TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > المفتاح الذي فقدناه في العتمة - غياب الفكر المبدع

المفتاح الذي فقدناه في العتمة - غياب الفكر المبدع

نشر في: 3 نوفمبر, 2012: 04:44 م

كم هو الفارق بين الفكرة المبدعة والفكرة التي  تتخذ من السهولة والاستخفاف بالعقل وسيلة لتطبيقها مشهرة غباءها على الملأ؟ ففي التصريحات وبعض المقالات والحوارات الفنية والسياسية  تغيب الفكرة المبدعة  واللغة المتماسكة  ونسمع سيلا من الخطاب الممل والتبجح  بالمنجز والتباهي الأجوف والكلام  العام  الذي لا يؤدي إلى معنى ولا يمنح رؤية  للمتلقي بل يحيله إلى  عماء ضارب  وعبارات مبهمة ..
لدينا في ثقافتنا الشعبية  كنوز من الأمثال التي تشخص  مثل هذه الحالات وهناك  مثل بليغ يقول (يثرد بصف اللكن أو الماعون) يصف حال الأشخاص الذين يوهمون أنفسهم - قبل غيرهم - بأنهم أعلم الكائنات وعندما يدلون برأي يجانبون الصواب بل يؤدي رأيهم إلى الضد تماما مما يجري النقاش حوله لقصور في الفهم  وافتقار إلى الدقة والعمق المعرفي والفكرة المبدعة ونرى تنطعا وعدم احترام واضح لعقلية المقابل، ويحدث هذا غالبا في الحوار مع أغلب السياسيين الذين يشرقون ويغربون في آرائهم السقيمة ولا يقتربون من جوهر موضوع الحوار أو حتى ما يجاوره ولا يقتصر الأمر على الحوارات والمقابلات  بل إن معظم تصريحات المتحدثين الرسميين  ينطبق عليها المثل العراقي البليغ، فنجدهم (يثردون) على مبعدة يومين من القضية لغياب البعد الثقافي والبعد المعرفي، ويكشف هؤلاء الطارئون على السياسة والتعليم والفن والثقافة عن غياب كلي لمفهوم الإبداع في الفكر والأداء والقول.
  وترد حكاية من تراث الشعوب عن أمثال هؤلاء وان كان مثلنا العراقي الشعبي أبلغ تعبيرا وإيجازا منها، تقول الحكاية: "فقد  رجل مفتاحه ليلا، فذهب للبحث عنه تحت مصباح  الشارع، ومر شرطي  وسأله: هل أنت بحاجة للمساعدة؟ قال الرجل شكرا لقد أضعت مفتاحي وها أنا ابحث عنه، فيقوم الشرطي بالبحث معه  عن المفتاح دون جدوى، وبعد برهة يسأل الشرطي الرجل: هل أنت متأكد بأنك   أضعت مفتاحك هنا  في هذا المكان تحديدا؟ فيقول الرجل حائرا: أوه، لا  يا سيدي لقد فقدته هناك ولكن النور هنا أفضل من تلك البقعة التي فقدت فيها المفتاح!
 تشير هذه الحكاية إلى تفضيل الكثيرين للطرق الأسهل التي يتخذونها لبلوغ  مقاصدهم حتى لو كان هذا السبيل يؤدي إلى نتائج  خاطئة تماما وذلك لافتقارهم  إلى الفكر الإبداعي والتوجه الصحيح في الحياة إضافة إلى تجاهلهم لذكاء الآخرين المحيطين بهم، وكذلك  يفعل  هواة الثراء  العاجل وهم يمتطون  السياسة  لبلوغ مقاصدهم  الشخصية بطريقة الرجل الذي أضاع المفتاح  فعندما تصبح  السياسة والترشيح للبرلمان ومجالس المحافظات متاحا على أساس  المحاصصة -  وليس الكفاءة يتقدم كل طامع بالمكانة والثراء  من المحرومين  ومزوري الشهادات ومعدومي  الإبداع الذين  لم يعرف لهم دور أو موقف  بارز في  أي مجال من مجالات الخدمة العامة أو الإسهام  في  تأسيس  فكري أو علمي أو ثقافي مشهود   ويبدأ التنافس على  التظاهر بالتقوى  الزائفة والتحجب أو إطلاق  اللحى  ومع  المنافسة  القائمة على انعدام المسؤولية أمام المواطن - تبدأ مهزلة إصدار القوانين التي تخدم هذه الفئة الطفيلية وحدها وتعزز ثراءها ومكاسبها مع إغفال مصلحة المجتمع.
 يفتقر أمثال هؤلاء إلى المخيلة  التي تمول  الفكر الإبداعي   وهم  مع  قناعاتهم البائسة  عن  قدراتهم يعتقدون أن الدعم  الحزبي والطائفي لهم  هو الركيزة الأساسية للبقاء في مواقعهم دون مسعى  لتطوير الشخصية، ويساند الفساد  الجائح  في البلاد على الترويج لقيم التخلف والجهل مقابل مشكلات الفقر والتعليم والصحة والهزال السياسي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

برلماني: لا نعلم شيئاً عن موازنة 2025 حتى الآن

وزارة الكهرباء: ايران مددت فترة الصيانة اسبوعين وهذا أفقدنا اكثر من 8 آلاف ميغا وات

صحيفة عبرية: "إسرائيل" وأميركا يخشوّن أنصار الله كونها جهة يصعب التغلب عليها

الأنواء تحذر من رياح عالية في العراق

مقتل إعلامية لبنانية أمام المحكمة

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: محاكم تفتيش نقابة المحاميين

العمود الثامن: كلمات إماراتية واطلالة عراقية

العمود الثامن: محبة المسيحيين

العمود الثامن: السخرية على الطريقة العراقية

التأثير السياسي التركي في سوريا بعد سقوط الأسد: الأهداف والاستراتيجيات

العمود الثامن: في الولاء الوطني

 علي حسين يعتقد العديد من مسؤولينا أن بلاد الرافدين التي يحكمونها الآن كانت تعيش في عصور الجاهلية، وقد قيض الله لها رجالا ليعيدوها إلى طريق الصواب، ولهذا ليس مهما توفير التنمية والازدهار والتعليم...
علي حسين

كلاكيت: المخرجون عندما يقعون في غرام الأدب

 علاء المفرجي 5 -لوليتا رواية للكاتب الأمريكي من أصل روسي فلاديمير نابوكوف، نُشرت في عام 1955 في باريس، فبطل الرواية همبرت همبرت هو أستاذ أدب في منتصف العمر مريض بشهوة المراهقين، يرتبط بعلاقة...
علاء المفرجي

النُّصيريَّة.. مِن سامراء إلى قرداحة

رشيد الخيون تُنشئ السّياسة المذاهب عند اقترانها بالدِّين، لكنْ بتعاقب الزَّمن، تنسحب وتبقى العقيدة الدّينيَّة خالصة، وبين حين وآخر يُستغل المذهب مِن قبل السَّاسة المنتمين إليه، هذا ما حصل مع النُّصيريَّة بسوريّة، فقد نشأت...
رشيد الخيون

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

محمد الربيعي* (الحلقة 11)التجربة الامريكيةفي قلب النظام التعليمي الامريكي، تكمن فكرة اللامركزية، حيث تتنحى الحكومة الفيدرالية جانبا لتفسح المجال امام الولايات والحكومات المحلية لتولي زمام الامور. هذا يعني ان كل ولاية، بل كل منطقة...
د. محمد الربيعي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram