| 3 |
بين العاشرة والثانية عشرة من عمرها تخبر أختها انها تعرف الان " معنى الحُب"، كانت في المنتزه عندما لمحت " فتى يمسك حبل الاطفال وهم يلعبون، كانت وجنتاه ورديتين وابتسامته متألقة رقيقة "، وقد كانت تلك صدمة انفطا
| 3 |
بين العاشرة والثانية عشرة من عمرها تخبر أختها انها تعرف الان " معنى الحُب"، كانت في المنتزه عندما لمحت " فتى يمسك حبل الاطفال وهم يلعبون، كانت وجنتاه ورديتين وابتسامته متألقة رقيقة "، وقد كانت تلك صدمة انفطار القلب، لانها استشعرت للمرة الاولى ان شعاعا اتيا من ناحية اخرى يمكن ان يمس القلب مباشرة، بعد شهور تحس اهتماما بابن عمتها جاك وهو يكبرها قليلا، ولنتذكر الاوصاف التي تقدمها الينا سيمون دي بوفوار في " مذكرات فتاة رصينة " ان جاك كان " فتى جميلا جدا، كان عادة يحتقر البنات ولذلك كنت اقدر صداقته، كان يعامل الكبار معاملة الند للند وذات يوم قال لي : سيمون انتِ فتاة ناضجة وسرتني هذه الكلمة اكبر السرور " انذاك اعتقدت انها وقعت في الحب،،
وطوال ثلاثة اعوام اصبح جاك الرجل الاول في حياتها، وتكتب في مذكرات فتاة رصينة انها وضعت مخططا لحياتها المستقبلية، ستتزوج من جاك وتحصل على شهادة الاستاذية : " كنت اتحدث بغموض عن الحب، فانا اعرف الثمن، انا عقلانية جدا، ومتطلبة جدا، وكان جاك بالنسبة لي مطلبا شخصيا "، لكنها تكتشف بعد ثلاثة اعوام من قصة الحب الخيالية ان ابن عمها سيتزوج من امرأة أخرى. :" عندها فقط ايقنت انه ليس بامكان اي شخص ان يكون مسؤولا عني على نحو كامل، لا أحد يعرفني او يحبني تماما، ليس لديّ سوى نفسي فقط "
انها الان في الخامسة عشرة من عمرها، تحلم بشخصيات من الروايات : " بطلة تحس السأم، ويأتي فتى وسيم مندفع لكي ينتزعها من زوجها، لم أكن قط احسست او تأملت او تخيلت مثل هذه البهجات، بقيت مبهورة من كشف الملذات التي لم أكن اعرف كيف أُسميها، وان كانت سوف تفيض بي يوما ما، كانت تلك هي الحرية، وهي المتعة ايضا "، بعد سنوات وفي سن الحادية والعشرين، سوف تعيش على لحظات المتعة هذه، فهي منذ شهور محط إهتمام جان بول سارتر، الطالب المتميز، كانت الأصغر بين طالبات وطلاب جامعة السوربون، تستعد لخوض الامتحان النهائي لنيل شهادة الاستاذية في الفلسفة، كانت منشغلة في الحديث عن فلسفة " ليبتنتز " حين لمحت أن هناك طالباً ينظر اليها باعجاب، ثم يقترب منها ليقول لها : " جمالك به لمعان خاص وصوتك قوي وحديثك متلاحق " بعد سنوات ستقول عنه سيمون دي بوفوار : " انه اكبر انجاز في حياتي "، كان اصغر من تقدم لنيل شهادة الفلسفة، وحين حاصره الاساتذة بالاسئلة سخر منهم وهو يتطلع من النافذة: " استطيع ان اجادل نيتشه واعلمه كيف يمكن للانسان ان يكون حراً باختياره ؟"
بعد ايام قليلة يستحوذ سارتر على سيمون دي بوفوار ويحكم السيطرة على تفكيرها، تكتب لصديقتها الحميمة زازا :" أعرف هذا الشاب منذ ثلاثة عشر يوماً وقد جال في غيابي، وصار يتكهّن بأفعالي فإمتلكني. يحتاج ذهني إلى حضوره وينتابني الانفعال أمام تعاطفه. الشك والاضطراب والنشوة. أريد أن يرغمني على أن أصير شخصاً حقيقياً ويعتريني الخوف".
في البداية كانت اشبه بالمسحورة، لم تصدق انها وقعت في حب الطالب المتفوق، الذي يعد الألمع بين اصدقائه، ولم تكن تميل الى التذمر من سلوكه الغريب، فمنذ بداية علاقتهما بذلت جهدا كبيرا لترى الامور من منظور سارتر، وذلك بسبب شعورها بانها تدين له بكل شيء، وايضا بسبب انها كانت على قناعة بانها تحبه اكثر مما يحبها. كل شيء تآمر لجعلها تسقط في فخ مفهومه للعشق، ونجدها بعد عشرين عاماً تخصص في كتابها " الجنس الآخر "، فصلا يدور حول المرأة التي ترى ان الحب هو الخلاص :" تحاول المرأة العاشقة ان ترى بعينيه، تقرأ الكتب التي يقرأها، تفضل الصور والموسيقى التي يفضلها، تهتم فقط بالمناظر التي تراها معه، بالأفكار التي تنبثق منه، تتبنى صداقاته وعداواته ووجهات نظره، وحين تسأل نفسها تحاول ان تسمع اجاباته.. سعادة المرأة العاشقة القصوى هي ان ينظر اليها عشيقها كجزء منه، وحين يقول " نحن " فهذا يعني انها متحدة ومتماهية معه، تشاركه منزلته وتسود معه على سائر الناس، ولا تتعب ابداً من أن تكرر الى حد الافراط هذه الـ نحن المبهجة ".
*****
اخيراً وقعت في الحُب
منذ البداية وضعا الاتفاق الشهير بينهما، والذي يقضي بان يمارس كل منهما حريته الشخصية بمعزل عن الآخر : " لقد شرح لي سارتر ان ما بيننا هو حب ضروري، وقد يكون من المناسب ان نمر بحب عابر " وقال هو في الكلمات التي تعد سيرة ذاتيه له :" الرجل العظيم عليه ان يحافظ على نفسه حراً ". وتخبرنا سيمون دي بوفوار ان سارتر كان دائم التذكير لها، بألا تتصور انه من الممكن ان يتنازل عن حريته لها، ولكن ماذا عن الغرية سألت سيمون، فيُجيب طالب الفلسفة المتفوق :" لن تخطر على البال ما دمنا سنحكي كل شيء ".
كانت سيمون دي بوفوار المولودة عام 1908، إبنة لعائلة ميسورة الحال، كان والدها حسب تعبيرها في وضع وسط بين الارستقراطية والبرجوازية، اما والدتها فامرأة كاثوليكية متدينة، أعطت لابنتها تربية جادة وصارمة وثقافة دينية وشعوراً حاداً بالواجب، لا يعرف المماطلات والتنازلات، كانت لها شقيقة واحدة، وصديقة واحدة ايضا، في البيت لم تجد حولها سوى الملل، فاشتد احساسها بالوحدة وذات يوم قالت لأمها : " هل يمكن ان تسير الحياة كما تسير الآن، ملل وراءه ملل "، بعد سنوات تقرأ الجملة المثيرة لفيلسوف الوجودية الاول كيركجارد :" علينا ان نعيش حياتنا مهما كانت تعيسة او مفرحة، لانها محسوبة علينا "، منذ تلك اللحظة قررت ان تعيش حياتها، لانها " لن تعيش سواها "، واكتشفت انها تستطيع ايضا ان تصنع حياتها بنفسها، " ان تجرب الحب كما تنسج اي امرأة شالاً من الحرير ".
اخذت سيمون دي بوفوار تحلم : " يا لها من متعة ان يضع احد يده على كتفك، يدا معروفة معهودة، لا تكاد تحس بثقلها، ولا تحس بالوحدة بعد ذلك، ويا لها من جملة رائعة ( مخلوقان متحدان ) ".
وبدأت سيمون تشعر انها تستطيع ان تكتب عن احاسيسها هذه، وتستطيع ان تصبح روائية لها كبرياء، وامرأة ذات سيادة، وامرأة ذات حرية، لان الحب حرية، ولا بد ان نستمتع بمحاسن الحرية هذه.
ولكن كيف.. بالحب وبالحرية معا، ففي الحب لا بد ان ينشأ صراع بين الرجل والمرأة، وتروي لنا سيمون دي بوفوار قصة هذا الصراع في معظم كتبها، بدءاً من روايتها الاولى المدعوة، ومرورا بيوميات فتاة رصينة، والمثقفون وقوة الاشياء والصور الجميلة، وليس انتهاء بالمرأة المجربة.
فالحب الذي تريد ان تبشر به هو اختلاف، ثم افتراق، ثم التقاء، ثم شكوك، والشك عندها يُحيي العشق :" لابد ان يتعذب العاشق وان يشك وان يعود الى محبوبه ليتاكد انه يحبه حقا، وهذا خير من ان نستسلم للوهم بأننا نحب"
وهي تقول على لسان سيمون بطلة رواية يوميات فتاة رصينة :" كنت دائما ما اعطي الحب قيمة رفيعة. وإذ كنت في الثالثة عشرة قرأت في المجلة الاسبوعية " الميلاد " رواية صغيرة بعنوان " نينون روز " وكانت تحكي ان الفتاة نينون تحب اندرية، الذي كان يبدلها نفس الحب، إلا ان ابنة عمها تيرز صارحتها يوما وهي تبكي وشعرها الجميل مسترسل فوق قميصها، بانها كانت تشتعل حباً لأندريه، وضَحت نيون بنفسها، ورفضت ان تمنح يدها لأندريه، الذي اغتاظ فتزوج تيريز، وكوفئت نيون فتزوجت فتى آخر ذا مزايا عظيمه اسمه برنارد، وقد اثارتني هذه القصة، لقد كان من حق بطل رواية ما ان يخطىء في اختيار شريكة او في تقدير عواطفه الشخصية، وقد يمكن لحب حقيقي ان يعقب حباً مزيفا او غير كامنا. ولكن هذا الحب الحقيقي غير قابل لان يستبدل به حبا آخر بمجرد ان يتفتح في قلب ما، وليس ثمة كرم أو كفر بالذات يسمح لي برفض هذا للحب الحقيقي ".
*****
الحُب الوجودي
تطرح الفلسفة الوجودية تفسيرا للحب، وبحسب سارتر، فالحب يمثل تناقضا معروفا.وطبيعة الحب طبيعة متناقضة، لانها ترتبط بالنزاع الأبدي والذي لايمكن حله.ففي سعينا إلى اقامة علاقة متبادلة، إلى فهم الإنسان الآخر، والى مبادلته الحب، نريد من حيث الواقع إخضاع حريته المستقلة وجعله مادة لرغباتنا، ولو اقتصر الامر على مجرد الحيازة الجسدية لما شكل الحب اية مشاكل او نزاعات، ويضرب سارتر مثل برواية مارسيل بروست البحث عن الزمن المفقود فيقول :" ان بطل بروست الذي تسكن محبوبته معه، ويمكنه ان يراها وان يتملكها في اي وقت من الاوقات، وقد تمكن من وضعها في تبعية مادية كاملة له، عليه أن يتحرر من قلقه واضطرابه. غير انه على العكس من ذلك، كما هو معروف، فالهموم تأكله حتى عندما يكون الى جانبها، ولهذا فهو لا يعرف الهدوء والاطمئنان، ما عدا تلك الدقائق التي يراها نائمة ".
يستعرض سورين كيركجارد الاب الروحي للفسفة الوجودية في كتابه " خطوات على طريق الحياة " المراحل المختلفة التي يمر بها الحب، تبدأ بومضة العشق وتنتهي بالحب الأسمى الذي شبهه بالأبدي : " المرأة التي أحببتها واثرت بلا شك على حياتي، لذا فان نشاطي ككاتب يشبه الجبل المشيد على شرفها ومجدها، وسأحمله معي في التاريخ، وانا حزين لا املك سوى رغبة واحدة، ان اسحرها، ولهذا أنصحكم جربوا الحب، فهو مركز الوجود وهو ما يمنح الطبيعة الإنسانية تناغما لا يمحى بالكامل ابداً "، وفي حوار شهير تجريه سيمون دي بوفوار مع سارتر عام 1965 وتنشر ترجمته العربية مجلة الهلال المصرية، تسأل دي بوفوار، سارتر عن كيفية الوصول الى الحب فيجيبها :" لا يمكن الوصول الى الحب عن طريق القوة تماما كما لا يمكن امتلاك الآخر، بحرية دون خرقها.وإرادة السلطة والتملك تؤدي الى الخوف، لا الى الحب، وتسأل بوفوار : والذي يريد ان يكون محبوبا ماذا يفعل ؟
سارتر : من يريد ان يكون محبوبا فهو على العكس لا يرغب ابداً باستعباد الكائن الذي يحبه.
سيمون : وماذا عن الغريزة ؟
سارتر : الحب مع الشهوة الميكانيكية المكربة لا يتوافقان، ان المحب لا يريد امتلاك آلة.إنه يريد امتلاك الحرية تماما، كمن حيث هي حرية.
سيمون : بالرغم من كل شيء، فان النساء يمنحن الكثير من أنفسهن في حالات الحب، لأن معظمهن لا يملكن غيره ليستغرقن فيه.
سارتر : ربما لأنهن، أيضا، اكثر قابلية للتعاطف العميق، الذي يشكل اساس الحب.
ويقول سارتر في الحوار :" أن الحب الذي ننتظره من الآخر، لا يجب ان يطلب اي شيء، فالحب وفاء نقي طاهر من دون مقابل، غير ان هذا مثل هذا الحب بالذات، لايمكن ان يوجد الا على شكل حاجة المحب، واذا ما كان المحب أسير، فهو أسير شيء آخر، الحرية التي من حيث صفتها كحرية، تصر على اغترابها الذاتي".
تلك هي جدلية الحب التي تحافظ على حرية المحب والمحبوب، وبحسب سارتر لا يمكن ابدا في الحب بلوغ المساواة المطلقة، ان التوازن في الحب مستحيل، وهو دائما غير ثابت ولا يمكن تحقيقه".
بعد سنوات تقول سيمون دي بوفوار لكاتب سيرتها فرانسيس جانسون :" لماذا على النساء ان يلعبن ما لسن عليه حقيقة، ان يلعبن، مثلا، دور المعشوقات المحظيات العظيمات، ان يقمن بتلفيق كينوناتهن الشخصية وتزييفها، النساء يقفن على شفير العصاب، اني اشعر بالشفقة على هذا النوع منهن. انهن يثرن أنتباهي اكثر من ربة البيت المتوازنة جيداً والأم، هنالك، بالطبع، نساء يثرن أنتباهي واهتمامي اكثر من الجميع، النساء الصادقات والمستقلات، النساء العاملات والمبتكرات ".
وحين يسألها جانسون : ليست هناك واحدة من شخصياتك النسائية منيعة حيال الحب، انت تحبين العنصر الرومانسي؟
تُجيب وهي تتطلع الى صورة سارتر : " الحب امتياز عظيم، الحب الحقيقي، الذي هو نادر، يثري حياة الرجال والنساء الذين ينخرطون فيه ".
وتسأل سيمون دي بوفوار في روايتها صور جميلة : كيف يكون الحب على هذه الارض؟
فيجيب حبيبها : بالنضال معا ونجد في معظم كتابات سيمون دي بوفوار القداسة والتي تضفيها على الحب، وهي تتفق مع سارتر من ان العاطفة يمكن أن تكون اعظم شيء في الحياة، فسارتر يقول على لسان هيلدا في مسرحية الرحمن والشيطان " - حين تموت، سأتمدد الى جوارك، وسابقى الى الابد، دون ان اشرب او آكل. سوف يتحلل جسدك بين ذراعي، وساحب جثتك.
وسيمون تعلنها صريحة في المثقفون " ليس هناك حب، ما لم نحب في المحبوب كل شيء واي شيء. "
وتقول سيمون دي بوفوار لفرانسيس جانسون، انها تتفق تماما مع سارتر في النظرة الى الحب. ولكنها من وجهة نظر المرأة، تفضل ان يحفظ لها الحب، قدرا من السيادة، فلا يصبح الحب حملاً ثقيلا، او استبداداً من الرجل، وهي لذلك تعترف للرجل بان يكون حامياً وعطوفاً وقوياً، لكن عليه ايضا ان يحفظ للمرأة كرامتها وسيادتها، وهي تعيد على سارتر ما كتبته في يوميات فتاة رصينة : - لا ترفع يدك عن كتفي، ولكن لا تجعل يدك ثقيلة، فاليد الثقيلة ترهق الناس، حتى لو كانوا عشاقا متيمين.
*****
كان سارتر مدللاً في منزل جده فقد حظي بالاهتمام الفائق والحب من الام والجدة، في تلك الاسرة التي تعيش تحت سيطرة جد متزمت ضامر الجسم ملتحي، كان يعامل الجميع بتعالي، لكن الام احاطت ابنها سارتر برعاية تامة واهتمام مبالغ فيه، كانت تروي له في المساء قصة حبها مع والده الذي توفى قبل سنوات، وتعزف له على البيانو مقطوعات رومانسية ويكتب سارتر في الكلمات :" أن كل ما اردت ان اراه، كان ابي وهو يضع يده على كتف امي، كل ما اردته كان سماع صوته يقول لها : احبك ".لكن ما ان بلغ الحادية عشرة من عمرة تفاجئه امه بقرار زواجها، كان ذلك بمثابة كارثة بالنسبة للفتى سارتر، فقد تحطم قلبه.كان الغريب الذي سرق منه امه يدعى جوزيف مانسي، مهندسا يحريا، وقد ظل سارتر يكن له الكراهية إلى يوم وفاته. لكنه يتغلب على مأساته بعد عام، في ذلك اليوم المشرق يلتقي الفتاة ليزيت، تقف مع مجموعة من صديقاتها، كان على دراجته.لم يكن واثقاً من نفسه فراح يدور حول المجموعة، لكنه اخيراً ينتبه الى صوتها وهي تقول له : " هل انتهيت ايها الأحمق ذي العين الحولاء، بنظارتيك وقبعتك الكبيرة " وقد اثار ذلك ضحكات الجميع.
إن ادراكه بانه غير وسيم، كان صدمة بالنسبة اليه، وقد قال لسيمون فيما بعد : " كنت اعاني الكآبة بسبب قبحي، وهذا ما جعلني أتالم، كان علي ان احرر نفسي تماما، لان ذلك ضعف، ينبغي على اي شخص يعرف قوته ان يكون فرحا، وانا ادعو ذلك صحة معنوية، لأنه حين يكون احدهم في صحة جسدية ممتازة، فهو يشعر بالقوة الكافية لثني أعمدة مصابيح الشارع بيد واحدة ".
كانت سيمون تسمع الكثير من القال والقيل عن مغامرات سارتر العاطفية والتي تنتهي بالفشل دائما، وكان البعض يقول عليه انه سكير يعشق المومسات، لكنها كانت مفتونه بشيء آخر، بصوته وهو يتحدث بقاعة الدرس ونراها تكتب في يومياتها :" اللقاء مع سارتر ام مع نفسي ؟ من هو الشخص الاخر الذي مارس علي مثل هذا التاثير العنيف، لم يغمرني هذا اللقاء بالمشاعر، وكأن شيئا حقيقيا حدث لي اخيرا، فجاة لم اعد وحيدة، حتى ذلك الحين كان الرجال الذين تعلقت بهم من فصيلة آخرى غيري، كانوا يتصفون بالسهولة والخفة في الحركة والكلام، اميل الى التفلت والشرود، يجنحون قليلٍ من تفكك، ويتميزون بنوع من الرشاقة المشؤومة، كان من المستحيل التواصل معهم، اما سارتر فقد كان يلبي بالضبط الامنية الخامسة عشرة من عمري، كان هو الكائن الذي وجدت به كل ضروب جنوني، كنت استطيع ان اتقاسم كل شيء دائما معه، عندما تركت قاعة الدرس بعد ان تحدث معي، كنت أعرف اكثر من اي وقت مضى انه لن يخرج من حياتي "
*****
الحوار الاخير
منذ البداية وضع الاثنان سارتر وسيمون الاتفاق الشهير بينهما، والذي يقضي بالحرية في كل شيء بما فيها الحياة العاطفية، من دون الوقوع في فخ الحياة المنزلية، وعندما نقرأكتاب الجنس الآخر لسيمون دي بوفوار نلاحظ انها لم تكن متفائلة على الاطلاق ازاء فرص الحرية التي يمنحها الرجال الى المراة، وتكمن المفارقة التي تطرحها في انه اذا كفاها الحب فعليا، ووفر لها كل ما تتوقعه منه، وعرفت من خلاله الاندماج الكامل مع عاشق يعتمد عليها كما تعتمد عليه، فلن يعود للحب سببا للوجود عند المراة، كما ان العاشق الذي يبدي رغبة في الاستسلام التام لايوفر لها السبب هو ايضا، اي استعادة الطمانيتة التي تبحث عنها، اما الرجل الذي سيكون تحت سيطرتها بالكامل فلن يستطيع بعد الان ان يلطف او يبرر عجزه عن ان يكون معها، وهكذا يكون الحب تراجيديا الضرورة عند المرأة.
رحل سارتر عام 1980، وبعد أشهر نشرت الصحافة الفرنسية المحاورة الاخيرة بين سيمون دي بوفوار وجان بول سارتر، والتي تم تسجيلها قبل وفاة سارتر بوقت قصير، ومن بين الاسئلة التي طرحتها دي بوفوار على سارتر، كان سؤال أزلي متعلق بالحب
دي بوفوار : علام اعتمدت في تفسيرك للحب الدائم بأنه نقيض للحرية ؟
سارتر : بطبيعة الحال لدي اولوية تضع الحرية في المرتبة الاولى وتضع الحب في المرتبة الثانية، لكنني اليوم، اتمنى لو أنني قلبت المعادلة، فالحرية ليست سوى وسيلة توصلنا للحب الدائم. اننا للاسف نستهلك اليوم مفهوم الحب حين نفارنه بالحرية، فنحن لانزال نجهل، كل الجهل ما هو الحب، ان في الحب على نقيض ما في الحرية، شيئا ممزقا، لا اشفاق فيه، وهو كذلك دائما، ان كل استهلاك لمفردة الحب، يعني اننا ندير ظهرنا للمعنى الحقيقي للشيء الجميل ولقيمته الحقيقية، وما قيمته في انه يملأ نفوسنا بالراحة، ويكشف النقاب عن بعض معاني الحياة.