لإدغار الآن بو، ثاكراي، وتشارلز ديكنز، هيمنغواي، ويللا كاتر، ديفيد غراهام فيليبس الذي عُرف باسم "جون غراهام"، غابرييل غارسيا ماركيز، طه حسين، سلامة موسى، وعبد الملك نوري، وآخرين كُثـر من رواد القصة والرواية والأدب، عمل بعضهم كصحافيين وآخرين ك
لإدغار الآن بو، ثاكراي، وتشارلز ديكنز، هيمنغواي، ويللا كاتر، ديفيد غراهام فيليبس الذي عُرف باسم "جون غراهام"، غابرييل غارسيا ماركيز، طه حسين، سلامة موسى، وعبد الملك نوري، وآخرين كُثـر من رواد القصة والرواية والأدب، عمل بعضهم كصحافيين وآخرين ككُتاب اعمدة صحفية، ولم يجرؤ أحد أن يُسخفّ قدراتهم سواء في مجال الصحافة أو الأدب، حالما يهزأ احدهم بالأدباء الذين يعملون في مجال الصحافة، اتذكر هذه الأسماء التي أرست قواعد الصحافة، وأسسوا لها آنذاك، في الوقت الذي لم تكُن هنالك مدارس وجامعات صحفية وإعلامية...
مواقف البعض من الأدباء العاملين في مجال الصحافة باتت غريبة، وهجومية غالباً، فغالباً ما نستمع للجملة القائلة "أن الادباء العراقيين هم من دمّروا الصحافة، ذلك أنهم يضيفون الكثير من التنظيرات على هذا المجال الذي لا يقبل التنظير، وبهذا أساء الأدباء استخدام الادوات الصحفية." هذه المقولة تُطلق بعين مغمضة، وقد تناسى قائلها أن الصحافة تأخذ الكثير من ابداع الأدباء، وتؤثر في منجزهم وقد تكون كما يقال عنها" مقبرة الأدباء".
القاعدة القائلة أن، الصحفي يجب أن يكون مُتخصصاً، أثبتت عدم صحتها، ذلك أننا نملك اسماء صحفية كبيرة نستطيع الاطلاع عليها من خلال تأريخ الصحافة العراقية لم يكن اصحابها قد تخصّصوا في دراسة الصحافة، لكنهم مارسوها وابدعوا بها، فقط لحبهم لهذه المهنة، الكاتب والقاص والصحفي باسم عبد الحميد حمودي يؤكد قائلاً "لاتوجد قاعدة تقول إن خريجي الإعلام هم الأفضل مهنياً في مجال الصحافة، لأن اساس الصحافة لم تكن كليات ومدارس، بل هي موهبة تترسخ من خلال الخبرة والتعلم والتجارب، يمكننا اليوم أن ندرس هذا المجال ونتعلمه، ولكن لا قاعدة تقول إن من درس هذا المجال سيبدع به." مُشيراً " أن من يبدع في مجال الصحافة هو من يحب هذا المجال لا من يدرسه فقط".
الكاتب والروائي طه حسين عُدّ من أهم الأسماء الصحفية في مصر، حتى أنه ترأس تحرير أهم الصحف المصرية مثل الجمهورية والقاهرة، يذكر باسم حمودي قائلاً "اسم مثل طه حسين، لا يجرؤ أحد على أن ينتقص منه صحفياً، اضافة الى اسماء أخرى مثل، محمد حسنين هيكل في مصر، وفيصل حسون في العراق، ومحمد عبد القادر المازني، وآخرين بين كتاب وأدباء عملوا في مجال الصحافة وعُدّوا من أهم الأسماء الصحفية".
الكثير من كبار الادباء العراقيين الذين عملوا في مجال الصحافة يلتمسون نوعاً من التضليل لا الخطأ في المقولة التي تشير إلى التنافي بين الأدب والصحافة، ويجد الروائي والكاتب الصحفي وارد بدر السالم، أن "ما يفتقده الصحفي لا يفتقده الأديب القاص أو الروائي أو الشاعر، والأمر نسبي في الأحوال كلها، وهذه النسبية هي التي تجعل من الأديب أكثر حضوراً في ميدان الصحافة تحت لافتة اللغة ومشتقاتها الكثيرة وليس أقلها الخيال الذي يوطّد العلاقة بين الكتابة والتلقي".
نعم، الصحافة دراسة أكاديمية الى حدِ كبير، لكنَّ القليلين ممن استفادوا من هذه الدراسة، ولنا أن نتخيل الأعداد الكبيرة التي تتخرج سنوياً من كليات الإعلام بوصفهم الصحافي أو الإعلامي لكن قلة قليلة يمكن أن يعقدوا الصلة بين الدراسة والموهبة، السالم أكد هذا وقال "إن الدراسة ليست موهبة إنما هي فرض ومعدلات، وبالتالي لا تعني شيئاً إطلاقاً. عكس الأدب الذي هو موهبة وليست دراسة، وهو لغة وليس حسابات رياضية أو معادلات فلكية، واللغة ضبط وخيال وتأويل وفقه وقواعد، قد لا يمتلكها الصحفي الذي أنهى الكلية وهو لا يعرف غير الـ لماذا وكيف وأين ومتى ...الخ وهذا ليس قصوراً منه إنما قصور في المناهج التدريسية التي أكل الدهر عليها وشرب".
لذلك نجد إن الكثير من الأدباء وبممارسات بسيطة يمكنهم خوض الصحافة بنجاح، وكما يؤكد السالم "دون الحاجة الى السنوات الدراسية الممّلة في كليات الإعلام التي تتشابه في تخريج الكثير من الأغبياء مع تقديرنا العالي للمواهب الحقيقية التي تصقلها الى حد ما تلك الكليات البائسة".
وباستذكار أوّل نقيب للصحفيين العراقيين، وهوالراحل محمد مهدي الجواهري، شاعر محترف للشعر ولم يتخرج من كلية أو مدرسة صحفية، سنجده أسّس لصحافة وطنية.
ويمكن لذاكرة الأجيال كما قال وارد بدر السالم، أن تستعيد اسماء الأدباء الذين شغلوا مراكز ريادية في الصحافة العراقية، على أن هذا لا يبخس حق الضالعين في الصحافة من الصحفيين العراقيين المعروفين. ذاكراً " أريد أخلص الى أن الموهبة هي الأساس ، وبتقديراتنا أن الأديب هو الأكثر استيعاباً للصحافة والأكثر تمثلاً لها".
"في الواقع لا اعرف من اين يجيء البعض بمثل هذه التقولات! فمن من الأدباء ليس صحفياً جيداً! لطفية الدليمي؟ ام ميسلون هادي؟ أم مفيد الجزائري؟ لدينا اسماء صحفية كبيرة ومهمة ابدعت في المجالين الأدبي والصحافي، ممن ذكرت وآخرين لا يسعني ذكرهم، في الواقع لا يجب أن نُعير أي اهتمام لمثل هذه الأقاويل المخطوءة." الصحفية والكاتبة ارادة الجبوري، علقت على تلك الاقاويل بامتعاض، وأشارت قائلة " يُمكن أن نقول بعض الشعراء لم يجيدوا استخدام الأدوات الصحفية وخلطوا بين الشاعرية والصحافة، لكن أن نشمل الجميع، والأدباء فهذا شيء بعيد تماماً عن الواقع".
إن المطلع على المشهد الصحفي العراقي وأهم الاسماء في ومنهم كتاب التحقيقات سيجد في هذه التقولات شيء من التجني ومجانبة الواقع، ويذكر القاص والروائي ورئيس تحرير مجلة الاقلام، ورئيس تحرير مجلتي والمزمار، عبد الستار البيضاني " لو عملنا جرداً لأشهر كتّاب التحقيقات في تلك الفترة وخاصة الثمانينات والتسعينيات، سنجد في المقدمة منهم حسن العاني والمرحوم محمد شاكر السبع وميسلون هادي وعبدالحسين الغراوي وعبدالرضا الحميد..وغيرهم الكثير، وكل هؤلاء كتاب رواية وقصة وافلحوا في احتلال صدارة المشهد الصحافي أيضاً".
ومن خلال تجربته كقاص وروائي وصحفي أيضاً، يذكر لنا البيضاني "أن تأريخ الصحافة يضم اسماء ادبية كبيرة ساهمت في نشوء وتأسيس الصحافة العراقية والعربية وبخاصة في مجال التقارير والتحقيقات، لأن هذا الجنس من الصحافة يتطلب مخيلة ولغة سردية تتوفر لدى كتاب السرد"، " لكن" هذه الكلمة التي استوقفت البيضاني ليقول "في الوقت نفسه هناك ايضاً عشرات الأسماء التي جاءت الى الصحافة من الأدب اخفقت في أن تكرس نفسها صحفياً، ولكونه يكتب رواية أو مقالات يستصغر الخبر والتحقيق لكنه في الحقيقة هو غير قادر على ذلك، فالروائي والأديب مهما بلغ مستواه الادبي لايمكن أن ينجح في الصحافة بدون امتلاكه حساً صحفياً".
على الجانب الشخصي يجد البيضاني أنه لاقى قبولاً من خلال التحقيقات التي كتبها في مجلة (الف باء)، اضافة الى ما كتبه عن "55" مدينة عراقية كان لها صدى طيب حتّى هذه اللحظة.
ويشير أيضاً "الى التحقيقات التي كتبتها للصحافة العربية ومنها جريدة الاتحاد الإماراتية وجريدة ارأي الاردنية، هذه التحقيقات واستمراريتي بها وسعة انتشارها تؤكد أن هذه التقولات عن الصحفي الأديب فيه تجنٍ".
ويشير البيضاني قائلاً " لقد عانيت صعوبة في اقناع بعض العقليات المنغلقة في التحرير وقد حجبت بعض هذه التحقيقات، لكنها لاحقاً فرضت نفسها واصبحت واحدة من ملامح مجلة الف باء، و كل هذا لأنني كنت اكتب التحقيق الصحفي بنفس قصصي، وكنت قبل الكتابة مثل ما أتهيأ لكتابة القصة احدد المكان الذي ادخل منه واصفاً الشخصيات التي اجعل منها مفتاحاً للمعلومات لكن ليس بطريقة السؤال والجواب".