TOP

جريدة المدى > عام > ملحمةُ جلجامش وحوارُ الحضارات

ملحمةُ جلجامش وحوارُ الحضارات

نشر في: 9 مايو, 2017: 12:01 ص

(2)إن مصارعة خمبابا وجلجامش لها ما يماثلها في الأدب اليوناني، متمثلة في منازلة برسيوس للغورغون ثم كثـرة منازلات هركليس ومثل القديس جورج للتنين. ومن الجدير بالذكر، أن في الأساطير السومرية أخباراً عن منازلات بين ابنة وآلهة مثل منازلة نينورتا مع التنين

(2)

إن مصارعة خمبابا وجلجامش لها ما يماثلها في الأدب اليوناني، متمثلة في منازلة برسيوس للغورغون ثم كثـرة منازلات هركليس ومثل القديس جورج للتنين. ومن الجدير بالذكر، أن في الأساطير السومرية أخباراً عن منازلات بين ابنة وآلهة مثل منازلة نينورتا مع التنين كور الذي غلبه وقتله. وكذلك منازلة الربة انانا مع التنين كور ومنازلة الاله انكي ودحره التنين كور.

ذكر بارحوشا المؤرخ البابلي، من أواخر القرن الرابع والنصف الأول من القرن الثالث ق . م رسم اوتونابشتم بهيئة خيسو ثروس وقال بأن الإله كرونوس، افصح له عن نفسه وأعلمه بقرب حلول الطوفان، وأخبره أن يدفن وثائق معينة في سيار حتى لا يضيع تراث البلد (الكلمة) وأن يبنى فلكاً بأبعاد معينة يحمل بها عند حلول الطوفان، احمله واقرب أصدقائه وزوج من المخلوقات الأرضية الحية "ذكر وأنثى" وفي النهاية اخبره صوت الهي بتحول بطل الطوفان وزوجته وملاحه، وان يعود باقي أهل السفينة وحدهم الى بابل كما هو مقرر. وان يخرجوا الوثائق المدفونة في سيار وينشرونها بين الناس وكون الأرض التي هم فيها "حيث رست السفينة" هي أرمينية وعندما سمع أهل الفلك كلامه، قدموا الأضاحي وراحوا الى بابل سيراً على الأقدام.  وان ذكر باحوث "يبل ريتشو" لارمينية حل مسألة جبل نصير وموقعه. أما العنصر الجديد الذي ادخله هو الصوت الإلهي لتغطية تعدد الإلهة في قصة الطوفان البابلي. وجعل جزاء أهل الفلك خيسوثروس وزوجته وملاحه "الخلود الفوري وهو تأثير يوناني وأكد على بابل بدلاً عن شروباك التي ذكرتها قصة الطوفان البابلية.
أن مصارعة خمبابا وجلجامش لها ما يماثلها في الأدب اليوناني متمثلة في منازلة برسيوس للغورغون ثم كثرة منازلات هركليس وقتل القديس جورج للتنين. ومن الجدير بالذكر، أن في الأساطير السومرية أخباراً عن منازلات بين أتنة والهة مثل منازلة الإله نتورتا مع التنين كور. إن العلاقة بين ملحمة جلجامش وبين النصوص الأخرى (مثل الأوديسة، التوراة وبعض النصوص القرآنية) الشبيهة بها أو التي أخذت عنها هي علاقة محاكاة أو تحريف للنص الأصلي وادعائها حق إنتاجه والانفراد بامتلاكه. وعلاقة جلجامش بتلك النصوص ليست مجرد عملية " فهم القارئ للعلاقات القائمة بين عمل ما وبين أعمال أخرى سبقته أو ألحقته كما يقول ريفاتير. هذه العلاقة ليست علاقة متبادلة بسبب بسيط جداً، هو أن ملحمة جلجامش لم تأخذ من تلك النصوص أو تتأثر بها، وهذا بديهي ويبدو من السذاجة بمكان مجرد الكلام على ذلك! أننا لا نعرف أعمالاً مكتملة سبقت ملحمة جلجامش تأثرت بها هذه الأخيرة، فكل ما وجد قبلها، حول الموضوع الذي تتحدث فيه عنه طبعاً، كان عبارة عن شذرات لا تشكل في أيّ حال من الأحوال أيضا تأسيساً، مشرعاً ، أو نصاً مؤسساً قامت عليه أو استطاعت منه النصوص اللاحقة في آداب الحضارات الأخرى، أو الشعوب الأخرى .
  هذه النصوص انطلقت من جلجامش، أو لنقلها صراحة سرقته وادعي مؤلفوها أنها إنتاج حضاراتهم، سنتبيّن منها النصوص القرآنية التي ظلت أمينة وساقت حوادث التاريخ وأرجعتها لأصحابها. إذا كان مفهوم النص الجمعي "النصوص المتداخلة" يفترض التبادل والتداخل بين النصوص، فإن النص المؤسس لا ينطوي على مثل هذا المفهوم . وحينما نقول بوجود نص ثانٍ، فإن ذلك يعني ببساطة، وجود نص أوّل . والثاني لا وجود له في حال غياب الأول. تماماً كالعلاقة القائمة بين الأرقام في متسلسلة حسابية.
*************
  قال العالم طه باقر: لعلَّ خير ما يكشف لنا عن أثرها الكبير في عقول أبناء الحضارات القديمة المدى الواسع الذي انتشرت فيه في العالم القديم. فبالنسبة الى سكان العراق الأقدمين لم يقتصر تداولها على سكان القسم الجنوبي والأوسط من العراق. وهو القسم الذي عرف ببلاد "سومر وأكد" بل انتشرت أيضاً الى القسم الشمالي، الى بلاد "أشور" فقد وجدت نسخ كثيرة لها في حواضر العراق القديم في ادوار ازدهار الحضارة البابلية في ما يعرف بالعهد البابلي القديم "الألف الثاني ق . م" أما بالنسبة الى أشور، فالواقع إن آخر نشرة لها كاملة وصلت إلينا وقد وجدت نصوصها في خزانة كتب الملك الأشوري "أشور بانيبال الشهيرة . أما بالنسبة الى مراكز الحضارات القديمة. فقد وجدت نسخ كثيرة من أجزائها في أقاليم نائية من الأناضول، موطن الحضارة الحثية، وقد دوّنت بعض هذه النصوص باللغة البابلية القديمة، كما وجدت لها ترجمات الى اللغتين الحثية والحورية. وحديثاً تم اكتشاف مثير لنسخة من بعض فصولها في إحدى مدن فلسطين القديمة وهي مدينة "مجدو" المشهورة في التوراة ويرجع زمن هذا النص الى حدود القرن الرابع عشر ق . م ، وهذا واحد من الأدلة الكثيرة على الصلة بين حوادث الملحمة وما جاء في المآثر العبرانية ولاسيما حادثة الطوفان.  ولعل اغرب ما وجده المنقبون حديثاً في الموضع الأثري المعروف باسم سلطان تبة في جنوبي تركيا، بالقرب من حران، فقد جاءت تلك الرسالة على لسان البطل جلجامش معنونة الى أحد الملوك القدماء يطلب منه جلجامش إرسال أحجار كريمة ليصنع منها تعويذة لصاحبه "انكيدو" لقد أثرت هذه الملحمة العتيدة كذلك في آداب الحضارات القديمة وقصصها وملامحها بطرق غير مباشرة أي عن طريق التأثر بحوادث الملحمة وقصصها، وعلى رأسها حادثة الطوفان الشهيرة التي شغلت ابرز فصل في الملحمة. والشبه العظيم بين روايات الطوفان واضح جداً وأكثرها وضوحاً ما جاء في التوراة.
والذي نعتقده بصدد هذا الطوفان ـ كما قل طه باقر، انه كان بالأصل حدثاً تاريخياً واقعياً حدث في طيات الماضي البعيد، وكان من جسامة التأثير وفداحته انه ترك أثراً بليغاً في عقول الأجيال المختلفة فتناقلته الشفوية وشوهت تفاصيله الواقعية. ونظراً للتشابه الكبير بين رواية الطوفان في الملحمة وملحمة "اتراحاسيس" وبين رواية التوراة، فإننا نعتقد أنهما ترجعان الى نفس الحادثة. وإن هذه الحادثة وقعت في العراق القديم، لاسيما في القسم الجنوبي منه. أي السهل الرسوبي، وإن زمنها يرجع على اغلب الاحتمالات الى أواخر ما يسمى في تاريخ حضارة وادي الرافدين بمصطلح العصر الحجري المعدني، أي قبل بداية الحضارة السومرية في أوائل العصر المسمّى بعصر فجر السلالات (أواخر الألف الرابع ق .م) ولعل مما له علاقة بهذا الطوفان آثار الترسبات الغرينية التي وجدت وهي تفصل بين دوري ما يسمى بـ "جمدة نصر" وبين أوائل عصر فجر السلالات، في جملة مدن قديمة مثل "كيش، تل الأحمر الآن "والوركاء وشروباك" حارة الآن وكانت المدينة الأخيرة كما جاء في الملحمة موطن "نوح" الطوفان البابلي "اوتونابشتم" كما ذكر في أثبات الملوك السومريين من المدن الخمس التي حكمت فيها سلالات ما قبل الطوفان. أما سبب الطوفان فلا يعسر على المرء إدراكه في أرض مثل السهل الرسوبي من العراق، الذي كان معرضاً في جميع عهود التاريخ الى خطر الفيضانات.
 انتقل اسم البطل جلجامش الى الآداب القديمة، أو أن أعماله نسبت الى أبطال الأمم الأخرى مثل "هرقل " و "آخيل" والاسكندر ذي القرنين والبطل "اوديسيوس" في الاوذيسة. تستند أسس قصص هرقل بالدرجة الأولى الى الأصول المستقاة من ملحمة جلجامش والتي وصلت الى بلاد اليونان عن طريق الفينيقيين، فكلا البطلين من أصل الهي، وكلاهما اتخذ صاحباً وصديقاً حميماً، انكيدو بالنسبة لجلمامش و"يوليوس" بالنسبة لهرقل وكان السبب في حصول الكوارث كل من الآلهة عشتار و"دينيريا" أو الإلهة "هيرا" بالنسبة الى هرقل. وكلاهما قتل الأسود وتغلب على الثيران السماوية المقدسة، ووجد هرقل العشب السحري للخلود كما فعل جلجامش وراء هرقل "جزيرة الموت" كما أبحر جلجامش عبر بحر الموت. ومثل هرقل قتل الأسود الضارية واكتسى بجلودها، الى غير ذلك من نقاط الشبه الكثيرة. ويرى الباحث "روبرت كريفز" أن هوميروس استقى الكثير من الحوادث من ملحمة جلجامش بالنسبة الى أحد أبطال الإلياذة الشهيرة "آخيل حيث يضاهي صاحب آخيل المسمى "بتروكلوس".
"انكيدو صاحب جلجامش، وأم آخيل الإلهة "ثيتس" تضاهي الآلهة البابلية "تنسون" أم جلجامش ولابد من الإشارة الى أسطورة نشد أن الاسكندر للخلود في نبع ماء كائن في بحر الظلمات، مما يضاهي ما جاء بالملحمة في بحث جلجامش عن نبات الخلود.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

رولز رويس أم تِسْلا؟

جُبنة ألسخوت(*)

موسيقى الاحد:أريش فولفغانغ كورنغولد

صورة سيفو في مرآة الوهايبي

نادي السرد في اتحاد الأدباء يحتفي بالقاص حميد الزاملي

مقالات ذات صلة

"لِوِيسْ بَاراغَانْ"" src="https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2025/02/5852-7-2.jpg">
عام

"مُخْتَارَات": <اَلْعِمَارَةُ عِنْدَ "اَلْآخَرِ": تَصْمِيمًا وَتَعْبِيرًا > "لِوِيسْ بَاراغَانْ"

د. خالد السلطاني معمار وأكاديمي هل بمقدور نوعية <ناتج معماري> محدد أن يؤسس لسمعة معمارية عالمية؟ وهل بوسع <مفردات> معمارية بسيطة ومتواضعة.. ومحتشمة ان تكرس مثل ذلك التمجيد وتضفي ثناءً ومديحاً لمعمارها المصمم؟ وهل...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram