TOP

جريدة المدى > عام > حوار مع المخرج المسرحي د.جواد الأسدي:البروفة مع الممثلات العراقيات كانت ذات وقعٍ حـار (2-2)

حوار مع المخرج المسرحي د.جواد الأسدي:البروفة مع الممثلات العراقيات كانت ذات وقعٍ حـار (2-2)

نشر في: 17 إبريل, 2017: 12:01 ص

د. جواد الأسدي الحاضر دائماً فوق خشبة المسرح .. الغريب الذي حمل حقائب المسرح في رحلته التي لايريد لها أن تنتهي، ذاكرته المتوقدة على تجارب الحياة التي سكنت روحه في  العراق، الوطن، والأصدقاء، وشغف البروفة وجمالياتها وعذاباتها التي تحولت إلى مرجعيا

د. جواد الأسدي الحاضر دائماً فوق خشبة المسرح .. الغريب الذي حمل حقائب المسرح في رحلته التي لايريد لها أن تنتهي، ذاكرته المتوقدة على تجارب الحياة التي سكنت روحه في  العراق، الوطن، والأصدقاء، وشغف البروفة وجمالياتها وعذاباتها التي تحولت إلى مرجعيات يحفر في أعماقها وهو يمارس مسرحتها في تجربته الجمالية.. يتوق العودة إلى الوطن والعمل مع المسرحيين من أجل مسرح عراقي مثير للجدل والجمال... جواد الأسدي المخرج والمؤلف وصانع الجمال في فضاءات المسرح العربي،  كان لنا معه هذا الحوار:

* لم أجد وأنا أبحث في نصوصك المسرحية وتجربتك الإخراجية، ما يشير إلى اهتمامك بالتراث العربي، بل وجدتك تبحث في اللحظة الراهنة والمستقبل أكثر من البحث في الماضي؟
- صحيح .. وحقيقة لا أعرف السبب في ذلك، ولكني اجد في اللا وعي، أن ثمّة طلاقاً حقيقياً وقطيعة مع الماضي.. وليست لديّ الشهوة والرغبة في التعامل مع الماضي أو التراث على سعته وعظمته وعلى الأشياء الكثيرة والجميلة الموجودة فيه.
* أشرت في حديثك عن مسرحية (الاغتصاب) إلى نقطة في غاية الأهمية ذكرت فيها أنك اقترحت نص (القصة المزدوجة للدكتور بالمي) على (سعدالله ونوس) من اجل جعله نصّاً ملائماً للحالة الفلسطينية.. لماذا لم تتصدَّ بنفسك لكتابته ؟
- لا أعرف.. ولكن رغبتي كانت تتجه نحو إيقاع (سعد الله ونوس) في حفرة الكتابة بعد أن كان قد هجرها كما ذكرت لك، ولو كان الأمر متعلقاً بي لكنت لجأت إلى نص (باييخو) نفسه لأنه نص خطير وجميل ويُجيب على كل أسئلتي، ولكني أحببت أن أعطيه لسعد الله ونوس.
* تنوعت تجربتك في الإخراج المسرحي، إلا أن السمة الغالبة عليها تمثلت في اشتغالك على تطوير قدرات الممثل، ألم تطمح إلى تقديم تجربة مسرحية تعتمد فيها على توظيف التكنولوجيا بوصفها بديلاً سينوغرافياً أو بديلا ً للممثل والرؤيا الإخراجية؟
- تشكلت لديّ قناعة كبيرة، بأن المسرح يقوم بدرجة أساس على فن التمثيل والممثل، وعلى نوع آخر من الممثل وروح أخرى من التمثيل، وليس التمثيل المتداول، ولم استطع أن انتمي إلى فكرة أن تتسيد التكنولوجيا بكل معانيها البصرية، ويظل خيار الممثل هو الأكثر خطورة وجمالاً ، ولكن هذا لا يعني نهائياً، أني بعد ان انجز تكوين الممثل وأعطيه المساحة السينوغرافية التي تخدم الجماليات فيها روحه أني لا أعود للعرض لكي اهتم بشكل أو بآخر بالتقنيات البصرية ولكن من دون اللجوء إلى التزويق والمبالغة، ومن دون أن يكون لها الحظوة الأكثر خطورة من التمثيل، لأن لديّ وجهة نظر مفادها، أن كل ما يجري على خشبة المسرح هو في خدمة سحر الممثل وجماليات الممثل، وقد عملت في مسرحية (الخادمات) للفرنسي (جان جينيه) على جعل خشبة المسرح مائلة من البداية وانتهاءً بعمق المسرح، وقمت بعمل فتحات من الأسفل، إحساساً مني بأن شخصيات (جان جينيه) هي شخصيات منزلقة، بمعنى أنها شخصيات على وشك أن تقع في الهاوية أو تتعثر لأن شخصيات العرض النسوية اللواتي كن يتدربن يومياً على كيفية الإطاحة بالسيدة، والتأكيد على انهن نساء يسكنَّ في الأقبية التحتية ولديهن نفوس تميل نحو الهاوية، لذلك كله أحسست بأن هذا النوع من السينوغرافيا، يمكن أن يحمل الكثير من روح (جان جينيه)، وخصوصاً تلك الأقبية التي يخرجن منها، وفي كل بروفة يقوم الممثلون بارتجالات جديدة من اجل دفع النص إلى الابتذال والسوقية والانحطاط، وهي شخصيات تتلفظ بالكثير من الألفاظ الممزوجة بـ(الإيروتيكا) .
* تختار العودة إلى نصوص قمت بإخراجها في مراحل سابقة، ما الذي يُثيرك ويدفع بك إلى إعادة الحفر فيها من جديد؟
- سؤال جميل .. ثمّة أمران في ذلك خصوصاً مع النصوص التي كتبتها أنا، دائماً يكون لديّ احساس، أن الكتابة التي اكتبها لم تزل غير مكتملة حتى بعد تقديم العرض، ففي مسرحية (نساء في الحرب) التي قدمتها في روما أول مرة مع ممثلات من الجزائر، وقدمتها مرة ثانية في أوكرانيا مع ممثلات من اوكرانيا، وقدمتها مرة ثالثة في العراق مع ممثلات عراقيات، وقدمتها مرة رابعة في بيروت مع ممثلات لبنانيات، كل هذه الصيرورة، هذه الكتابات التي يصل عمرها إلى خمس عشرة سنة، في كل مرة يذهب فيها النص إلى منطقة مختلفة عن سابقاتها، حتى تحول الأمر إلى لعبة جمالية فيها الكثير من اللذة والمتعة العبثية الرائعة، وفيها الكثير من إمكانية تدشين فكر وخيال المخرج وشهيته في مفارقة العروض القديمة والذهاب إلى منطقة مختلفة من العروض.
وقد حصل أمر مشابه مع مسرحية (الخادمات) وكذلك مع مسرحية ( حمام بغدادي) الذي قدمته سابقاً مع ممثلين سوريين هما (فايز قزق) والراحل (نضال السيجري)، والآن أعيد إخراجه مع ممثلين عراقيين هما (حيدر أبو حيدر، عبود الحركاني) وقد يكون سبب إعادة (حمام بغدادي) هو احساسي بأن هذا النص لا يمكن أن يكتمل إلا مع توافر اللهجة العامية العراقية، لأنه نص عراقي، ودم عراقي، وفيه روح عراقية، وهو الأمر الذي دفعني إلى ممثلين عراقيين، على الرغم من ذلك الأداء المذهل والمثير والخطير الذي قدمه كل من (فايز قزق ونضال السيجري).
* هل وجدت احساساً مختلفاً في التعامل مع الممثلين العراقيين الذين عملت معهم سواء داخل العراق في مسرحية (نساء في الحرب ) أو تجربتك الآن في مسرحية (حمام بغداد)، هل وجدت اختلافاً بين الممثل العراقي والممثل العربي ؟
- هذا الكلام صحيح جداً.. بالتأكيد ثمّة الكثير من الاختلافات، لأنني على سبيل المثال، في مسرحية (نساء في الحرب) مع الفنانات (شذى سالم، سهى سالم، آسيا كمال) كنت اجد نفسي مع الممثلات وكأننا جميعاً نتشارك في محنة من تم وضعهم على حافة المقصلة، هو تمرين المقصلة، أو يمكن أن تسميه تمرين الموت، أو تمرين العذاب، الطائرات تجوب السماء فوق رؤوسنا، والدبابات بجوارنا، كان التمرين في ذلك الزمن شيئاً عجيباً، وكانت درجة الحرارة عالية، والقاعة الصغيرة التي حولناها بقوة إلى قاعة مسرح، مع كل هذا فإن الشيء الذي كان يثيرني جداً هو شهية الممثلات في الاستمرار على التمرين الصلب في هذا الجحيم، كما لو أن شخصاً ما يعرف أنه في لحظة احتراق والنيران تلتهم جسده، ولكنه شامخ وينتظر أن تأتي النيران على جسده كله، وهذا أعطاني شهية هائلة في البروفة، طبعاً هذه الروح كانت موجودة عند ممثلين عرب من طراز رفيع مثل (غسان مسعود، فايز قزق) في بروفات مسرحية (تقاسيم على العنبر) وبشكل خطير جداً، ولكن مع الممثلات العراقيات كنت أحس فعلياً، أنني ذاهب في رحلة أخرى، ذهبت إلى جنون آخر، شممت رائحة شيء آخر، أحسست بدرجة خطرة من الالتحام، تلك الرائحة وتلك الروح وذلك الجسد مع وجود الرائع (صاحب نعمة) الذي كان واحداً من الجميلين، كان أشبه برحم العرض وكأننا جميعاً مرميون في رحمه العظيم ليخرج العرض من قلبه ووجدانه وجسده، هذا الجمال، هذا السحر لا أستطيع رؤيته في كل مكان، على الرغم من انه موجود ولكن بدرجات متفاوتة بشكل كبير جداً.
* هل أحسست بوجود التقاء بين روحك المغتربة وروح الممثلات العراقيات اللواتي حملن كل ذلك الضغط والوجع، وهل وجدت خطوطاً للتلاقي بينك وبينهن يمكن أن تدفع العرض إلى مستويات متقدمة ؟
- سبق لي أن قمت برحلة العودة إلى العراق قبل الشروع بتجربة إخراج (نساء في الحرب)، ولكني أحسست في البروفات، بأني داخل يوم من أيام القيامة الأبدي، كنت أحس بأن الممثلات يتحملن شقاءً ليس له مثيل لكي يصلن من بيوتهن إلى التمرين، وفي يوم من تلك الأيام لم تتمكن الممثلة (آسيا كمال) من الوصول إلى التمرين، وعندما تساءلنا عن السبب، تبين لنا أن ابن شقيقها قد تم اختطافه، فتحول التمرين إلى تمرين آخر، صار عندنا نص مسرحي جديد بجوار النص الأصلي، كيف يمكن العثور على الولد المخطوف، وكيف تحطمت (آسيا كمال) وتشظت وأصابها الأذى وهي تجري في كل مكان بحثاً عنه وهي تسابق الزمن من اجل إنقاذه، بهذه الطبخة المجنونة من حياة موجعة كانت تجري البروفة.
* هل كنت تشعر بالخوف على نفسك وأنت تراقب الحياة التي تقترن بالموت أكثر من اقترانها بالحياة ؟
- في حينها.. أبداً .. صدقني ، كنت اعمل في التمرين كأني احضّر نفسي لانتحار محبب لي.
* أن تسمع عن الكارثة أفضل بكثير من أن تشاهدها أو تكون جزءاً منها، وانت قد سمعت عن ما يجري في العراق في تلك المرحلة، ولكن أن تأتي وتعيش في جحيم البلاد المدجج بوجود الأميركان من جهة والمسلحين من جهة اخرى، والفوضى والقتل المجاني، وتبدأ في بروفاتك المسرحية كأنك تريد أن تثبت لنفسك شيئاً ما. هل ثمّة لحظة تساءلت فيها عن وجودك في هذا الزمن وهذه الظروف وعن علاقة المسرح الذي تريد أن تقدمه بكل مايجري حولك؟
- ليس استعراضاً للعضلات ولكن صدقني لم أسأل نفسي هذا السؤال، ولكني لا أخفيك، كنت في كل يوم عندما أغادر المنزل الذي كنت أقيم فيه عند أقاربي كانوا يظنون بشكل فعلي أني خرجت وهم لايعرفون إن كنت سأعود أم لا، وهذا ما كان يحصل مع الممثلات (شذى، سهى، آسيا) وكذلك ماكان يحصل مع (صاحب نعمة) وهو قادم من منطقة الدورة المحفوفة بالمخاطر، طرق ملغمة ولديها شهية لاختطاف الآخر وقتله بطريقة بشعة، كنت احضر إلى التمارين قبل وصول الممثلين ونعمل أنا و (صاحب نعمة) على إزالة الأتربة وقد عملنا على تحويل قاعة في قسم التربية الفنية التابع لكلية الفنون الجميلة، والتي كانت مليئة بالأتربة من اجل أن تكون صالحة لإجراء البروفات ومن ثم لتكون مكاناً ملائماً لتقديم العرض، وقد كنت سعيداً جداً بذلك العمل.
* سعادتك كلها لم تجعلك تغامر مرة أخرى في تقديم عروض مسرحية أخرى بعد مسرحية (نساء في الحرب) ألا تشعر بالحنين إلى تلك البروفة العراقية؟
- أكيد .. كنت ازور العراق وكنت ألتقي بك وبالأصدقاء، كنت احضر بهدف وبشهية إثارة بروفة جديدة والتصدي لعمل جديد، ولكن عندما لمست وشاهدت كل هذا الذي يجري داخل أروقة الثقافة العراقية، سواء في السينما والمسرح أو وزارة الثقافة، صار عندي صدمة خطيرة ، كنت اشاهد الوضع الثقافي يذبح وينحر يومياً بطريقة قاتلة، كل هؤلاء الفنانين ثمّة من يحاول جرجرتهم بقوة إلى التوقف عن التمرين أو يحاول قتلهم لكي لايقوموا بمزاولة تمارينهم، والدليل واضح جداً، المسرح العراقي يعيش أزمة خطيرة جداً، إنه مسرح بلا رئة، المسرحيون يتنفسون بطريقة صعبة وشاقة، واعني هواء المسرح، المسرحيون يعيشون بمرارة كبيرة، وفي كل مرة أزور العراقي احاول أن أجد طريقاً، أن أجد شكلاً من العلاقة مع الممثلين لكي استطيع أن اتقاسم معهم هذه الحياة واتقاسم معهم لذّة التمرين، ولكني أحس دائماً بصفعة كبيرة تقول لي، بأنك لاتستطيع، لأن الوضع لايسمح لك بأن تستطيع، لأن الموجودين هم أيضاً لايستطيعون، طيب قل لي كيف يمكن أن تعمل، خصوصاً أن وزارة الثقافة في تلك السنوات التي كنت ازور العراق فيها، كانت مسكونة بمخلوقات عجيبة ليس لهم علاقة بالثقافة والمسرح، وهذا ماجعلني أشعر بالصدمة وأحس بشهية المغادرة والتوجع لفترة كبيرة، ولكن عند عودتي الآن، تكلمت مع (حيدر جمعة) (مدير منتدى المسرح ) فقد أصبح عندي احساس، بأن روّاد المسرح العراقي بما يمتلكون من تجربة رائعة وجميلة وبما قدموا من منجزات عبر تأريخهم على مختلف اعمارهم، ولكن الأن وفي هذه الفترة، هناك ما يلفت انتباهي إيمان كبير وغير مسبوق بالشباب المسرحي، وهذا حقيقي وليس من اجل المجاملة، لأني شاهدت عروضاً، شاهدت عرض (خريف) لـ (صميم حسب الله) وشاهدت عرض (باسبورت) لـ(علاء قحطان) عندما كنت عضواً في لجنة تحكيم في مهرجان الشباب، وشاهدت أشياء أخرى هنا وهناك، أحسست بوجود دماء جديدة، هنالك نهر هادر الآن يريد أن يخترق الجدران ويريد أن يكسر الدنيا لكي يأخذ مكانه ويعمل ويتقدم، وانا على بيّنة، بأن كل هؤلاء الشباب، يقطعون من ارزاق أولادهم وعائلاتهم حتى يعطوا للممثلين ويعملوا السينوغرافيا، كل هذا اعطاني احساس بأني أبن هذه اللحظة، وأنني الآن صرت مهيئاً أكثر من أي وقت آخر، لأمارس فكرة العلاقة مع هؤلاء الشباب، لكي أعمل معهم بشكل فعلي، هذا لايعني أني أغلق الباب بوجه الكبار بالعكس.. هناك ممثلون خطرون ولديَّ شهية للعمل مع بعضهم.
* دائماً أجدك تبحث عن ممثل محترف ومن طراز خاص، هل سبق وأن جربت العمل مع الشباب في رحلتك الطويلة في مسارح دمشق وبيروت والقاهرة والمغرب والإمارات وغيرها من البلدان التي وضعت رحالك المسرحية فيها ؟
- نعم .. سبق لي العمل مع الشباب في اكثر من تجربة، قدمت مسرحية (إنسوا هاملت) في القاهرة بالتعاون مع دار الأوبرا في مسرح الهناجر، وكان وقع العرض جميلاً جداً، كذلك قدمت عملاً في فرنسا في مدينة (كان) بعنوان (بجانب غارسيا لوركا) أخذت من (بيت برناردا ألبا، عرس الدم، ماريانا بينيدا) وكانت كل الممثلات من النساء وهن من طلبة معاهد المسرح، وقدمنا العرض لمدة عشرين يوماً، كما أني في مسرحية (تقاسيم على العنبر) التي كقدمتها في دمشق.. وكان أبطالها (غسان مسعود ، فايز قزق) إلا أن أغلب الممثلين الذين جسّدوا الأدوار الأخرى كانوا من طلبة المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق، كما أني عدما اعمل مع الشباب أدفع نفسي باتجاه انتقاء قاسٍ للممثلين، لأني أعرف أن عملي في التمارين يحتاج إلى جهد ويحتاج إلى ممثل من طراز آخر، وأنا الأن اتحدث عن الممثل الشاب في بلدي العراق الذي أصبحت مهيئاً للعمل فيه بشكل قوي جداً.
* هل معنى كلامك أننا مقبلون على تجربة جديدة لجواد الأسدي في مشروع مسرحي عراقي ؟
- بالتأكيد.. نعم انا أفكر بذلك بقوة شديدة، رغم كل ما أرى من تلكؤ وعقبات وقصص وحكايات ومصائب وتناقضات وحروب صغيرة، هنا وهناك بين الفنانين مع بعضهم، بين المسرحيين والدولة، المسرحيين ووزارة الثقافة، وكما تعرف فإن دائرة السينما والمسرح ملغومة بالمرارة والبحث عن فرصة، لأن المسرحيين لديهم درجات عالية من الحرمان، انا الآن فعلياً مستعد وأظن انني تحدثت مع العاملين (منتدى المسرح) ومع الأصدقاء الموجودين هناك وقمنا بجلسة عمل، وربما هذه الجلسة توحي بإمكانية الشروع بهذا العمل قريباً.. ربما خلال هذه السنة اكيد سيكون هناك ثمّة عمل مسرحي.
* مسرح بابل .. ماذا أعطاك وماذا أخذ منك؟
- قالت الصحافة اللبنانية في خبر بمقدمة الصفحة بما مفاده، " اللبنانيون يحملون حقائبهم ويغادرون البلاد لما يحصل فيها من مصائب، ويأتي جواد الأسدي بكل جنونه ليضع حقائبه في مسرح بابل!!"
التجربة مع مسرح بابل كانت حماقة كبيرة، حماقة حلمية، أو هي حلم أحمق، بمعنى آخر، فن شهيتي للمسرح والبحث عن مكان وملاذ دفعني للمغامرة من دون أن أكوّن حسابات حقيقية لمغامرتي، وقد فهمت ذلك فيما بعد، فهمت انني كنت على درجة عالية من الخطأ الشنيع، مع ان المسرح ادخل النور في حياتي، أعطاني الكثير من اللذة، قدمت عروضاً متنوعة على هذا المسرح وفتحت الباب أمام شباب هائلين من سوريا ولبنان قدموا عروضهم، وقدمت عروضاً اوروبية، وكنت أصرخ دائماً لكي احاول أن أسمع صوتي لوزارة الثقافة العراقية، كنت أريدهم ان يعرفوا ويفهموا أن هذا مسرح بابل، منصة عراقية أسمها بابل، يمكنكم أن تستغلوا هذا المكان وتقدموا فيه عروضكم، من اجل حماية هذا المسرح، وعملت الشيء نفسه مع وزارة الثقافة اللبنانية وعملت الشيء نفسه مع (المؤسسات البنكية) اللبنانية بوصفها مؤسسات داعمة، ولكن لا حياة لمن تنادي، أحسست أن هناك نبرة شوفينية خطيرة ضد رجل عراقي قادم لعمل مسرحي.. كيف ولماذا ؟ كيف يمكن ان نعطيه تمويلاً؟ وكانت لديهم اسباب كثيرة، مثلا أنا لست من طوائفهم ولست من مريديهم، وانا قادم من الخارج، وأصواتهم تقول أن هذه الحقوق يجب أن تعطى للبنانيين ولا تعطى للعراقي.. من هو هذا الغريب العراقي بيننا، إلى أن تم إحكام الحصار الذي لم يكن معلناً وغير مكتوب على مسرح بابل، لذلك قررت العودة إلى جواد الأسدي المخرج والفنان لأني أصبت بإحباط طوال سنوات، ولأن شهيتي لم تعد حاضرة، لقد قتلوا شهيتي المسرحية .
* لماذا لم تلجأ إلى تأسيس مشروعك في واحدة من دول الخليج حيث الأموال متوفرة ؟
- صحيح .. لماذا لم أبق أنا في دول الخليج ، أو لماذا لم أبق في أوروبا، لأن الأوروبيين فتحوا لي الباب بشكل رائع، في فرنسا، والمانيا، وبلجيكا.. والسبب في ذلك كله أن (الجني) الفلسطيني يركب على ظهري، عشقي لفلسطين والمسرح الوطني الفلسطيني، لأنني كنت أقود المسرح الوطني الفلسطيني لمدة خمس عشرة سنة، لذلك كنت أشعر بخيانة كبيرة إذا ما وافقت على أي مشروع دائم في إحدى هذه الدول، كنت اشعر بالولاء الحقيقي والأنتماء الفعلي بالعودة إلى دمشق والتشارك مع المسرحيين الدمشقيين، والإشتغال مع السوريين والفلسطينين، ولأني عملت المسرح الفلسطيني في داخل دمشق مع الفلسطينين والسوريين، فكنت غير قادر على الذهاب إلى مكان آخر، لأن احساسي كان يشير لي دائماً، بأن هذه الأتربة هي التي تعنيني، هذه الوحول هي التي تعنيني، والعمل بهذه الأتربة هو الأقرب إلى طموحي الشخصي في صناعة مدينة جديدة ، وصناعة مسرح جديد في صناعة إنسان آخر مختلف ولهذا غادرت تلك الأمكنة التي لديها الاستقرار والرفاهية والتي تعطي أمزجة.. وعدت إلى الجحيم .. الجحيم المحبب الذي اخترته بطواعية لأنه ينسجم مع روحي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

رولز رويس أم تِسْلا؟

جُبنة ألسخوت(*)

موسيقى الاحد:أريش فولفغانغ كورنغولد

صورة سيفو في مرآة الوهايبي

نادي السرد في اتحاد الأدباء يحتفي بالقاص حميد الزاملي

مقالات ذات صلة

"لِوِيسْ بَاراغَانْ"" src="https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2025/02/5852-7-2.jpg">
عام

"مُخْتَارَات": <اَلْعِمَارَةُ عِنْدَ "اَلْآخَرِ": تَصْمِيمًا وَتَعْبِيرًا > "لِوِيسْ بَاراغَانْ"

د. خالد السلطاني معمار وأكاديمي هل بمقدور نوعية <ناتج معماري> محدد أن يؤسس لسمعة معمارية عالمية؟ وهل بوسع <مفردات> معمارية بسيطة ومتواضعة.. ومحتشمة ان تكرس مثل ذلك التمجيد وتضفي ثناءً ومديحاً لمعمارها المصمم؟ وهل...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram