقط" لكني لم أشأ إطفاء شمعة طموحها تلك التي تفرض نورها على ظلمة واقعنا.
في الوقت الذي نفتقر فيه لقوانين النشر، والتوزيع، إضافة إلى أننا عاجزون عن حماية كتبنا من السرقة، أو المشاركة بها في معارض دولية، أو مسابقات عالمية لأننا نفتقر لرقم الإيداع الدولي الذي وضعَ من قبل المنظمة الدولية للمعايير "الايزو" ، ليقف الأخير كحاجز أكبر بوجه دعاء، التي لو أرادت أن تصل إلى القُراء بشكل كبير، عليها أن تطبع كتابها لدى دار نشر غير محلية.
كُتبٌ عراقية كثيرة سُرقت، أو نسخت عن دور نشر أخرى غير الدور الأصلية، بأغلفةٍ جديدة، وورق رخيص، وبيعت بأسعار زهيدة، ولكتّابٍ كبار، أمثال علي الوردي وصادق الصدر، وفؤاد التكرلي وغائب طعمة فرمان، والكثيرين غيرهم، فنجد أن دور النشر المحلية غير قادرة على حماية الكتاب العراقي.
زعيم نصار صاحب دار الروسم للنشر والتوزيع، ذكر لي أن "العراق لا يملك رقم إيداعٍ دولياً، وهذه المشكلة تعود إلى فرض الأمم المتحدة العقوبات الاقتصادية على العراق بعد غزو الكويت عام 1990، حيث شمل الحظر تصدير جميع المنتجات العراقية إلى الخارج ومنها الكتاب. وما زال الحظر قائماً حتى هذه اللحظة، لأن الجهات الرسمية الممثلة بوزارة الثقافة لم تحرك ساكناً لإزالة المنع عن المطبوعات العراقية".
رقم الإيداع الدولي الـ " ISBN" والمثبت أسفل الغلاف الأخير للكتب، والذي تمنحه المنظمة الدولية للمعايير "الايزو" وهي منظمة في بريطانيا تعطي هذه الهوية الفريدة للكتب وللناشرين، في كل انحاء العالم لقاء مبلغ محدد من قبل المنظمة، وتشترك فيها كل دور النشر في العالم، وغياب هذا الرقم المؤلف من 13 عدداً، أدى إلى غياب المؤلف العراقي ونتاجه، عن المشهد الثقافي العربي والعالمي، كما منعه من المشاركة في مسابقات أو معارض ثقافية عربية وعالمية.
وأضاف نصار " لقد صدرت كتب لأدباء عراقيين في حقول الشعر والقصة والرواية والدراسات النقدية، وطبعت معظمها في بيروت، إلا أنها متداولة في الأسواق المحلية حصراً، ولا يجوز بيعها في الأسواق العربية والأجنبية، لخلوها من الرقم الدولي، وهذا ما يحرم الأديب العراقي من إيصال منجزه إلى القارئ العربي". من الممكن القول، ان هذا الرقم يحقق للكتاب انتشاره وتسويقه في العالم ويحفظ حقوق ملكيته الفكرية من الانتهاك، كما يمكن وصفة على أنه أداة عصرية سهلة، تٌمكّن الباحث أو القارئ من التعرف على أحد العناوين أو الطبعات الصادرة عن ناشر معين في بلد معين، وتمنع قرصنة الكتب وإعادة طباعتها من دون علم دار النشر الأصلية التي طبعته، وهذا يحصل كثيراً في سوق الكتاب ومبيعاته.
ويؤكد نصار "إن الرقم الدولي الموحّد للكتاب، هو أقرب إلى رقم الهوية التي تعطى للأفراد للتعريف بهم، إلا أن الكتاب العراقي المطبوع والصادر عن دور نشر محلية منذ تسعينيات القرن الماضي، فقد فرصة التسويق في الأسواق العربية والأجنبية والمشاركة في المعارض الدولية والعربية، لأن الإصدارات العراقية لا تحمل ما يعرف "بالرقم الدولي" الذي يمنح البضائع، ومنها المطبوعات، حق الترويج والانتشار، والحفاظ على حقوق اصحابها".
كُتابٌ ومؤلفون عراقيون كُثر، لا يحاولون الاعتراف بالخطر الذي قد يلحق بمؤلفهم، أما بسبب خشيتهم من تقييم دور نشر الرصينة والتي تحمل إصداراتها رقم الايداع الدولي لمنتجهم، أو بسبب عدم قدرتهم المالية على طبع مؤلفاتهم في دور نشر خارجية، وهذا ما يجبرهم على الطباعة في دور النشر العراقية والتي تُعدّ أغلبها دوراً تجارية.
محمد، أحد أصحاب دور النشر العراقية، قال "دارنا غير مشاركة مع منظمة "الأيزو" وذلك لأننا محظورون منذ تسعينيات القرن الماضي، لهذا فنحن لانمتلك رقم إيداع معترفاً به دولياً، لكننا نعمل برقم إيداع خاصّ بنا لكل كتاب، وهذا في الواقع لا يمنع كُتبنا من الانتهاكات لأنها غير رسمية".
يبدو أن القانون العراقي لا يتضمن أيّ بند يحمي حق النشر للمؤلف أو لدار النشر، وإن كان يتضمن ذلك فلا تُعدّ هذه البنود من أولويات القانون، نتيجة الانتهاكات العظيمة التي يمر بها البلد، ويقول محمد " في إحدى السنوات، سُرقت إحدى مؤلفاتنا التي نشرتها الدار، وقد رفعنا قضية على دار النشر التي سرقتها، إلا أن القضية كانت خاسرة، لعدم وجود قانون يحمي حق النشر".
أيقنت أن على دعاء، أن تطبع كتابها في دار نشر غير محلية، تملك رقم إيداع دولياً، لتصل إلى القرّاء العرب والعالميين، وإلا ستكون عاجزةً عن العيش في الذاكرة من خلال كتابها الأوّل كلوركا.