تواصل المدى نشر الأعمدة الثقافية، والتي سبق وأن أرسلها الفنان الرائد الراحل سامي عبد الحميد إلى المدى، بغية النشر. والمدى إذ تنشر هذه الأعمدة تؤكد الحضور الثقافي الفاعل الذي كان يميز فناننا الكبير.
سامي عبد الحميد
قبل سنوات أطلق المخرج المسرحي العراقي صلاح القصب مصطلح (مسرح الصورة) واصفاً به المسرحيات التي أخرجها لطلبة كلية الفنون الجميلة أولاً ولأعضاء الفرقة القومية للتمثيل بعد ذلك . وحاول (القصب) أن يطبق مصطلحه ذاك على جميع المسرحيات التي أخرجها سواء كانت لمؤلفين مسرحيين معروفين مثل (شكسبير) و(جيكوف) أو لغيرهم. بعد حين أصدر (القصب) بيانات عن مسرحه نشرت في كتاب معنون (مسرح الصورة بين النظرية والتطبيق) ولم يوضح فيها مفهومه لهذا النوع من المسرح وكأن هناك مسرحاً بلا صورة مع أن من البديهيات أن تكون الصورة المكون الأساس للعرض المسرحي وإذا خلا هذا العرض أو ذاك من الصورة فأنه يتحول إلى جنس فني آخر يمكن أن يكون دراما إذاعية تعتمد في بثها على الصوت فقط.
في الآونة الأخيرة صدرت بحوث علمية لنيل درجة الماجستير والدكتوراه تتعرض لأعمال (صلاح القصب) وانتسابها الى مسرح الصورة وكان لزاماً علي وقد أشرفت على إحدى تلك البحوث أن اتأكد من المصطلح وماهيته ومرجعياته فرحت أبحث في المعاجم المختصة في الفن المسرحي وأخص بالذكر منها أولاً (دليل اوكسفورد للمسرح وفنون الأداء) باللغة الإنكليزية، و(المعجم المسرحي) لماري إلياس ونجاه قصاب حسن الصادر من دار ناشرون في بيروت. و(معجم المصطلحات الدرامية والمسرحية) للدكتور إبراهيم حمادة والصادر من دار الشعب المصرية، و(قاموس المسرح) للدكتوره فاطمة موسى محمود والصادر من الهيئة المصرية للكتاب، و(معجم مصطلحات المسرح والدراما) لمحمود محمد كحيله والصادر من دار هلا للنشر والتوزيع بمصر، فلم أجد في تلك المعاجم كلها إشارة الى ما سماه (القصب) (مسرح الصورة) وهذا أمر بديهي حيث لا مسرح بدون صورة . إذن من أين جاء (القصب) بهذا المصطلح ولماذا؟ يبدو لي أن (القصب) قد أراد أن يتميز عن غيره من المخرجين العراقيين فابتدع هذا المصطلح ونسبه الى المسرحيات التي أخرجها. وعندما تسنى لي دراسة أسلوب معالجته للمسرحيات التي يخرجها ظهر لي : أولاً أن (القصب) لم يستطع الاستغناء عن الصوت أو الكلمة لتكون عنصراً اساسياً في العرض المسرحي بمعنى أن تكون الصورة بديلاً عن الصوت بل أنه فقط راح يحذف من نصوص المؤلفين المسرحيين المشهودين ما شاء له أن يحذف من كلام ومن شخوص ولا يبقي من تلك النصوص إلا النذر اليسير بأدعاء كونه يقرأ النص قراءة جديدة. وتبين لي أيضاً (أن مسرح صلاح القصب يتجه نحو مخالفة المألوف بمبررات منطقية أم بدونها، فهو مثلاً يفترض بيئة لعرضه المسرحي وأهدافه تختلف تماماً عن البيئة التي افترضها مؤلف النص أن يقدم عرضاً لمسرحية شكسبير (ماكبث) في حديقة بدلاً من قلعة قديمة، أو أن يستخدم علبة كبريت (شخاطة) بدلاً من استخدامه تابوتاً في مسرحية بريخت (محاكمة لوكولوس). واكتشفت بعد حين أن اللا مألوف والغرائبية التي يستخدمها (القصب) في إخراجه انما تقترب من تقنيات التيار السوريالي في الفن حيث التشويه والتناقض والمبالغة والتي هي من إفرازات لا وعي الإنسان، واعتقد أن ذلك هو الذي دعاه الى تسمية مسرحه (مسرح صورة) لأن لا وعي الإنسان يفرز مثل تلك الظواهر الغريبة وأحياناً لا تقبل التصديق.