TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الـ (المدى).. أيقونة الصحافة العراقية

الـ (المدى).. أيقونة الصحافة العراقية

نشر في: 5 أغسطس, 2024: 12:02 ص

د.قاسم حسين صالح

اوجع مفارقة بتاريخ العراقيين هي تلك التي حصلت في التاسع من نيسان 2003،ففيه كانوا قد حلموا بالافراح بنهاية الطغيان، فاذا به يتحول الى بوابة للفواجع والأحزان.فللمرة الأولى في تاريخهم يفرح العراقيون بالقضاء على حاكم دمّر وطنهم وأذلّهم وقتل أبناءهم في حروب حمقاء وفي سجون مظلمة وفي الشوارع بوضح النهار وكان هو الحاكم العراقي الوحيد في تاريخ العراق الذي سجل أعلى الأرقام في ترمّيل النساء وتيتيم ألأطفال وفي جعل المهندسين خريجي الجامعات يبيعون (اللبلبي)في الشتاء و(الموطه) في الصيف في صنعاء وعمان وهم أبناء أغنى بلد في العالم!.
وبعد حين ادرك العراقيون ان اميركا اسقطت دولة وليس نظاما كما ادعت، واكتشفوا انهم جاءوا بمن يضع مصالحهم الشخصية ومصالح اميركا فوق مصالح الوطن واهله. والأوجع والأفجع ان من تولى السلطة في (جمهورية 2003) كانوا افضع واشنع من حكام جمهورية الخوف التي سقطت في 9 نيسان. وكان من بين اقبح ما حصل(بعد استفرادهم بالثروة وافقارهم 13 مليون عراقي) انهم وظفوا الحاضر من اجل الماضي واشاعوا اقبح انواع التخلف واسخفها حتى اوصلوا العراقي الى ان يقتل اخاه العراقي لمجرد أن اسمه حيدر او عمر او رزكار! فأشاعوا الخوف بين العراقيين واضطرتهم الى ان يتوزعوا على مرجعيات اجتماعية وقومية ودينية..وعداوات واحتراب راح ضحيتها عشرات ان لم يكن مئات الآلاف!
في هذه المرحلة التي تراجع فيها الفكر العراقي وشاع فيها التفكير الخرافي بأسخف انواعه وظهور ميليشيات كانت تعتبر(التفكير العلماني) كفرا وزندقة، دعيت في اواخر عام 2003 الى حضور تجمع ضم عددا من الصحفيين والمثقفين التقدميين واليساريين ومن كانوا شيوعيين في منطقة البتاوين، بدعوة من الأخ فخري كريم وآخرين، وكان الرأي باتجاه اصدار جريدة تقدمية بهوية عراقية وطنية تعتمد شجاعة قول الحقيقة في القضايا التي تخص الفكر والوطن وبناء نظام ديمقراطي يحترم حرية التعبير..فكانت المدى.. لتثبت عبر مسيرتها العشرينية أنها، وبشهادة كتّاب معروفين..لا تتردد عن قول كلمة الحق، وانها الصوت الذي يحمل هموم ومواجع العراقيين، وانها اعتمدت خطا صحفيا واضحا ترسخ باستقطابها كادرا صحفيا متميزا استطاع ان يضفي عليها بصمة خاصة جعلتها تلبي حاجات القاريء العراقي الذي يبحث عن الحرفية والتنوع.
تجربتي مع المدى
بعد السقوط، شاعت ثقافة القطيع، التي تعني ان الجماهير تلغي تفكيرها وتتصرف بما يأمر به قائد سياسي متعصب..مأزوم او شيخ عشيرة او معمم. وكان المثقفون المتنورون..قلّة، وبينهم من كان يخشى على حياته ويلحق بقائمة الذين قتلهم حولان عقل..متعصبون..دوغماتيون. وكان بينهم من وضع كفنه على راحة يديه وراح يبحث عن وسيلة اعلامية ينتصر فيها للفكر والوطن..فكانت المدى. كنت أنا بين الذين (وضعوا أكفانهم على راحات ايديهم)،فوجدت في (المدى) الشجاعة والجرأة
والمنبر الحر لأشاعة الوعي، فبدأت من عام (2004) بكتابة عمود ساخر بصفحتها الأخيرة.ولأن ذاك العام شكل بداية لتحولات اجتماعية وسيكولوجية جديدة على صعيد الفرد والمجتمع، فأنني عمدت الى تحرير صفحة كاملة فيها بعنوان (الأنسان والمجتمع).
كانت المدى هي الجريدة الوحيدة التي تتمتع بالجرأة في نقد السلطة والظواهر الاجتماعية. اذكر لها موقفا كاد ان يعرضني للتصفية الجسدية.فحين فتحت بريدي الألكتروني(ليلة الأحد) قرأت رسالة كانت بالنص(غدا يظهر لك مقال في المدى..وين تروح منّا دكتور قاسم). وكان الموضوع بعنوان (الزيارات المليونية تحليل سيكوبولتك- موثقة في غوغل)..ما اضطر محرر الصفحة الصديق احمد عبد الحسين ان يكتب موضوعا يندد بالتهديد والتشهير وينتصر لحرية التعبير،وادانة بليغة موثقة من السياسي المخضرم الراحل عزيز الحاج من باريس.
وتبقى ثمة حقيقة..لولا المدى لشعرنا بالأختناق،فالمدى كانت وستبقى الرئة التي يتنفس بها المفكرون والمثقفون والصحفيون الملتزمون بالحقيقة في زمن شاعت فيه ثقافة القبح والتجهيل والتفكير الخرافي..واتهام من يؤمن بالتفكير العلمي بالزندقة والألحاد.ولأنها تمتعت بالمصداقية واستقطبت عقولا نخبوية مثقفة،وطمغت بصمة مهنية مشرقة في تاريخ الصحافة العراقية، وواصلت المسيرة في ظروف معقدة وخطيرة،وصدحت بالحق ايام اخرس كثيرات وكثيرين..ولهذا ستبقى المدى سراج الوعي في ظلمة التخلف.
تهنئة من القلب لأيقونة الصحافة العراقية..العزيزة المدى بعيدها الواحد والعشرين، وتحية لكل العاملين فيها الذين يواصلون التحدي بشجاعة فرسان الكلمة، ويشيعون الأمل بثقة الواثق من ان الشمس ستشرق غدا على عراق بهي يمتلك كل المقومات لأن يعيش اهله بكرامة ورفاهية..وليتها تعمل على اصدار كتاب يوثق للتاريخ والاجيال موضوعات تنتقى وفق معيارين: ان يكون الكاتب قد رافق مسيرة المدى من سنة صدورها، وان تصنف الموضوعات وفقا لأربع مراحل زمنية كل مرحلة.. خمس سنوات. صحيح انها صعبة،ولكنها ليست مستحيلة على ايقونة المدى..الصحفي المخضرم علي حسين.. مع رجاء أخير.. ان لا تنسانا المدى يوم نغادر الدنيا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

القصة الكاملة لـ"العفو العام" من تعريف الإرهابي إلى "تبييض السجون"

الأزمة المالية في كردستان تؤدي إلى تراجع النشاطات الثقافية والفنية

شركات نفط تباشر بالمرحلة الثانية من مشروع تطوير حقل غرب القرنة

سيرك جواد الأسدي تطرح قضايا ساخنة في مسقط

العمود الثامن: بين الخالد والشهرستاني

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: جنرالات الطائفية

العمود الثامن: لماذا لا نثق بهم؟

الصراع على البحر الأحمر من بوابة اليمن "السعيد" 

كيف يمكنناالاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمود الثامن: رئيستهم ورئيسنا !!

العمود الثامن: بين الخالد والشهرستاني

 علي حسين أعرف جيداً أن البعض من الأعزاء يجدون في حديثي عمّا يجري في بلدان العالم نوعاً من البطر لا يهم المواطن المشغول باجتماعات الكتل السياسية التي دائما ما تطابنا بـ " رص...
علي حسين

قناطر: الربيع الأمريكي المُذِل

طالب عبد العزيز هل نحن بانتظار ربيع أمريكي قادم؟ على الرغم من كل ما حدث، وقد يحدث في الشرق الأوسط، نعم، وكم هو مؤسف أن تتحرك دفة التغيير بيد القبطان الأمريكي الحقير، وكم قبيح...
طالب عبد العزيز

تضارب المصالح بين إسرائيل وتركيا في سوريا وعواقبه

د. فالح الحمـــراني كما بات معروفاً، أن وزير الدفاع الإسرائيلي وبنيامين نتنياهو*، خلال لقاء حول موضوع الوجود التركي في سوريا، طرحا مقترحاً لـ"تقسيم سوريا إلى مناطق مقاطعات (الكانتونات)". وذكرت صحيفة إسرائيل هايوم عن خطة...
د. فالح الحمراني

النظام السياسي في العراق بين الخوف من التغيير وسؤال الشرعية

أحمد حسن لفهم حالة القلق التي تخيم على النخبة السياسية في العراق مع كل تغيير داخلي أو إقليمي، لا بد من تحليل عميق يرتكز على أسس واضحة ومنطقية. فالشرعية السياسية، التي تعد الركيزة الأساسية...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram