TOP

جريدة المدى > عام > نشرت فـي المدى..شعريّة الرفض في قصيدة.. "فائض الضيم" لموفق محمد

نشرت فـي المدى..شعريّة الرفض في قصيدة.. "فائض الضيم" لموفق محمد

نشر في: 5 يونيو, 2017: 12:01 ص

يصر الشاعر موفق محمد عن اعلانه واصراره في كتابة مواقفه الصريحة واسئلته الرافضة للواقع، تلك الأسئلة التي جعلت من النص بياناً شعرياً هائماً في وجدان الآخر / المتلقي بوصفه جزءاً من لعبة القصيدة التي يركز عليها في كل تجاربه ، ولعلني استفيض من نتاج موفق م

يصر الشاعر موفق محمد عن اعلانه واصراره في كتابة مواقفه الصريحة واسئلته الرافضة للواقع، تلك الأسئلة التي جعلت من النص بياناً شعرياً هائماً في وجدان الآخر / المتلقي بوصفه جزءاً من لعبة القصيدة التي يركز عليها في كل تجاربه ، ولعلني استفيض من نتاج موفق محمد ما يجعلني اصغي لقراءة نصه أو سماعه، تلك الأثارة الكبيرة في جعل القصيدة تكشف عن اعلانها الواضح والجريء في جعله سفيراً للأنسان العراقي الراهن من خلال اشهاره الواضح في التعبير عن ملامح الألم الذي يمسكه ويصدح به ، معلناً عن فعل الأفصاح وسؤال الرفض ودلالة الأخذ بحقيقة الواقع المملوء والمحتشد بالاضطراب..

في قصيدته (فائض  الضيم) المنشورة في ثقافية المدى،(الأثنين 15/آيار/2017/ ع: 3923)، يمضي موفق محمد في مشروعه الشعري على درجة عالية من فتح شفرة (التابو) القامعة في عوالمنا والمعششة في عقول الكثير، وكسر ايهام الواقع وتراتبية الأزمات ، تلك التي عبرت عن مفهوم القرار الوجودي بالرفض، واخذت من الواقع خطاباً مصيرياً خطيراً، وشكلاً من اشكال الاحتجاج، لا غرابة في ذلك والشاعر يبرهن على حقيقة التصدي التاريخي لهذه المسألة من خلال الأدوات المتاحة في كتابة القصيدة ..
ومثلما فعل الوجوديون في تكريس ظاهرة الرفض والتمرد والأخذ بتفاصيلها على انها تشكل خطاباً راكزاً في قضيتهم، والتي جعلت من (البير كامو) واحداً من أهم منظيرها، فعل موفق محمد في جعل النص الشعري وثيقة احتجاج رافضة، وكأنه سمع (كامو) حين طرح تساؤلاً (من هو الأنسان المتمرد..؟) ، عاد ليجيب عليه (هو من يصرخ)، لا ضير في أن يمسك الشاعر عبر رؤيا كونية سؤاله الكبير عن جذور الأزمة التي تلامس هواجس واحاسيس إنساننا المعاصر وهو يتلذذ في كل يوم جحيمه ..
قصيدة (فائض الضيم)، تستمد ثيماتها من ثنائية صريحة، ثنائية الحوار مع المهدى اليه (جواد الحطاب ../ الشاعر الذي يعلن عن رفضه المستمر من الواقع المأزوم من خلال نصوصه ومواقفه وهويته الوطينة)، ومع المتن ومعناه النصي، لذلك، تستهل القصيدة من خلال حضورها الاستهلالي الأول وطريقة توظيف بنية التناص، لتأخذ سحنتها البنائية من خلال مشهدية واضحة الخطاب :
ما أجمل ايمانكم
وانتم تحرمون لحم الخنزير
وتأكلون لحم أخيكم حياً..
تتفاخرون تقبله سلخاً ودفراً وشيّا..
فعندما تتمحور القضية الكبرى في واقع الأزمة وما بعد الأزمة، يتوارى صوت الشاعر من خلال موقفه العام، لكشف العبث، والوقوف عند محطات حساسة جداً، فمن هم (الذين يحرمون لحم الخزير ويأكلون لحم أخيهم ..؟.. ).. تعبير رمزي بائن الدلالة، يستدعينا الى استحضار ماكتبه في نصوصه السابقة، فهي تتناظر في فضائها القصدي، وتتجدد فنياً في طريقة الكتابة والبناء الشعري، ثمّة انساق مسكوت عنها في شعرية الشاعر، اهمها (استدعاء المقدس) واعادة قراءته ، فبقدر ما يحمله (المقدس) من لغة متعالية وبتجليات هائمة في عوالم ميتافيزيقية، بقدر ما تدنس باداءات مطبقيها من رجالات قلبوا المعادلة ، لذا نقرأ :
مازال العراق، وبفضل أحزابه التي تخاف ((الحي القيوم)) كثيراً..
صاحب اكبر مخزون ضيمي في العالم
العراقي معصوب اليدين .. ومن سيارة الى أخرى
تخطفه الحكومات التي سالت على البلد ذئاباً ..
وتماهياً مع المعنى، وانطلاقاً من مبدأ الرفض الذي اشرنا اليه ، فهو رفضٌ ومواجهةٌ وكشفٌ، ولعل سلطة القصيدة أحكمت بلاغتها لـ(العراق الذي تحكمه السلطة)، العراق المشحون بجراثيم (الأحزاب)، (المعصوب اليدين) ..(الذي تخطفه الحكومات).. كلّها شحنات رافضة لسؤال كوني يكرره الشاعر موفق محمد كثيراً، وكأنه يقول (أأأأأأأأأأأأأأأأأين العراق ..؟..).
وانطلاقاً من مبدأ الرفض، فإن سلطة القصيدة تخضع لسطة المتلقي، إن لم نقل انها جزء من لعبة الشاعر ان يضع الآخر ضمن معادلته العامة، لأن احدى مهام شعر موفق محمد، هو الأصغاء ، ليبرهن تأثير النص وهضمه عند السامع، وهذا ما جعله واحداً من أهم شعراء العراق في تكريس خطابه الثقافي / شعرياً/ اجتماعياً .. وتنطوي تجربته على مضمون ناقد للواقع المأزوم ، ومن هنا يصبح النص الشعري كاشفاً لرؤية سوسيو ثقافية، وسوسيو سياسية ضمن معيار واحد ..
في قصيدة (فائض الضيم ) ثمّة ما يثير الأنتباه للسؤال الكبير الذي قرأناه في المقطع :
فعمّ تتقاتلون ..
والحكومات الوطنية تستورد الملايين من القبور الجاهزة
وبأسعار واطئة الكلفة لا تكسر ظهر الميت ..
هنا استنهاض عقلي، واستحضار كلّي للوعي الجمعي، تستفيض من خلاله قصدية القصيدة للجملة الأستفهامية (عمّ)..؟.. لأنها تنحدر من اداءات أريد لها فعل الأنفصال عن بؤرة القرار الوجودي /العقلي / الإنساني، بمعنى انك تمارس اداءات (غيبية) ، ومن وفّر لك كل ذلك جهزت قبرك بيدها، لا أعرف الى اي مدى يمكن ادراك هذه اللعبة وهي مكشوفة في كل وسائل (الميديا) ../ ميديا المشهد اليومي ../ ميديا النص وشاعره ../ ميديا الصورة المرئية ..؟
وأحياناً نشعر أن الشاعر يكشف عن لغة تصويرية، وكأن القصيدة هي أداة كشف وانعكاس تراجيدي لما نعيشه يومياً، ومع شدّة الانفعال والاحساس العميق بالمواقف المسرودة شعرياً، تظهر مشهديات شعرية نحسب انها من ممارساتنا وسلوكياتنا واداءاتنا الحياتية /اليومية، حتى أن الشعور بها يعد ورقة ابانة واضحة :
يا أمّ الى أين في هذا اللّيل الدامي الذي تنزّ الظلمة من جراحه ..
وتنوح النايات في نجومه ..
الى أين يا أمّ ..؟
ها أنا أزحف وحيداً مطمئناً الى مقبرة السلام .
تكشف هذه الارتسامة الأخيرة في نهاية القصيدة عن عتبة نصية مهمة من عتبات الرفض، تلك التي تعطي حقيقة القرار ازاء ما تعكسه نتائج الواقع بكل فضاءاته وتحولاته وقراراته، فلم يكن (اللّيل الدامي) و (نواح النايات) و(الزحف الى مقبرة السلام)، سوى مشهد عراقي بامتياز، ولم يكن المشهد هذا الاّ نصاً جديداً للشاعر الكبير موفق محمد، سيكتبه لاحقاً في ظل التحولات التي نعيشها داخل جغرافيا الألم اليومي، هو فائض ضيمه ( ذاته..).

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

رولز رويس أم تِسْلا؟

جُبنة ألسخوت(*)

موسيقى الاحد:أريش فولفغانغ كورنغولد

صورة سيفو في مرآة الوهايبي

نادي السرد في اتحاد الأدباء يحتفي بالقاص حميد الزاملي

مقالات ذات صلة

"لِوِيسْ بَاراغَانْ"" src="https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2025/02/5852-7-2.jpg">
عام

"مُخْتَارَات": <اَلْعِمَارَةُ عِنْدَ "اَلْآخَرِ": تَصْمِيمًا وَتَعْبِيرًا > "لِوِيسْ بَاراغَانْ"

د. خالد السلطاني معمار وأكاديمي هل بمقدور نوعية <ناتج معماري> محدد أن يؤسس لسمعة معمارية عالمية؟ وهل بوسع <مفردات> معمارية بسيطة ومتواضعة.. ومحتشمة ان تكرس مثل ذلك التمجيد وتضفي ثناءً ومديحاً لمعمارها المصمم؟ وهل...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram