TOP

جريدة المدى > عام > (المدى) في مهرجان «كان» السينمائي الدولي..شرق وغرب وعوائل منخورة بالخراب والاغتراب

(المدى) في مهرجان «كان» السينمائي الدولي..شرق وغرب وعوائل منخورة بالخراب والاغتراب

نشر في: 23 مايو, 2017: 12:01 ص

كان الترقّب لفيلم المخرج النمساوي مايكل هانيكة « نهاية سعيدة » عالياً للغاية، وزاد من كَميَّة الترقٌب ذاك دنوّ مستويات العديد من اختيارات المدير الفني للمهرجان تييري فريمو، حيث لم تشهد المسابقة حتى الآن، وهي في يومها الخامس، إلاّ افلاماً

كان الترقّب لفيلم المخرج النمساوي مايكل هانيكة « نهاية سعيدة » عالياً للغاية، وزاد من كَميَّة الترقٌب ذاك دنوّ مستويات العديد من اختيارات المدير الفني للمهرجان تييري فريمو، حيث لم تشهد المسابقة حتى الآن، وهي في يومها الخامس، إلاّ افلاماً جيّدة قليلة، يقف في المقدّمة منها فيلم «بغضاء» للمخرج الروسي آندريه زفياجينتسيف وفيلم «الساحة» للمخرج السويدي الشاب روبين أوستلوند، وينبغي لي القول، بعد الانتهاء من مشاهدة فيلم «نهاية سعيدة» بأن هانيكة، على الرغم من الاختلافات التي يمكن أن تطفو على السطح مع مواقفه السياسية اليمينية، لم يَخُنْ ذلك الترقّب وقدّم عملاً متميّزاً بكل المعايير، اشتغل فيه مع ممثلَيْه المفضّليْن جان لوي ترينتينان وإيزابيل  هوبير.
وإذا كان الروسي زفياجينتسيف سبر عبر « بغضاء» أغوار الخراب الذي عمّ المجتمع الروسي بعد انهيار النظام الشيوعي، فإن هانيكة يسبر أغوار المجتمع الغربي، والرأسمالي بالتحديد، ويُميط اللثام عن الخراب الذي ينخر العائلة، ويفعل ذلك عبر ميكروكوزم مّصغّر تتجاور فيه ثلاثة أجيال، الجد والابن والابنة والحفيد والحفيدة. لاشيء في هذا المجتمع الصغير قادر على الخلاص من الخطيئة التي يُخيم عليها شبح القتل، إلاّ الطفل الرضيع والحفيد «المختلف» الذي يشعر بلا جدواه الكاملة في مجتمع اغترب عنه بالمطلق، وحين يُقرّر الانتماء الى المجتمع الأقرب إلى نفسه، تُضطرّ أمّه إلى توسّل العذر له معتبرة إيّاه "مريضاً يتناول جرعات من المهدئات ...".
وبرغم عدم كون «نهاية سعيدة» فصلاً تالياً لفيلم هانيكة السابق «حب»، إلاّ أن اختيار المخرج لجان لوي ترينتينان وإيزابيل هوبير لبطولة الفيلم الجديد بدور الأب والإبنة، يلوّح إلى الآصرة بين الفيلمين، وهي الآصرة التي يكشف عنها الجد للحفيدة بكونه أقدم على خنق زوجته التي كان يعشق " ... لإنهاء عذاباتها بسبب الزهايمر والخَرَف الذي أصابها…".
رجل الأعمال الارستقراطي جورج لوران (جان لوي ترينتينيان)، وبعد وفاة زوجته واضطراره هو على الاستعانة بكرسي متحرّك، أناط مهمّة إدارة أعماله إلى ابنته آن (إيزابيل هوبير) التي تؤدي المهمة بعجالة تتسبب بكارثة انهيار جدار مبني كبير تُنفّذه الشركة وتؤدي إلى موت وجرح العديد من العمال. آن مُحاصرة بمشاكل العمل وبملفات القضاء الذي يُقرّ بحقّها غرامات هائلة وتُضطر إلى التنازل عن جزءٍ كبير من ممتلكات المؤسسة للشريك الإنكليزي، الذي يُدير أعماله المحامي الانكليزي لورنس (توبي جونز)، وهو بدوره خطيب آن وسيتزوّجان في نهاية الفيلم. لـ « آن» إبن ثلاثيني هو بيير لوران (فرانس روغووسكي)، إنّه الشخص الوحيد العاقل في مجتمع العائلة المصاب بالخراب، وهو بذلك الأكثر اغتراباً من بين الجميع.
أما الابن الثاني لجورج لوران فهو الطبيب توماس لوران (ماتيو كاسّوفيتس) الذي طلّق زوجته الأولى التي كان رُزق منها ببنت هي إيف لوران (وتؤديها ببراعة كبيرة الصبيّة فانتين آردووين). إيف هي الآن في الثالثة عشر من العمر وتُخفي سراً رهيباً، لا يكتشفه إلاّ الجد الذي يتصارح معها، ويطلب منها في خاتمة الفيلم مساعدته على وضع نهاية لحياته.
يصيغ مايكل هانيكة مجتمعاً منخوراً ومحاصراً بالموت.
بغضاءٌ تنهش كيان المجتمع
وهو ذات المجتمع المنخور الذي يعرضه لنا المخرج الروسي المتميَز آندري زفياجينتسيف عبر شريطه الروائي الطويل الخامس « بغضاء» الذي يتخلّل به أكثر فأكثر في صلب المجتمع الروسي ما بعد انهيار النظام الشيوعي في الاتحاد السوفياتي. فبعد تناوله في افلامه الأربعة الماضية موضوعات الصراع بين القديم والجديد في مجتمعه، يدخل في هذا العمل الجديد الى صلب العائلة ويرسم عبر عائلتي...، الأولى آيلة للانهيار بسبب الطلاق بينه وزوجته والأخرى ناشئة وتترقب الوليد المقبل .
وفيما يُنتظر الوليد الجديد، ثمة كائن آخر تطحنه الصراعات والمشاحنات اليومية ما بين الزوجين، وتدفع تلك الحالة الصبي الصغير ذو الإحدى عشر سنة إلى الهرب من المنزل والاختفاء في مكان يعتبره أكثر أماناً من منزل والديه المتخاصمين على الدوام.
ويثير اختفاء الصبي مخاوف والديه ويتحدان في البحث عنه برفقة فريق من الشرطة، لكن دون ان تُعيد تلك المأساة الصفاء الى آصرتهما، فإن ما أبعدهما عن بعضهما هو أعمق من أي شيء آخر. وحين يواجهان الحقيقة المؤلمة والنهاية المأساوية للصبي، يرفضان الانصياع الى الحقيقة الماثلة بجلاء أمامهما. وليس  رفضهما القبول بتلك النهاية أملاً بعودة الصبي، بل لأن القبول بالحقيقة المرّة ستعني، بالنتيجة، الإقرار بخطيئتهما إزاء ذلك الصبي.
وحين يوسَع زفياجينتسيف مساحة ما تصوّره عدسته، يظهر بجلاء بأن خطيئة الإقصاء والانزواء دون أواصر مع آخرين، إنمّا تُرتكب على صعيد أوسع، وربما شبه كامل.
إدانة زفياجينتسيف لمسار تطوّر المجتمع الروسي السلبي،. لا يقتصر على الادانات المتكررة، بل يُرينا كيف تحول الآي فون إلى عنصر حيوي ودائم الحضور في أي مكان وفي اية لحظة، ويبدو ذلك جليّاً في الجزء الذي يعرض فيه المخرج لطيبة سلوك الناس في قطار الإنفاق، فكل من على متن القطار يُلاعب هاتفه النقّال، دون ان نجد كتاباً واحداً بين يَدَيْ أي من الركاب.
إن تلك الصورة هي نقيض لما كان يُرى في قطار الانفاق، عندما كان عسيراً العثور على راكب روسي دون أن يكون بين يديه كتاب.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

رولز رويس أم تِسْلا؟

جُبنة ألسخوت(*)

موسيقى الاحد:أريش فولفغانغ كورنغولد

صورة سيفو في مرآة الوهايبي

نادي السرد في اتحاد الأدباء يحتفي بالقاص حميد الزاملي

مقالات ذات صلة

"لِوِيسْ بَاراغَانْ"" src="https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2025/02/5852-7-2.jpg">
عام

"مُخْتَارَات": <اَلْعِمَارَةُ عِنْدَ "اَلْآخَرِ": تَصْمِيمًا وَتَعْبِيرًا > "لِوِيسْ بَاراغَانْ"

د. خالد السلطاني معمار وأكاديمي هل بمقدور نوعية <ناتج معماري> محدد أن يؤسس لسمعة معمارية عالمية؟ وهل بوسع <مفردات> معمارية بسيطة ومتواضعة.. ومحتشمة ان تكرس مثل ذلك التمجيد وتضفي ثناءً ومديحاً لمعمارها المصمم؟ وهل...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram