ديالى / محمود الجبوري
لا تزال مخلفات وثأرات الدم التي خلفها تنظيم القاعدة الإرهابي في محافظة ديالى عائقاً أمام عودة النازحين إلى قراهم، رغم الجهود الحكومية والعشائرية والدينية لطي صفحة الماضي وإعادة التماسك المجتمعي. فتحت (المدى) إحدى الصفحات السوداء في أطراف ناحية كنعان (18 كم شرق بعقوبة)، وتقصّت أسباب خلو عشرات القرى بين كنعان وأطراف بغداد من السكان منذ نزوحهم عامي 2007 و2008 بسبب حوادث القتل والتفجير والاغتيالات التي شهدتها المنطقة.
عشرات القرى التي تعود لقبيلة «بني زيد» لم تعد إلى أطراف ناحية كنعان بسبب الموانع العشائرية وثأرات الدم التي لا تزال عالقة، ولم تتمكن جهود المصالحات العشائرية الطويلة من حسمها.
ويطلق على المناطق الواقعة بين جنوبي ناحية كنعان وأطراف بغداد وناحية بهرز «خاصرة النار» بسبب مساحتها الشاسعة ووعورتها الجغرافية، وسط مخاوف من تحولها إلى قنابل موقوتة ومعاقل جديدة لبقايا التنظيمات الإرهابية.
ويؤكد مسؤولون ومواطنون أن القرى الواقعة بين حدود ناحيتي كنعان وبهرز والحدودية مع بغداد تحولت خلال الأعوام الماضية إلى ملاذ لبقايا «داعش» بسبب خلوها من السكان ونزوحهم منذ نحو 15 عاماً بسبب أحداث تنظيم القاعدة آنذاك.
وشهدت مناطق جنوب شرقي ديالى الحدودية مع العاصمة بغداد خلال الأعوام المنصرمة حوادث أمنية وهجمات بين حين وآخر، بسبب امتداداتها الجغرافية الوعرة وخلوها من القطعات الأمنية.
عضو مجلس ناحية كنعان المنحل (18 كم جنوب شرق بعقوبة)، جمال ناصر الشمري، بيَّن أن «عشرات القرى المتناثرة التي تعود لقبيلة بني زيد وقبائل أخرى، ممنوعة من العودة إلى مناطقها جنوبي ناحية كنعان وحدود ناحية بهرز وأطراف بغداد بسبب الثأرات العشائرية وتورط الكثير منها بالتعاون مع تنظيم القاعدة الإرهابي وإيوائه آنذاك».
ورهن الشمري في حديثه لـ(المدى) عودة القرى المهجرة بحسم الثأرات والدية العشائرية لما لحق بأبناء قبيلة شمر وقرى شيعية أخرى من أضرار ودمار وخراب وفقدان وإصابة أكثر من 300 شخص من الأبرياء في تلك الحقبة، لافتاً إلى صعوبة عودتهم، وأن ثأرات الدم لا تزال قائمة حتى في الأجيال الجديدة التي ولدت بعد عام 2007.
وأضاف: «القرى المهجرة كانت حواضن للإرهاب ومنطلقاً للقتل والتصفية الطائفية منذ 2005 وحتى 2008، ما يصعّب من عودتها دون إرضاء العشائر المنكوبة والمتضررة التي فقدت أبناءها دون أي ذنب يُذكر».
وأشار الشمري إلى وجود عزوف كبير من قبل القرى النازحة عن العودة إلى مناطقهم بعد استقرارهم وتكيّفهم معيشياً في مناطق ديالى وخارجها، وتوفر مقومات معيشية جيدة تغنيهم عن العودة.
بدوره، أكد مدير ناحية كنعان مهدي عبد الكريم، أن القرى الشاغرة كانت مصدر تهديد لأمن ناحية كنعان بسبب مخاوف استغلالها من قبل التنظيمات الإرهابية وبقاياها كملاذات آمنة ومنطلقات لتنفيذ عمليات إرهابية جديدة.
واستدرك حديثه: «في الوقت الحالي، جميع القرى مؤمَّنة من قبل القوات الأمنية ومراقبة بـ6 كاميرات حرارية لرصد أي ثغرات أمنية أو نشاطات مشبوهة إن وجدت»، معتبراً في الوقت ذاته أن الكاميرات الحرارية أنقذت ناحية كنعان ووفرت استقراراً أمنياً واضحاً بدّد مخاوف عودة الجماعات الإرهابية أو تواجدها مجدداً.
وعن أسباب عدم عودة القرى النازحة، أوضح عبد الكريم في حديثه لـ(المدى) أن التوترات العشائرية ومخلفات الحوادث الإرهابية التي طالت الناحية، إلى جانب الموانع الخدمية وخلو القرى من الخدمات الأساسية، هي أبرز أسباب عزوف القرى عن العودة مجدداً.
المحامي ياسين الزيدي، وهو أحد سكان قرى بني زيد، كشف عن تشتت وتباين الآراء والمواقف بين عشائر القرى النازحة فيما بينها من جهة، وتباين المواقف والآراء بين قبائل شمر حيال ملف قرى بني زيد من جهة أخرى، ما أجهض المساعي والحلول العشائرية أو الحكومية لإنهاء هذا الملف العالق منذ سنوات طويلة.
وكشف الزيدي في حديثه لـ(المدى) أن قسماً من القرى النازحة يرغب بالعودة، وقسماً آخر يرفض العودة بسبب المؤشرات الأمنية أو المشاكل العشائرية التي شهدتها تلك المناطق، فيما لا تزال آراء قبيلة شمر منقسمة ومشتتة حيال عودة قبائل بني زيد.
ويواصل حديثه: «تشتت المواقف والآراء بين الطرفين قوض جهود المصالحات العشائرية والخطط المجتمعية لإنهاء هذه الأزمة والوقوف على ما تتطلبه من غطاء حكومي، رغم وجود برامج من الحكومة المحلية لتنفيذ مشاريع مصالحة عشائرية بين الأطراف المعنية».
وفي أطراف ناحية بهرز جنوب بعقوبة والحدودية مع ناحية كنعان، نفى رئيس مجلس بهرز السابق عبد المطلب السامرائي وجود خلافات أو نزاعات عشائرية في أطراف ناحيته أو تأثرها بملف قرى بني زيد، مؤكداً أن العشائر متعايشة اجتماعياً ومتماسكة فيما بينها.
ولفت السامرائي في حديثه لـ(المدى) إلى استقرار أمني يسود حدود بهرز - كنعان مع أطراف بغداد، ولم تُسجل أي حوادث أمنية تُذكر منذ سنوات طويلة، معززاً حديثه: «غدر الإرهاب انتهى وصفحاته تلاشت واندثرت في عموم مناطقنا وغالبية مناطق ديالى بشكل عام».