TOP

جريدة المدى > عام > تكريم اللا منجز الإبداعي العراقي بـ"شهادة بلاش"

تكريم اللا منجز الإبداعي العراقي بـ"شهادة بلاش"

نشر في: 25 إبريل, 2017: 12:01 ص

مهرجاناتٌ ثقافية هُنا وهناك، جلساتٌ احتفائية، أيامٌ جديدة تولد خلف مسميات غير مسبوقة بطرقٍ قد تكون غير شرعية، إنجازاتٌ لم تتم حتى الآن، إبداعٌ لا مرئي، نتاجاتٌ غير ملموسة، وجوائز وشهادات توزّع،  لتقدير جهودٍ غير مبذولة.قد يكون التوصيف أعلاه يوضح

مهرجاناتٌ ثقافية هُنا وهناك، جلساتٌ احتفائية، أيامٌ جديدة تولد خلف مسميات غير مسبوقة بطرقٍ قد تكون غير شرعية، إنجازاتٌ لم تتم حتى الآن، إبداعٌ لا مرئي، نتاجاتٌ غير ملموسة، وجوائز وشهادات توزّع،  لتقدير جهودٍ غير مبذولة.قد يكون التوصيف أعلاه يوضح جانباً مبسطاً مما آلت إليه الثقافة العراقية اليوم، فجوائز وشهادات تقديرية كثيرة، ودروعٌ باسم الثقافة، تلك التي تباع وتشترى على ارصفة شارع المتنبي ومحال سوق السراي بأبخس ثمن، باتت توزع اليوم تحت مسمّى الابداع، والانجاز الادبي والفني والثقافي لمن لا منجز له...

"المدى" وضمن عملها الدائم ومحاولاتها الدؤوب للإشارة الى الثغرات التي يعانيها المشهد الثقافي وايجاد حلول لمشكلاته، أشارت لموضوعة تلك الجوائز والوثائق التقديرية التي تُهدى دون الالتفات للقيمة أو المنجز الابداعي..
لم تُصادفني أية مفاجئة، حين سألت الكثير من الشخصيات ذات الثقل في المشهد الثقافي بل على العكس، كانت أغلب الإجابات التي حصلت عليها مصحوبة بالضحك حدّ القهقهة، أو السخرية، من كثير من المؤسسات الثقافية المستجدّة، والتي بدورها تستحدث مهرجانات وجلسات ثقافية غير مسبوقة، وغير مبنية على أية ثيمة ابداعية، فيقول رائد المسرح العراقي سامي عبد الحميد ضاحكاً "نعم بالفعل، جوائز كثيرة وشهادات تكريم اكثر تمنح لأناس لا منجز لهم، ومن قبل منظمات لاتأريخ لها في سطور الثقافة". ولكن ما الحل؟ سؤالٌ طرحته لعبد الحميد الذي فجّر اجابته بهدوء تام قائلاً " بالطبع لا حل، سوى أن المثقف الحقيقي عليه أن يتجنب التعاطي مع هذه المؤسسات الدخيلة على الثقافة والتي بدأت تتجاوز الحد المسموح في مثل هذه الأفعال".
"نحن بحاجة لتقديم صورة  عامة عن حال الثقافة العراقية والعربية مقارنة بالثقافات الأكثر تقدماً"، الجملة الاولى التي اشار إليها الشاعر والناقد نصير فليح، حين حاولنا الحديث معه بهذا الشأن، وأضاف أن  "ثقافاتنا واستناداً الى مختلف المؤشرات والاحصائيات الدولية سواء ما يتعلق بنسبة الأمية أو معدلات القراءة أو جودة التعليم أو معدلات النشر والترجمة، تعد من الثقافات المتأخرة جداً. كما أن مجتمعاتنا العربية بصورة عامة مجتمعات غير حديثة، ما زالت تركّز على العلاقات العشائرية والشخصية، والمجاملات، والاخوانيات،  أكثر من التركيز على الكفاءة والمنجز والقيمة الابداعية للفرد. ضمن هذه الصورة العامة نستطيع أن نفهم كثرة الجوائز والشهادات التقديرية الممنوحة من دون اساس يذكر. ولا يهم هنا سواء أكانت المنظمات المقدمة للجوائز والشهادات حكومية أم لا، ذلك أن العقلية نفسها، والبيئة نفسها، والبنية نفسها، والاشكاليات نفسها".
وأكد فليح أن "ثقافتنا، عموماً، مقارنة بالبلدان والثقافات الاكثر تقدماً، اشبه بمقهى، مقارنة بمركز بحثي رصين. وفي المقهى تكثر الارتجالية والعشوائية والاخوانيات والاشاعات ويقل التمحيص والتدقيق والمراجعة الجادة".
إن الأساس الأهم لكل جائزة أو تقدير أو تقييم، سواء أكان التقييم جائزة أم شهادة تقديرية أم غير ذلك، يجب أن يكون المنجز الابداعي للشخص أو المبدع في المجال المعني. ولكن تقييم المنجز الابداعي بشكل جاد ورصين يحتاج بدوره الى جهاز نقدي جاد ورصين أيضاً، وهذا أيضاً مفقود في ثقافتنا العراقية والعربية عموماً، حيث تخضع عمليات التقييم نفسها الى نفس الأمراض الثقافية التي ذكرناها.
وبهذا الشأن ذكر فليح أن" في البلدان الاكثر تقدماً، هناك مؤسسات نقدية عريقة ورصينة، وهناك منشورات ومتابعة دورية لكل ما يستجد على الساحة تقريباً، وهناك جامعات عريقة رسخت تقاليد معرفية وبحثية وابداعية عميقة، وهناك مستوى أعلى للثقافة عموماً، وهناك مراكز بحثية ونقدية مستمرة، وهناك لجان وجهات نقدية رصينة دائبة العمل والمتابعة." مؤكداً". في اجواء من هذا النوع، فإن الطارئين وعديمي القيمة لا يجدون بيئة ملائمة للتكاثر والانتشار السهل، على عكس ما يجري عندنا. حيث يكفي لأي شخص أن يمتلك علاقات شخصية واسعة، حتى لو لم يكن يمتلك أيّة موهبة ثقافية أو ابداعية، أن يصبح "علماً من اعلام الثقافة والابداع" يشار له بالبنان في كل المحافل، خصوصاً، إذا كانت لديه علاقات اعلامية واسعة، بالاضافة الى العلاقات الشخصية. وليس هناك بالطبع من يتساءل فعلاً، أو يدقق، أو يتحقق، أو يراجع بجدية حقيقة منجز شخص كهذا إلا نادراً. وهكذا تصبح الاشاعة أو "الكذبة" حقيقة واقعة، تترسخ في الاذهان والعقول، ثم تأتي الشهادات التقديرية والجوائز الارتجالية لتكمل هذه الصورة".
بهذا نجد أن الابداع الرصين، والمنجز الحقيقي، من دون ماكنة العلاقات الشخصية والاعلامية والنفعية والترويجية المصلحية، صعب جداً أن يجد طريقه في ثقافة كثقافتنا، الا لمن يستطيعون النظر عبر حجب الضباب الكثيفة هذه الى ما هو مهم وحقيقي وجدير بالانتباه والتقييم، بعيداً عن الإشاعات والإعلام والصخب والضجيج.
رغم وجود محاولات داخل الثقافة العراقية والعربية لتحسين الوضع، ولأبعاد التقييمات قدر الإمكان عن الاعتبارات الأخرى غير الفنية وغير الابداعية، لكن في مجتمعات مثل مجتمعاتنا وثقافات مثل ثقافاتنا، يظل تقييم من يستحق فعلاً هو الاستثناء وليس القاعدة.
 الكثيرون يشاطرون الناقد نصير فليح، رأيه هذا، حيث يشير الكاتب والمخرج المسرحي والاكاديمي عقيل مهدي، الى أن علينا تحديد الهدف من وراء تقديم جوائز أو شهادات تكريم، فإذا كانت الجائزة مجردة من القيمة الابداعية ستكون العملية شبيهة بعلاقة اجتماعية عابرة مبنية على المجاملة.
أشار مهدي إلى جوائز الإبداع التي اطلقتها وزارة الثقافة واشرفت عليها، ذاكراً أن "جائزة الابداع أهديت لبعض الأشخاص من ذوي الإمكانات الابداعية المتوسطة، ذلك لأن المتقدمين يمتلكون منتجاً ثقافياً ادبياً أو فنياً متواضعاً، وعند عرض هذه النتاجات للمنافسة بالتأكيد سيفوز الأفضل من بينها، رغم تواضع منجزه أيضاً".
الحل الذي يطرحه عقيل مهدي، لهذه الازمة التي باتت تقود الثقافة نحو الهاوية، هو أن نحذو حذو المؤسسات العالمية وذلك من خلال تشكيل أو انتخاب لجان خاصة تنتخب المبدع الحقيقي من خلال مشروعه الابداعي ووفق قوانين وضوابط مصدقة من قبل الدولة نفسها.
البحث عن جهات رصينة، مبنية على قواعد وأسس فنية تقيم المنجز الابداعي بات رجاءً وتمنياً يترجاه ويتمناه كل مؤسسي الثقافة العراقية وروادها، وفيما يخص الجانب الفني في العراق، يذكر نقيب الفنانين العراقيين صباح المندلاوي " من المؤسف أن الكثير من المنظمات والمؤسسات الدخيلة اليوم على الثقافة والفنون العراقية، باتت تستحدث أوسمة وجوائز ذات مسميات غير موجودة اصلاً في سطور الثقافة، لتمنح هذه الأوسمة (التي تقتنيها وتشتريها تلك المنظمات من مسابط شارع المتنبي أو سوق السراي) لشخصيات لا تاريخ ثقافي لها".
المندلاوي يشاطر عقيل مهدي رأيه في حل القضية، وذلك من خلال تفويض الأمر لجهات مختصة كمجلس الوزراء العراقي أو البرلمان، وذلك لتشكيل لجان متخصصة تقيم المنجز، وتضع ضوابط معينة يتم على أساسها السماح بمنح أية جائزة أو كتاب شكر أو شهادة تقدير لمنجز ما أو مبدع ما..
سُفّه تقدير المنجز الابداعي، واصبحت هذه القضية اشبه بنكتة سمجة، وذلك لأن كل منظمة اليوم تُهدي تكريمات وفق اهواء معينة ومحسوبيات، دون الالتفات لتأريخ المنجز واهميته وتأريخ صاحبه، هكذا تحدث الموسيقي والملحن محسن فرحان، الذي ترأس سابقاً لجان تحكيم مسابقات موسيقية وغنائية، ولكن الحل الذي إرتأها فرحان كان يستند لـ "تشكيل نقابات فنية تجمع كل المجالات الفنية، وتضع هذه النقابات أسس وقواعد يتم من خلالها تقييم المنجز الابداعي".
آراء المؤسسات الحكومية المعتمدة في المشهد الثقافي، جاءت رافضة تماماً لمثل هذه "المسخرة الثقافية" وقد تمثلت هذه الأراء بنقيب الفنانين صباح المندلاوي، ورئيس لجنة جائزة الابداع الحالي والسابق على التوالي الناقد نصير فليح، والكاتب المسرحي والمخرج عقيل مهدي، اضافة الى الشخصيات ذات الباع الطويل في المجال الفني والثقافي والأدبي.
ويضاف إلى هذا رأي رئيس الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق، والذي يعدّ من أهم المؤسسات الثقافية والأدبية في العراق، فمن خلال موقف ذكره الناقد ناجح المعموري،  نجد وللأسف أن هذه المؤسسات بدورها خاضعة احياناً للمجاملات، حيث ذكر المعموري " أنه اهدى بعض الشهادات التقديرية " البخسة الثمن " لعدد من الشاعرات العراقيات اللاتي لم يسمع بهن من قبل خلال احتفالية الاتحاد بيوم المرأة العالمي".
وأضاف المعموري " حين يطلب مني أحد الكُتاب من اعضاء الاتحاد شهادة تقديرية، كهذه سأضع اسمه عليها لأنها تمثل لهذا الشخص قيمة معنوية مهمة". مؤكداً "ورغم ذلك، فهنالك جوائز تحمل تسميات مهمة لا تمنح إلا لأصحاب المنجز المهم.
ثُمن المنجز الفكري والإبداعي العراقي، وكذلك المبدعون من اصحاب هذا المنجز بشهادة " البلاش" وكُرّم اللا منجز بدرعٍ أو جائزة مطبوعة في إحدى مكتبات الطباعة في المتنبي أو تلك التي تباع على أرصفة سوق السراي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

رولز رويس أم تِسْلا؟

جُبنة ألسخوت(*)

موسيقى الاحد:أريش فولفغانغ كورنغولد

صورة سيفو في مرآة الوهايبي

نادي السرد في اتحاد الأدباء يحتفي بالقاص حميد الزاملي

مقالات ذات صلة

"لِوِيسْ بَاراغَانْ"" src="https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2025/02/5852-7-2.jpg">
عام

"مُخْتَارَات": <اَلْعِمَارَةُ عِنْدَ "اَلْآخَرِ": تَصْمِيمًا وَتَعْبِيرًا > "لِوِيسْ بَاراغَانْ"

د. خالد السلطاني معمار وأكاديمي هل بمقدور نوعية <ناتج معماري> محدد أن يؤسس لسمعة معمارية عالمية؟ وهل بوسع <مفردات> معمارية بسيطة ومتواضعة.. ومحتشمة ان تكرس مثل ذلك التمجيد وتضفي ثناءً ومديحاً لمعمارها المصمم؟ وهل...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram