نهار جميل في «كان » وقطاف وفير من الأفلام الجيّدة التي تزيد من ضراوة التنافس على سعفات المسابقة الرسمية وجوائز برنامج « نظرة ما »، وبرغم كون الوقت مبكّراً للحديث عن الجوائز، فإن فيلمي «الساحة » للسويدي روبين أوستلو
نهار جميل في «كان » وقطاف وفير من الأفلام الجيّدة التي تزيد من ضراوة التنافس على سعفات المسابقة الرسمية وجوائز برنامج « نظرة ما »، وبرغم كون الوقت مبكّراً للحديث عن الجوائز، فإن فيلمي «الساحة » للسويدي روبين أوستلوند، و «على كف عفريت» للمخرجة التونسية كوثر بن هنيّة، انتحيا لنفسيهما مواقع منافسة قوية على أكثر من جائزة في المسابقة الرسمية وفي مسابقة «نظرة ما » على التوالي، ففعل المخرجين وأداء الممثل الرئيس في « الساحة » كلايس بانغ » وبطلة « على كف عفريت » مريم الفرجاني في « على كفّ عفريت» رفعا جودة الفيلمين إلى درجات عُليا، ولا بدّ أن اسميهما انتهيا على قائمة مُفضّلي رئيس لجنة التحكيم الدولية بيدرو آلمودوفار، و أوما ثورمان، رئيسة لجنة تحكيم « نظرة ما ».
مستطيل في ساحة مدوّرة
يعرض فيلم « الساحة » بضعة أيام من حياة ناقد تشكيلي ومُنظّم معارض للفن المعاصر، ويشغل موقع المنظّم الرسمي لمُتحف عريق في ستكهولهم. وكريستيان الآيلة آصرته مع زوجته إلى طلاق مؤكّد، أب رؤوف وحميم مع طفلتيه اللتين تقضيان بعض الوقت
معه. ويتزامن تعرّضه إلى انتقادات صحفية بسبب إقامته معرضًاً للفن المعاصر فشل في تحقيق اهتمام من قبل الجمهور والإعلام، يواجه أمراً غريباً لدى خروجه من قطار الأنفاق في طريقه إلى مقرّ عمله، أذْ يجد نفسه وسط شجار بين زوجين يحاول الفصل بينهما وفضّ الصدام الناشب بينهما، لكنّه يكتشف بعد لحظات أن الأمر لم يكن إلاّ احتيالاً لسرقة محفظته وهاتفه النقّال، ويقوده سعيه لاستعادة هاتفه النقّال ومحفظته إلى ارتكاب حماقات متكرّرة، تحدث بعضها أمام ناظري طفلتيه، ما يزيد من تهشّم شخصيته أمامهما وتضعضع استقراره الذهني، الذي يُفضي به إلى العجز عن النطق بكلمة اعتذار أمام صبي من أبناء المهاجرين كان سلوك كريستيان أساء إلى سمعته وسمعةعائلته.
وحين يعي كريستيان وزر خطاياه المتكرّرة يسعى إلى الإدلاء بذلك الاعتذار، لكن الوقت قد فات وتعرّضت عائلة ذلك الصبي إلى الإهانة التي اضطرتها إلى الهجرة مرّة أخرى. « الساحة » هو الفيلم الروائي الرابع لهذا المخرج الشاب والموهوب، وقد تمكّن به من تحقيق عمل متماسك، خفيف الظل، عميق المغزى على أكثر من مستوى. وهو الفيلم الذي جمع فيه المخرج، ببراعة المعلّم العارف لشُغله، ما بين الكوميديا والتراجيديا دون أن تجتاج إحداها أرضية لأخرى، وتحدّث في آنٍ عن العائلة، والمجتمع وعن الفن المعاصر، كما تحدّث المدينة المستكينة إلى نظامها ومرارات الهجرة والمهاجرين وتشرّدهم الدائم.
ليلة مريم الكابوسيّة
بعد فيلمها القصير الجميل « إيد اللوح » وفيلميها الطويلين « شلاط تونس » و « زينب تكره الثلج » حقّقت المخرجة التونسيّة المثابرة كوثر بن هنيّة الخطوة الأهم حتى الآن في مسيرها السينمائي، فقد اختار مهرجان « كان » السينمائي الدولي شريطها الجديد « على كف عفريت » للعرض ضمن برنامج « نظرة ما » في الدورة الـ 70 من المهرجان الأهم في العالم، وحقّق الفيلم لدى عرضه أمس ترحاباً كبيراً من قبل النقّاد ومتابعي شؤون الفيلم العربي. وأبرزت كوثر بن هنيّة قدرة عالية وحقّقت شريطاً فيه من الجرأة والبراعة ما يُضاهيان ضرورته كعمل إبداعي.
ويأتي هدا الفيلم منسجمًاً انسجاماً كاملاً مع ضرورات الدفاع عن المرأة العربية بشكل خاص، وعن المرأة بشكل عام، ضد ما تتعرّض إليه في أصقاع عديدة، وبالذات في عالمنا العربي، إلى العنف والاغتصاب والقتل بدعوى «جريمة الشرف» أو جريمة ما يُسمّى بـ «غسل العار »، وهي الجريمة التي تغتال المرأة للمرة الثانية، بعد اغتيال كينونتها كإنسان، لحظة التعرّض إلى جريمة العنف
أو الاغتصاب.
تروي كوثر بن هنيّة في هذا الفيلم المابوس الذي تتعرّض إليه الشابة ذات الأحد وعشرين ربيعاً، إلى الاغتصاب من قبل ثلاثة من رجال الشرطة، وتسعى عبر دعم صديقها يوسف الذي شهد الجريمة إلى الحصول على شهادة طبّية كونها تعرّضت إلى الاعتداء الجنسي من قبل أشخاص عرّفوا بأنفسهم كونهم من
الشرطة. وحين تكتشف قيادات الشرطة بأن مقترفي الجريمة من بين رجالها، توعز إلى محقّقين في مركز الشرطة بإقناع الفتاة بالتنازل عن الدعوى “درءاً للمتاعب وصوناً للسمعة…”، كما يحاول إقناعها أحد المحقّقين. لكنّها تُصرّ على حقّها بالمطالبة بإنزال العقاب
بمغتصبيها.
فيلم كوثر بن هنيّة يوجّه أصابع الاتّهام إلى أطراف عديدة في المجتمع التونسي، وبالذات إلى جهاز الأمن وإلى أطراف من الإعلام، لكنّها لا ترمي باللائمة على هذين القطاعين بأكملهما، فثمة، رُغم كل شيء، من يمتلكون الإيمان بكونهم «حماة الدار والمواطن ».