فيليسيتي لو برنس*
ترجمة : عدوية الهلالي
"اجتماع الإطار التنسيقي لم يكن ساراً على أحد". كانت هذه الكلمات التي قالها أحد المشاركين المجهولين، تعكس الأجواء المتوترة التي طبعت اجتماع 9 أيلول الذي نظمه هادي العامري، رئيس تحالف الفتح. وبعيداً عن الأجواء المتوترة، فإن هذه اللهجة تسلط الضوء على أزمة أعمق، وهي الأشد خطورة منذ الغزو الأميركي للعراق في العام 2003، والتي تعصف حالياً بإطار التنسيق.
بعد أن أمر مقتدى الصدر، بعد فشله في تشكيل حكومة مع السنة والأكراد، بانسحاب أعضاء البرلمان في عام 2022، سمح الفراغ السياسي الذي أعقب ذلك لمحمد شياع السوداني بأن يصبح رئيسًا للوزراء في 13 تشرين الأول 2022، بدعم من شخصيات رئيسية مثل رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي. وكانت حكومة السوداني، التي وافق عليها البرلمان في 27 تشرين الأول 2022، تهدف إلى ضمان وحدة الكتلة الشيعية أمام الطموحات السياسية السنية والكردية، من خلال الجمع بين تحالف الفتح بزعامة هادي العامري، وائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي وحزب الله وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني التابع لعائلة طالباني .
ولكن من هو بالضبط محمد شياع السوداني؟ لقد كان المالكي يعتبره ذات يوم تلميذاً له وداعماً مخلصاً لحكومته، وقد نأى السوداني تدريجياً بنفسه عن معلمه السابق منذ توليه منصبه. وبفضل عدد من التحالفات، لا سيما مع ثلاثة محافظين مؤثرين هم - أسعد العيداني من البصرة، ومحمد المياحي من الكوت، ونصيف الخطابي من كربلاء، الذين انشقوا جميعاً عن إطار التنسيق، يتمتع السوداني الآن بدعم واسع النطاق،ويمتد إلى ما هو أبعد من المعسكر الشيعي ليشمل الفصائل السنية وبعض الأحزاب الكردية. وبينما كان المالكي ينظر إليه في البداية على أنه تكنوقراطي تحت سيطرته، فقد أظهر رئيس الوزراء الحالي أن لديه أجندته السياسية الخاصة، والتي تتماشى مع طموحاته الشخصية أكثر من طموحات قوات التحالف.
ومع اقتراب موعد انتخابات 2025، فإن التحرر التدريجي للسوداني يشكل مصدر قلق كبير للمالكي، الذي يعتبره الآن تهديدًا مباشرًا لنفوذه داخل قوات التحالف. إذن، ما هي عواقب تمرد السوداني الصريح ضد معلمه السابق؟ والأهم من ذلك، ماذا سيحدث لإطار التنسيق، وهو التحالف الذي تم تشكيله في البداية للحفاظ على الوحدة الشيعية وسط الانقسامات الداخلية ومحاولة الصدر التحالف مع الطائفتين السنية والكردية، والتي يُنظر إليها على أنها تضر بوحدة الشيعة؟ فهل سيصمد هذا الإطار أمام الطموحات الشخصية المتنامية التي تلوح في الأفق الانتخابي؟
وفي حين أن سعي السوداني لولاية ثانية يثير تساؤلات حول تماسك التحالف، فإن تأثير فضائح التجسس والفساد واتفاقات بغداد وأنقرة يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار أيضاً، وكلها لها انعكاسات كبيرة على استدامة الإطار في السباق. – حتى انتخابات 2025.ففي 19 آب، تم الكشف عن شبكة من الجواسيس تعمل داخل مكتب رئيس الوزراء، وهي القضية التي أثارت قلق قوات التحالف منذ ذلك الحين. وتحت قيادة محمد جوحي، المستشار المقرب لرئيس الوزراء، تجسست الشبكة على مسؤولين رفيعي المستوى مثل السياسيين والقضاة ونواب البرلمان لأغراض الابتزاز. وأثارت الفضيحة غضب نوري المالكي وقيس الخزعلي، زعيم حركة عصائب أهل الحق، اللذين اتهما السوداني باستغلالهما ويطالبان الآن بإجراء انتخابات مبكرة. ومع ذلك، يبدو أن ظهور هذه الفضيحة قد جاء في الوقت المناسب تمامًا. ولم يتم الكشف عن الأمر إلا بعد أن رفض السوداني اقتراحًا من العديد من الأعضاء المؤثرين والمجهولين في التحالف بعدم الترشح في انتخابات 2025. وفي حين أن الفضيحة تقوض شرعية السوداني وتضعفه، فإنها تسلط الضوء أيضاً على الصراعات المتنامية على السلطة التي تهدد تماسك قوات التحالف على المدى الطويل.
وتفاقم الوضع مع فضيحة “سرقة القرن”، التي شملت اختلاس حوالي 2.5 مليار دولار من الأموال العامة، والتي دبرها رجل الأعمال نور زهير. علاوة على ذلك، تم الكشف في 16 أيلول عن تورط حيدر حنون، رئيس هيئة النزاهة - الذي عينه السوداني لقيادة الحرب ضد الفساد. وبعيداً عن تحويل الأموال في حد ذاته، وهو ما يسلط الضوء على الفساد المنهجي في العراق ويؤدي إلى تآكل الثقة في مؤسسات الدولة، فإن تحدي حنون للسوداني هو الذي يثير المخاوف. ففي وقت سابق من هذا الشهر، وفي مؤتمر عقد في أربيل، أدان حنون علنًا القاضي ضياء جعفر المسؤول عن التحقيق، على الرغم من أمر النشر الصادر عن رئيس الوزراء. ويثير هذا التصرف تساؤلات حول تورط السوداني في الفضيحة، ويزيد من تشويه صورته وصورة حكومته في وقت يسعى فيه لولاية ثانية في منصبه.
وبينما تعمل قضية جوهي و"سرقة القرن" كعوامل داخلية تغذي انعدام الثقة وتكشف الخصومات داخل الإطار التنسيقي، فإن هذه التوترات تتفاقم بسبب عوامل خارجية، خاصة علاقات السوداني مع تركيا. وفي آب 2024، وقعت بغداد بروتوكول تعاون أمني مع أنقرة، لا سيما تحويل قاعدة بعشيقة التركية إلى مركز تدريب مشترك للقوات العراقية، رسميًا لمحاربة حزب العمال الكردستاني وتنظيم داعش. ومع ذلك، تواصل تركيا تنفيذ ضربات على الأراضي العراقية دون استشارة بغداد، كما ظهر في هجوم 11أيلول على معسكر مخمور. وقد أثار هذا الوضع معارضة متزايدة داخل قوات التحالف، حيث اعتبرت الفصائل الأقرب إلى طهران الاتفاق انتهاكًا للسيادة العراقية وانتقدت السوداني لتقديمه تنازلات مفرطة لتركيا. ويسلط هذا الخلاف الإستراتيجي الضوء على الانقسامات العميقة داخل قوات التحالف، ويهدد مستقبل التحالف الذي تم تشكيله في البداية للحفاظ على الوحدة الشيعية في العراق، وبالتالي تعريض استقرار هذا التحالف للخطر.
وفي قلب أزمة قوات التحالف هذه يكمن صراع على السلطة بين السوداني والمالكي. فالأخير، الذي لا يزال يدعي "القيادة التاريخية" على الائتلاف الشيعي، يشهد تحديًا لسلطته من قبل السوداني، الذي أقام تحالفات ليس فقط داخل التحالف الشيعي، ولكن أيضًا مع الأحزاب الكردية والسنية التي تدعم محاولته لولاية ثانية. ويعكس صعود السوداني جهود مقتدى الصدر في عام 2020، الذي سعى إلى تنويع ناخبيه الشيعة التقليديين من خلال تشكيل تحالف مع السنة والأكراد. ومع ذلك، فإن مثل هذا النهج يثير تساؤلات حول مستقبل العلاقات بين السياسيين. إن الخلاف المتزايد بين محمد شياع السوداني ونوري المالكي، مع احتمال انسحاب قيس الخزعلي من كتلة صادقون، يمكن أن يمهد الطريق لتقارب بين السوداني ومقتدى الصدر، كما إن مثل هذا السيناريو لن يمثل سقوط قيادة إطار التنسيق فحسب، بل سيمثل أيضاً تراجعاً في هيمنة الطائفة الشيعية على المشهد السياسي العراقي. فهل يمكن أن يكون هذا علامة على عودة النفوذ السني، الذي تم تهميشه لفترة طويلة منذ الغزو الأمريكي عام 2003 وانتخابات عام 2005؟ على أية حال، مع اقتراب الحملة الانتخابية الرئاسية، يشير المشهد السياسي العراقي الحالي إلى تفكك قوات التحالف.
وفي الختام، فإن سعي محمد شياع السوداني لولاية ثانية يمكن أن يؤدي إلى تسريع تفكك إطار التنسيق مع اقتراب انتخابات عام 2025. ويبدو الآن أن انهيار قوات التحالف أمر لا مفر منه، حيث تتبلور المنافسات الداخلية حول طموحات السوداني والمالكي للسلطة. وبين فضائح التجسس والفساد، والصراع على السلطة والاختلافات الجيوسياسية، أصبحت قوات التحالف الآن أكثر انقساماً من أي وقت مضى، وغير قادرة على الحفاظ على الوحدة التي كانت ذات يوم سبب وجودها. ومع ذلك، في حالة نشوب حرب واسعة النطاق بين إسرائيل وإيران، قد يتأخر هذا الانهيار، حيث قد تضطر الفصائل الداخلية إلى تنحية خلافاتها السياسية الداخلية جانبًا مؤقتًا للتعامل مع هذا الواقع الإقليمي الجديد.
- متخصصة في السياسة الدولية