TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الوظيفة ومعادلة الإنتاج

الوظيفة ومعادلة الإنتاج

نشر في: 12 يونيو, 2024: 01:35 ص

علي لفتة سعيد

لا يبدو العمل بالنسبة إلّا أنه يجلب المال، سواء كان في القطّاع الخاص أو العام الحكومي، كما نطلق عليه. ولهذا فإن المردود الاقتصادي بالنسبة للموظّف أو العامل، لا يكون باتجاه إنجاز العمل، بل من خلال انتظار المردود المادي أو الراتب، وهو الأمر الذي جعل الوظيفة وعاءً كبيرًا لاستنزاف الأموال، مقابل توظيف لا يخلق معادلًا موضوعيًا لزيادة الإنتاج. حنى إن الوزارات أو الحكومة المركزية والمحلية، تعلن عن توفير فرص عملٍ لا توفير فرص إنتاج، لأن الموضوعة يجب أن تكون متكاملةً، حين يكون هناك توظيف لابد أن يكون هناك إنتاج. وإلّا لأصبح التوظيف عبئًا على الدولة جميعها، لأنها لن تستطيع مواكبة الظاهرة الإنتاجية وتفعيلها، بقدر ما تهتم بظاهرة التنظيم الوظيفي والتعفيل الإداري للغياب والحضور والحسابات واستلام الأجر الوظيفي.
إن هذه المعادلة التي أصبحت هي الفكر السائد والثقافة المنتشرة، من أن الوظيفة هي من أجل تحقيق الهدف المادي، وهو أمر صحيح للفرد، لكنه غير صحيحٍ بالنسبة للدولة، التي عليها أن توزّع الأعداد بما تحتاجه الدوائر، ولا تجعل هناك تخمة (بعدد الموظفين) في دوائر محدّدة، مقابل شحة في دوائر أخرى، وهو ما يعني أن هذه الدوائر فيها رواتب أعلى من الأخرى. فلا أحد مثلًا يتمنى الحصول على وظيفة في وزارات التربية والصحة على سبيل المثال، في حين يسعى الجميع الى الحصول على وظيفةٍ في وزارات النفط والكهرباء والتعليم العالي والهيئة المستقلة للانتخابات على سبيل المثال أيضا.
إن ثقافة الوظيفة مقابل الإنتاج، أدّت الى تراجع الإنتاج الوظيفي، وبالتالي تراجع الإنتاجي الكلّي للدولة، حتى قيل إن معدّل عمل الموظّف العراقي لا يتعدى ربع ساعة في اليوم، مع الاعتراف بوجود دوائر تعمل بشكلٍ مستمرٍ لكنها قليلة، قبالة الدوائر التي تعيش تخمة الموظفين بلا إنتاج، وبالإمكان رؤية الأمر في نهاية الدوام، حين يخرج الموظّفون من دوائرهم ليرى المراقب الأعداد الكبيرة من الموظّفين الذين تركوا معاملات المواطنين مكدّسةً على مناضدهم، إن لم يكن في (دواليب) الغرف، حيث لا يتم متابعتها إلّا بعد مراجعة صاحب المعاملة ذاتها.
إن هذا الأمر ينعكس أيضا على القطّاع الخاص، حيث نرى أن الأغلب الأعم تفضّل الأيدي العاملة الأجنبية على الأيدي العاملة العراقية، لأن الأجنبي (الآسيوي تحديدا) أكثر طاعةً لربّ العمل، وأكثر لإنتاجية، وأكثر التزامًا في أوقات الدوام والالتزام بالوظيفة بشقّيها الإنتاجي والمالي. لأن العامل العراقي لا يفكّر إلّا بقضاء ساعات العمل، والعودة إلى المنزل، وليس بزيادة الإنتاج، لكي يحصل على المردود المادّي، وبالإمكان رؤية الأمر من خلال الدخول إلى أيّ مشروعٍ حيث ستجد العامل العراقي يحاول قضم الوقت بأية طريقةٍ حتى لو كان اللعب بجهاز الهاتف، فيما العامل الأجنبي يعمل ويواصل العمل، بل الكثير منهم يعمل حارسًا في ذات الموقع لقاء الحصول على سكنٍ مجاني.
إن ثقافة العمل التي أصبحت شائعةً هي الحصول على الوظيفة، دون أن تفكّر الجهات المسؤولة في كيفية استثمار العمل الوظيفي بزيادة الإنتاج، سواء في الأماكن التي تعنى بالإنتاج الفعلي للمنتجات المختلفة، أو الدوائر التي تقدّم خدمات (إدارية) للموظفين. وقد حان الوقت من أجل التحوّل من توفير فرص لأيدٍ عاملةٍ، إلى تزفير فرصٍ لزيادة الإنتاج، وهو الأمر الذي يعني الحاجة الى تعييناتٍ من أجل تحقيق الهدف.
إن هذه الثقافة ستجعل الدوائر الحكومة عبارة، عن أماكن لزيادة العبء، على الاقتصاد العرافي من جهة والاسمرار في قلّة الإنتاج لوجود الاتكالية أيضا، وقلّة همّة الموظّف العراقي، وغياب الروح الفاعلة التي تعني الإنتاج الفعلي. مثلما يولد الاستمرار بعدم وجود فرص عمل للأيدي العاملة العراقية وتفضيل العمالة الاجنبية.
إن السبيل لتحقيق أهداف العمل، هو في السعي إلى زيادة الوعي للموظّف العراقي وتحفيزه إن العمل ليس للأجر فحسيب، بل لتقديم الخدمات، مع التركيز على جهات سياسية ودينية لزيادة هذا الوعي، وكذلك التوزيع المخطّط له لأماكن التوظيف الإنتاجي، والمساواة في توزيع الرواتب، مع وجود حوافز للعمل الذي يعطي إنتاجية أكبر. لأن عين الموظّف تراقب رواتب الدوائر الأخرى التي تمنح مخصّصات أكثر من دائرته، كما هي في دوائر وزارة الصحة مثلا، التي تعمل في كلّ الظروف حتى في العطل الرسمية والاضطرارية والطارئة، لكن رواتبهم لا تأتي بمخصصات كما في الدوائر الأخرى، التي تتمتّع بالعطل لأنها ليست على تماس مباشر مع المواطن.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: ماذا يريد سعد المدرس؟

العمودالثامن: الخوف على الكرسي

العمودالثامن: قضاء .. وقدر

العمودالثامن: لماذا يطاردون رحيم أبو رغيف

لماذا دعمت واشنطن انقلابات فاشية ضد مصدق وعبد الكريم قاسم؟

العمودالثامن: أين لائحة المحتوى الهابط؟

 علي حسين لم يتردد الشيخ أو يتلعثم وهو يقول بصوت عال وواضح " تعرفون أن معظم اللواتي شاركن في تظاهرات تشرين فاسدات " ثم نظر إلى الكاميرا وتوهم أن هناك جمهوراً يجلس أمامه...
علي حسين

كلاكيت: رحل ايرل جونز وبقي صوته!

 علاء المفرجي الجميع يتذكره باستحضار صوته الجهير المميز، الذي أضفى من خلاله القوة على جميع أدواره، وأستخدمه بشكل مبدع لـ "دارث فيدر" في فيلم "حرب النجوم"، و "موفاسا" في فيلم "الأسد الملك"، مثلما...
علاء المفرجي

الواردات غير النفطية… درعنا الستراتيجي

ثامر الهيمص نضع ايدينا على قلوبنا يوميا خوف يصل لحد الهلع، نتيجة مراقبتنا الدؤوبة لبورصة النفط، التي لا يحددها عرض وطلب اعتيادي، ولذلك ومن خلال اوبك بلص نستلم اشعارات السعر للبرميل والكمية المعدة للتصدير....
ثامر الهيمص

بالنُّفوذ.. تغدو قُلامَةُ الظِّفْر عنقاءَ!

رشيد الخيون يعيش أبناء الرّافدين، اللذان بدأ العد التّنازلي لجفافهما، عصرٍاً حالكاً، الجفاف ليس مِن الماء، إنما مِن كلِّ ما تعلق بنعمة الماء، ولهذه النعمة قيل في أهل العِراق: "هم أهل العقول الصّحيحة والشّهوات...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram