د . علي عبد الرحيم صالح
بعد الدمار الذي شهده العالم في الفترة الأخيرة، اصبح للجماعات الارهابية الدينية دورا كبيرا في شيوع القتل والدمار وعدم الاستقرار في العالم العربي والغربي ، إذ مارست الجماعات الارهابية الدينية المصنفة عالميا (مثل جماعة القاعدة ، وجبهة النصرة، وداعش ..وغيرها) أعمال عنف وقتل وذبح خرجت بها عن الاطار البشري، ولما هو مألوف من أعمال وحشية.
ونظرا لما سببته هذه الجماعات من أعمال هددت أمن العالم، فإن أنظار علماء النفس والاجتماع توجهت إلى دراسة العقلية الارهابية الدينية وكيفية تجنيدها وتوظيفها للافراد في العمليات القتالية والانتحارية؟ ، وقد احتلت الجماعات الارهابية الاسلامية المتطرفة المرتبة الاولى في الدراسات النفسية، وذلك بسبب الدمار الذي تركته ، وهذا يبدو لنا واضحا عندما نشاهد العديد من العمليات الارهابية العالمية التي تقوم بها اجندات ارهابية ذات أصول إسلامية، تهدف إلى نشر معتقداتها وخططها المستقبلية، حتى اصبح من المألوف أن نشاهد ونسمع ما تنشره هذه الجماعات في مقاطع الفديو هتافات وتكبيرات إسلامية اثناء قيامها بعمليات الذبح والقتل واغتصاب !!! وسأقوم بشرح كيفية القيام بعمليات التجنيد والاقناع وفقا لتحليل مجموعة من المقابلات التي عرضتها القنوات الفضائية العراقية والعربية مع عدد من الارهابيين الذين تم القبض عليهم في العراق وسوريا.
التوظيف النفسي للتجنيد الارهابي
من المدهش عند مراجعتنا لأعترافات الارهابيين المعتقلين أثناء التحقيق معهم على يد القوات الامنية بشأن كيفية انتمائهم على يد جماعاتهم الارهابية أن نجد هذه الجماعات تتبع وسائل وتقنيات نفسية خطيرة في غسيل دماغ المتطوع وتحويل عقائده ومعتقداته الى افكار اجرامية خطيرة تؤمن بكراهية الاخر والرغبة في التخلص منه والقضاء عليه . ولكن هذه العملية ليست بالسهلة كما يتصورها البعض ، فبعد مراجعة الدراسات النفسية الخاصة بتجنيد المتطوعين الارهابيين توصلت الى أن هناك اربعة مراحل يمر بها المتطوع حتى يكون جاهزا ومستعدا لتنفيذ العمليات الارهابية (شرط ان يتم مكافأة الارهابي بالمال ، واحترام الذات ، والسلطة ، والوعود الدينية الكاذبة مثل ذهابه الى الجنة ورضا الله عنه) ، وهذه المراحل هي :
- المرحلة الاولى : تبدأ هذه المرحلة بعد تأكد الجماعة الارهابية أن لدى الارهابي استعدادا اوليا لكراهية الجماعة المستهدفة ، إذ تقوم الجماعة بغرس الكثير من الافكار التعصبية في ذهنه من خلال اعطاءه ادلة (كاذبة) أن الجماعة التي يقاتلون ضدها كافرة وتستحق القتل، وانها تكرهه وتكره جماعته، وستحاول القضاء عليه .
- المرحلة الثانية : بعد زرع هذه الافكار تحاول الجماعة أن تتأكد ان الارهابي قد اقتنع بإن هذه الجماعة ظالمة، ويجب معاقبتها، ومعاقبة ابنائها ومن ينتمي إليها ، وقد تقوم الجماعة بعرض شرائط فديو حول بعض المواقف العدائية (المصطنعة) التي تقوم بها هذه الجماعة ضد جماعة الارهابي (مشاهد تعذيب ، اغتصاب ، قتل) .
- المرحلة الثالثة : يتحول الارهابي المنتمي الى شخص كاره و منتقم، فتقوم الجماعة حينها بتوجيه الارهابي إلى المواقع التي تستهدفها ، واقناع الارهابي أن هذه المواقع هي قوى الشر والظلم ، وغالبا ما تكون هذه المواقع (دوائر امنية وحزبية وسياسية ومواطنين مدنيين) .
- المرحلة الرابعة : توجه الجماعة الارهابي في هذه المرحلة نحو القيام بالعملية الارهابية في المواقع المستهدفة، مع ترغيبه بأن القيام بهذا العمل سوف يجني من خلاله مكافأة الهية او مجتمعية وأن اسمه سيصبح مخلدا في الارض بين ابناء جماعته، وفي السماء قرب الله .
تقنيات تجنيد العقول نحو الارهاب
فضلا عن السابق تستعمل الجماعات الارهابية مجموعة من التقنيات للتحكم في تفكير الارهابي واقناعه نحو القيام بالعمليات الارهابية أو تفجير نفسه وسط الجماعة المستهدفة من دون اية مقاومة لأوامر القيادة الارهابية . وهذه التقنيات أشار اليها كلا من (Hronick,2013) و (Wells& Horowitz,2004) اثر دراسة العشرات من الارهابيين الذين فشلوا في القيام بهذه العمليات الارهابية في مجموعة من الدول ، وهذ التقنيات هي:
1. تقنية تضخيم الذات : تقوم هذه التقنية على وسيلة الايحاء، إذ تعمل الجماعة على تضخيم ذات الإرهابي واقناعه بانه الشخص (المخلص) الذي سيقوم بإنقاذ جماعته ووطنه من الاشرار، وانه بهذا العمل سيصبح رمزا كبيرا لكل الشهداء، وانه سيزعزع قوة المعتدين. وتعتمد الجماعات الارهابية في هذه التقنية من خلال تزكية ذات الارهابي فتصنع له جو من البطولة والشجاعة، وتعمل له شريط فديو خاص به يلقي من خلاله كلمة خاصة بعمليته الارهابية، وتصويره وهو يمسك السلاح ، ويحمل الاحزمة الناسفة ..الخ.
2. تقنية الاغراء بالمال : أكثر المنتمين للجماعات الارهابية قادمين من مستويات اقتصادية متدنية وعوائل فقيرة ، فمن أجل اقناع الارهابي في الانتماء إلى الجماعة الارهابية ، فإنها تقوم باستغلال نقطة ضعفه، وذلك عبر إعطاءه مجموعة من الوعود بأنها ستقوم برعاية عائلته بعد موته رعاية كريمة وتقدم لها الكثير من الاموال والدعم الاجتماعي.
3. تقنية الاستياء : تستغل الجماعات الارهابية ابناء المناطق التي تشعر بالظلم والحرمان ضد الجماعة المستهدفة ، فتوظف مشاعر الاستياء والكره في العمليات الارهابية .
4. تقنية قتل العقل: تقوم هذه التقنية عبر جعل الارهابي يستسلم لأوامر وتعليمات القيادة في تنفيذه العملية الارهابية من خلال التأثير في عواطفه، وخلق توجهات ايجابية نحو فائدة القيام بالعملية الارهابية والنتائج الممكنة التي يمكن ان تحققها ، لذا تقوم الجماعة بجعل الارهابي يتخيل مدى السعادة والفرح التي ستنتاب ابناء جماعته بعد القيام بهذه العملية ، فيجعلونه يتخيل تصفيق الناس وشكرهم له ، وتخليد ذكراه في عقولهم وذاكرتهم ، وأنهم لن ينسوه ابدا .
5. تقنية رفع الروح المعنوية : تتم هذه التقنية من خلال التقاء الارهابي الذي كلف بالعملية الانتحارية بالقيادات والزعامات الكبيرة في الجماعة الارهابية، فيتلقى منهم الحب والتشجيع والتأييد ، وغالبا ما يتم ذلك وفق طقوس دينية معينة مثل الصلوات والتسابيح والاناشيد الدينية وهذه جميعا تسهم في قناعة الارهابي بفائدة عمله .
ما الحل؟
ليس من السهولة تغيير افكار الجماعات بخصوص ما تؤمن به معتقدات دينية وسياسية ، فعندما يقتنع الارهابي أن أعضاء الجماعة المستهدفة باطلة او غير شرعية وتريد التخلص منه، فانه سيشعر بالحقد والكراهية الشديدة اتجاهه ، وسيجد أن الدمار افضل وسيلة للتخلص من تلك الجماعة، وبذلك فان تفجير وقتل الجماعة المستهدفة هو الحل الوحيد لذلك .
ولكن ذلك لا يدعونا لليأس ، فمن الممكن استبدال هذه الافكار بأخرى خيرة ولكنها تحتاج إلى الصبر والمال والاثبات وتقديم حقائق داعمة وفاعلة (بالعمل وليس بالقول) ، وقبل كل شيء يجب الاهتمام ببنية البشر التحتية كالتعليم والرفاهية ورفع المستوى الاقتصادي ونشر الاعتدال الديني، لأن أكثر الدراسات النفسية تشير إلى ان أكثر من ينتمي إلى الجماعات الارهابية هم من الفاشلين دراسيا، ويعانون من ظروف اقتصادية متدنية، وليس لديهم الوعي الديني الكافي لمقاومة الأفكار والفتاوى الدينية المتطرفة. لذا يجب الارتقاء ببنية الانسان المعرفية والاجتماعية والدينية قبل أن نقوم بتقديم أية حلول فاعلة .
جميع التعليقات 3
اياد جواد كاظم
منذ 1 أسبوع
هناك تقنية مهمة وهي محو تاريخ الشخص من خلال إقناعه بالتوبة ثم خلق شخصية جديدة لاتمت للشخصية السابقة بصلة، من خلال استخدام مجموعة من الأساليب أولها منحه اسم أو كنية جديدة وغالبا ما تكون دينية أو تنتمي لشخصية تاريخية معروفة وهكذا..
سلام ظاهر العوادي
منذ 1 أسبوع
مقال قيم من استاذ لامع . الجماعات وسيكولوجيتها تحتاج إلى جهد مضني للوقوف على تشخيص دقيق للأحداث والمشاكل التي تمر بها وهذا المقال هو جزء من الجهود في هذا الطريق لذا ندعو الجهات الرسميه الاستفاده من البحوث والدراسات التي تنصب في هذا المجال ومجالات أخرى
علي جاسم الكرعاوي
منذ 1 أسبوع
أحسنت وأجدت دكتور علي، ايضاً لمحاربة هذه الجماعات يجب نشر الفكر الصحيح الخالي من التدليس والخالي من التكفير والشيء الاساسي والاهم هو التخلص من القيادات الاكبر التي تشرف على ضم وتجنيد هكذا جماعات.