محظوظة تلك الأمة التي تغتني بذاكرة ثرية متنوعة في مختلف أجناس وألوان الإبداع الإنساني، ذلك أن أيّ أمة تستمد قوة ديمومتها على مقدار ما تحفل ذاكرتها بتلك المنجزات الإنسانية على مختلف الصعد، وكذلك فإن الأمم تكن تقديراً وتوقيراً لهذه الأمة التي انحدر من
محظوظة تلك الأمة التي تغتني بذاكرة ثرية متنوعة في مختلف أجناس وألوان الإبداع الإنساني، ذلك أن أيّ أمة تستمد قوة ديمومتها على مقدار ما تحفل ذاكرتها بتلك المنجزات الإنسانية على مختلف الصعد، وكذلك فإن الأمم تكن تقديراً وتوقيراً لهذه الأمة التي انحدر من سلالتها أولئك الذين قدموا خدمات جليلة للبشرية.
للأمة الكردية ذاكرة خصبة عبر مختلف أحقاب ومراحل التاريخ الإنساني، وقد قدّمت للبشرية منجزات هائلة في شتى ميادين العبقرية والنبوغ . لكن كما هو الحال بالنسبة لتعرض التراث الكردي للسطو والنهب لأنه عُد تُراثاً لشعب بلا وطن، وبالتالي استبيح هذا التراث، وتم ضمه إلى تراث شعوب وأمم أخرى، ولم يكتف هؤلاء بذلك فقط، بل غدا السطو يطال حتى قومية الشخصيات الكردية التي بطبيعة الحال اضطرت للعيش في الشتات كنتيجة حتمية لشعب بلا وطن، وبالتالي بقيت أمام أن تطفئ إمكاناتها، أو تبدع من خلال اللغة التي ترعرعت فيها، أو أن تعمل في المجال الديني الذي نشأت فيه.
ربما أكثر ما يتوقف المرء عنده بذهول هو تجاهل هذه المسألة البالغة الأهمية، فترى ذكرى مرور هؤلاء الذين يشكلون الذاكرة الكردية تمر مرور الكرام، وقد تجد سطرين في جريدة أو مجلة تقول إنه حدث ذلك في مثل هذا اليوم، في الوقت الذي قد تقام احتفالات ثقافية وطنية كبرى بهذه المناسبة لهؤلاء الأعلام الكرد في أماكن أخرى فقط لأن هؤلاء عاشوا في تلك البلدان، أو أنهم قضوا ردحاً من الزمن في بعض تلك الديار، أو كتبوا بلغة تلك البلاد، أو حتى يُنظر للأمر من منطلق ديني، أو إيديولوجي.
كثير من المناسبات التي تمر دون أن يلتفت أحد إليها وكأن الكرد أمة بلا ذاكرة، ولأن الشيء بالشيء يُذكر، فعندما تقدمت إحدى المؤسسات الكويتية لشراء بيت عباس محمود العقاد وتحويله إلى متحف، آنذاك رفض جمال عبد الناصر ذلك وسجل موقفاً تاريخياً عندما قال : العقاد لنا ونحن أولى به .
بطبيعة الحال فإنني أتمنى لو تقدم زعيم كردي (سواء أكان زعيماً سياسياً أو زعيماً اقتصادياً) ولو بطلب شكلي لشيء كهذا ويقول : العقاد لنا ونحن أولى به.
أو يقام تمثال للعقاد، أو الاحتفاء به، وهذا يأتي إلى أمير الشعراء أحمد شوقي وما إلى ذلك من أسماء تغتني بها الذاكرة الكردية ليس الهدف هنا تعدادها .
وبطبيعة الحال، فليس هؤلاء هم الذين يحتاجون إلى الاحتفاء بهم، لأنه يُحتَفى بهم في أماكن عديدة، ولكن المجتمعات الكردية هي التي تحتاج إلى إقامة مثل هذا الاحتفاء، لأن هذه القامات الثقافية الكبرى هي التي تشكّل معالم أيّ قومية تنتمي إليها.
إنه الخوف، كل الخوف، إنه القلق، كل القلق على فقر المواقف الثقافية التي تكاد تقتصر على مناسبة ثقافية فقيرة لا أحد يسمع به، كما لو أنها من باب الروتين، ولرفع العتب، وعلى هذا النحو، تهجر الطيور الثقافية الكردية أعشاشها.