علي حسين
لا أعتقد أن هناك من يمل من الحديث عن سيرة الرجل النحيف الذي قال لأعدائه ذات يوم: "لقد عرفت القانون وجربته فنجح أعظم نجاح، ذلكم هو المحبة وبها ستتحرر الهند".
الشهر الماضي، مرَّت "77" عاما على اغتيال المهاتما غاندي، من قبل شاب هندوسي متعصب اتهم غاندي بخيانة الهندوس بسبب احترامه حقوق الأقلية المسلمة وموقفه التصالحي تجاه باكستان.
بثلاث رصاص انتهت حياة الرجل الذي كرس حياته للمقاومة السلمية ورفض العنف، وكان غاندي يقول: "إن العين بالعين لن تؤدي إلاّ إلى جعل العالم كله أعمى"، ورغم سجنه عدة مرات بين عامي 1922 و1942، تمسك بمبدأ "عدم إلحاق الأذى" الذي جعله أداة لمحاربة الحكم الاستعماري، والشرور الاجتماعية.
كان غاندي يقول لمرافقيه إن التسامح سيكون الخطوة الأولى في تحقيق الحلم بهند تنبذ العنف وتسعى للحرية..
اختصرها غاندي الذي كان يرفض أن يخدع الناس: "إني أؤثر الانتظار أجيالا وأجيالا، على أن ألتمس حرية شعبي بالخطب الزائفة والزاعقة" يتكرر مشهد اصحاب الشعارات والبدلات البراقة على مر العصور دون أي تغيير، مجرد إضافات جديدة، ألم يخبرنا المالكي أننا الشعب الأول في مجال الحريات والاستقرار والازدهار والتنمية، ونسى ان يضيف الى قائمة الامتيازات، القتل والفساد وسرقة مستقبل المواطن؟
تأملوهم جميعا. كل واحد يستخدم لغة "القائد المؤمن" بجمله وتعبيرات وجهه وعصبيته وابتسامته.. يقال إن موسوليني كان يرتدي قفازات سود يلوح بها قبل كل خطبة نارية.. كل ما نراه من على شاشات الفضائيات من انهيار لقيم الحياة، هو تلويح بالفشل بأيدي ساسة أميين، كتبوا ويكتبون كل يوم أسوأ صفحات في تاريخ الإنسانية.
كم سنحتمل من استعراضات ساستنا "الأشاوس" الذين يريدون منا أن نتربى على خطبهم، وأن نرفع شعار السمع والطاعة؟ كم مرة سنتحمل سياسياً يريد منا أن نلغي كل إمكانية التفكير والبحث، من خلال استدرار عواطف البسطاء واستغفالهم؟!
لقد أظهرت تجربة سنغافورة وقبلها ماليزيا كيف يمكن إقامة العمران والرفاهة والعدالة الاجتماعية، من دون خطاب سياسي واحد. بل حتى من دون موارد طبيعية، في حين تشكل بلاد الرافدين أغنى مساحة عربية. لكنها تحولت بفضل صبيان السياسة الى أكبر ساحة للشعارات، وصور محتار العصر.
الذين هزموا الظلم وكسروا جبروت الطغيان وأعلوا كرامة الانسان، لم يكونوا قادة معارك ولا اصحاب خطب وشعارات، كانوا رجالا يحبون شعوبهم لا اقاربهم وازواج بناتهم من شاكلة "ابو رحاب". حرر غاندي الهند من أضخم استعمار في العالم، دون ان يطلق رصاصة واحدة، وهزم البلد الذي اشتهر بكبار القادة العسكريين.
21 عاما ومازلنا نبحث عن حكومة توافق، ما زال تأثير الطائفية والمحسوبية والانتهازية أقوى من الديمقراطية والحرية، ما زلنا ننتظر وزراء يخرجون "حصراً" من معاطف الأحزاب، ولا يهمّ أن يتأخر تشكيل الحكومة وتتوقف مصالح البلاد، فنحن شعب يحبّ الكسل والعُطل، كل يوم تُعلن عدد من المحافظات أنها في حالة راحة واستراحة، وماذا ياسادة عن العمل والبناء؟، يجيبك أحد القادة "المؤمنين" نحن شعب نبحث عن خير الآخرة، ولا تهمنا ملذات الدنيا! بالمناسبة صاحب التصريح تعيش عائلته في إحدى الدول الأوروبية وتتمتع بكلّ مغريات الدنيا، اتمنى ان لا يأخذكم الخيال بعيدا وتتوقعون انني اقصد علي العلاق.
لو أعدنا قراءة التاريخ مرة أخرى، لوجدنا أن الحوار هو الذي ينتصر غالباً على يـد رجال كلماتهم أقوى من المدافع، أفكر طبعاً في غاندي ونهرو، ومانديلا ولي كوان وميركل.. وبالتأكيد لا يمكن أن أتجاوز محمود المشهداني.