TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > كلاكيت: فرهادي يكتب عن الصورة

كلاكيت: فرهادي يكتب عن الصورة

نشر في: 17 أكتوبر, 2024: 12:05 ص

 علاء المفرجي

من الصورة الى الصورة. كيف يكتب السيناريو، كتاب للمخرج الإيراني الحائز على الأوسكار مرتين، أصغر فرهادي، والكتاب يمثل مساقا تثقيفيا شاملا ومتكاملا عن السينما كما رآها فرهادي، وخبرها.. وأعيد هنا ما كتبته عن أصغر فرهادي.
نحتاج إلى الماضي أحيانا لنرمم انكسارات حاضرنا المرتبك، لكننا في لحظة نكتشف أننا متورطون بزمن متصل من الخيبات، يزيدها عمق الكشف غموضا.
الماضي هو ما يستعين به أصغر فرهادي الذي لم تسكره نشوة الأوسكار التي عاشها قبل عامين عندما انتزعت رائعته التي عدها الكثيرون حدثا سينمائيا كبيرا (انفصال نادر وسيمين) الفيلم الأجنبي الأفضل، ليقدم لنا فيلما آخر يشتغل في الهم نفسه العائلة وتفاصيلها يستعين هنا بالماضي بوصفه مدخلا للثيمة نفسها التي قدمها لنا في فيلمه المتوج (انفصال.).
أصغر فرهادي واقتفاء لخطى معلّمه ومواطنه كياروستامي في سبر التفاصيل العائلية يشتغل بالموضوع نفسه، ولكنه خلافا لكياروستامي يرحل بها (خارج) مكانها الطبيعي. فاذا كان الأخير قد تخطى في أفلامه الأخيرة جغرافية موضوعاته إلى حيث انشغالات عالمية عن الوحدة والهوية الإنسانية (نسخة مصدقة)، (عاشق مثالي)، فإن فرهادي قد انتقل بموضوعاته إلى حيث الهم الإنساني في كل مكان، وخاصة عندما يفرض المشكل المحلي وجوده في ثقافة أخرى.
أحمد (علي مصطفى) الإيراني القادم إلى باريس بعد غياب أربعة أعوام لينهي إجراءات طلاقه من زوجته الفرنسية ماري (برنس بيجو) منهيا وضعا اجتماعيا له، لكنه –يا للمفارقة-يجد نفسه في بداية وضع آخر، أقرب إلى تصفية حساب منه إلى أي شيء آخر.
فرهادي يستدعي الماضي بشخص أحمد، فيما يواجه الأخير الحاضر بتفاصيل يصبح الماضي فيها رهاناً آخر لهذه الشخصية في محاولة فك الاشتباك في علاقة هذه الشخصيات، وما يتجلى عنها من أوجاع وهموم، استطاع فرهادي بحنكة مخرج نبه وهو يعالج سيناريو كتب بحرفية عالية أن يعتني بالشخصيات، مثلما تتجلى منه الأحداث بحبكة صانع ماهر.
إنها حكاية تعتني بالتفاصيل الصادمة بل حتى الألغاز التي من شأنها تغيير مسار القص السينمائي بما يمنح الموضوع كماله.
وكما في فيلمه (انفصال.) فإن فرهادي يقدم الشخصيات دفعة واحدة من دون ان يمنح المشاهد فرصة سبر أغوارها بالعجالة نفسها، بل يجعل انخراطها في الحدث بالتدريج سببا في اكتشاف دواخلها على طول زمن الفيلم.
استقبال ماري لأحمد وحوارهما في السيارة في الطريق من المطار يجعلنا نقف عند حدود هذه العلاقة وسبب اللقاء، لكننا أيضا نقف عند بعض تفاصيل هذه العلاقة التي يفترض ان يكون هذا اللقاء بداية نهايتها، خاصة مع رغبة أحمد في معرفة أحوالها بعد فراق دام أربعة أعوام وارتباكها من هذا اللقاء.
ثم يضعنا المخرج في علاقات متداخلة تضج بمشاكل الحياة اليومية، والخيانات، والريبة.. ماري وابنتاها من زيجتين سابقتين، وسوء الفهم واللا تواصل بينها وبين ابنتها المراهقة، ثم سمير (طاهر رحيم) الشاب العربي عشيقها، وابنه من امرأة أخرى، وعلى هامش هذه العلاقات هناك العاملة المغربية التي تعمل مع سمير في ورشته والتي سيكون لها فعل في مأساة زوجة العشيق، تغذي هذه العلاقات مشاكل تبدأ بين ماري وابنتها المتحفظة عن علاقة أمها بعشيقها وكرهها لهذا الأخير ثم وشايتها في إبلاغ زوجة العشيق (التي تعاني الاكتئاب ثم الغيبوبة في أحد المستشفيات) من خلال سرقة البريد الإلكتروني لوالدتها.
يجد أحمد الزوج القادم من طهران نفسه وسط هذه الدوامة من العلاقات المشحونة بالشك والخيانة والتباس القصد. يحاول ان يرمم ما يمكن ترميمه في هذه الشخصيات المأزومة، هو إذن الماضي الذي تستعين به دائرة هذه العلاقات.
ما يحسب لفرهادي أسلوب عرضه لهذه الحكاية من دون ادعاء، أو حشو، أو تضخيم، التي يتجلى بها فعل الشخصيات المرسومة بدقة، خاصة مع الأداء المذهل لممثليه (برينس بيجو) في تعابير الوجه والانفعالات وحتى الصراخ، وهو الدور الذي انتزعت به الممثلة الأفضل في كان، وفرصتها في التعويض عن دورها الصامت في (الفنان)، وطاهر رحيم الجزائري الذي أدهشنا قبل ثلاثة أعوام بدوره في فيلم (نبي).

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

قتل مفرزة إرهابية بضربة جوية بين حدود صلاح الدين وكركوك

الامم المتحدة: إخراج سكان غزة من أرضهم تطهير عرقي

الطيران العراقي يقصف أهدافا لداعش قرب داقوق في كركوك

"إسرائيل" تستعد لإطلاق سراح عناصر من حزب الله مقابل تحرير مختطفة في العراق

حالة جوية ممطرة في طريقها إلى العراق

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: بروتوكولات مقهى ريش

العمود الثامن: جيوب نظيفة!!

العمود الثامن: الفشل بامتياز

قناطر: كسل وغباء "رأس المال" العراقي

الديمقراطية..لا تصلح لشعب يحكمه فاسدون

العمود الثامن: القاهرة واستذكار بغداد

 علي حسين تقيم معظم البلدان متاحف لفنونها وحضارتها، ومتاحف اخرى تحتفظ فيها بكنوز الفن العالمي، لكي تذكّر الأجيال القادمة بالذين نثروا ألوانهم وأقاموا النصب المرمرية، لأن الذاكرة البشرية بحاجة إلى تذكّر ان التاريخ...
علي حسين

كلاكيت: عدي رشيد في «أناشيد آدم» سعي للنهوض بوعي المتلقي من أجل إثارة الأسئلة

 علاء المفرجي تأريخ السينما العراقية طويلا قياسا الى مثيلاتها باقي شعوب المنطقة، فالسينما العراقية لم تبدأ بالإنتاج إلا في منتصف الأربعينيات، ولم يكن الإنتاج الأول، إلا انتاجا مشتركا مع مصر، ولم تستطع منذ...
علاء المفرجي

المنظومة السلطوية في العراق والتغيير المطلوب

د. كاظم المقدادي (2-2)التغيير الجذري ضرورة اًنية وملحةمطلب التغيير الجذري والشامل للمنظومة السلطوية في العراق، الهادف لأقامة الدولة المدنية الديمقراطية، دولة المواطنة والعدالة الإجتماعية،الضامنة للحياة الحرة الكريمة والمستقبل الأفضل لكافة أبناء وبات شعبنا، دون...
د. كاظم المقدادي

الشُّعوبيَة والشّعبويَّة.. لكلٍّ زمنه

رشيد الخيون يعيد اِصطلاح "الشَّعبوبيَّة" اليوم إلى الأذهان الحركة "الشُّعوبيَّة" في الأمس البعيد، مع أنَّ كلاً له زمنه ودلالته، كلاهما منحوتان مِن "الشَّعب" و"الشُّعوب". نَعتَ البعضُ بالشَّعبويَّة الرئيسَ الأميركيّ دونالد ترامب، في حملته الانتخابيّة...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram