د. احمد عبد الرزاق شكارة
منذ زمن بعيد شخصت ووصفت حالات مؤلمة عاشتها الامة العربية – الاسلامية عبر مسيرتها التأريخية من ضعف تجلى في جسدها السياسي المثقل أصلا بهموم ومصائب تقع في صميممحيط الشؤون الوطنية والاقليمية لدولها إتخذ صورة تداعيات جيوبولوتيكية خطرة هددت أمن منطقتنا العربية -الشرق أوسطية . إن النخب المجتمعية - الثقافية والسياسية العربية قد تأملت - في مراحل معينة من تأريخها السياسي - خيرا بإمكانية حصول تغيير أيجابي في موازين القوى لصالح عالمنا العربي إذا ما توافرت الارادة السياسية لانظمتنا السياسية أستنادا لما قد يتخذ من قرارات رادعة جدية في مواجهة الاعتداءات الصهيونية ولكن ذلك اضحى مع مرور الوقت سرابا خاصة مع معايشتنا الالام الناجمة عن أحداث سفكت فيها دماء غالية في غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا . إذ مع انهيار وقف أطلاق النار الاخيرفي غزة وإنطلاق الحملة الجنونية الهمجية التي يقودها مجرم الحرب بنيامين نتياهو وفريقه اليميني المتطرف للاستمرار بتنفيذ مشروعه الصهيوني التوسعي ( أسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات ) ارى أن لامناص من ان نستفيق ونستعد مجددا شعوبا وحكومات كل من موقعه ومسؤوليته الاجتماعية – الفكرية الثقافية – السياسية ، الاقتصادية – الامنية بالبعد الجيوسياسي الشامل للمواجهة المطلوبة إتساقا مع الاستجابة الطبيعية لقرارات الامم المتحدة حيث تمادت اسرائيل كثيراوحليفتها الستراتيجية الولايات المتحدة الامريكية في السماح لقيادات اسرائيل العنصرية بممارسة ابشع الجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب التي اضحت جرائم أبادة وتطهيرا عرقيا للشعب الفلسطيني الصامد المجاهد في غزة وفي عموم الضفة الغربية . لا أود حقا أن أردد الابيات السابقة الذكرلمجرد انعاش الآمال ولكن للضرورة أحكام خاصة وإن حالة غياب الوعي أي عدم الانتباه والاستفاقة قد توصلنا لحافة الهاوية سريعاعندها لن ينفع الندم وسنردد بيتين آخرين للشاعر عمرو بن معدي كرب بن ربيعة الزبيدي إذ يقول :
اسمعت لو ناديت حيا ولكن لاحياة لمن تنادي ؟
ولو نار نفخت بها أضاءت ولكن أنت تنفخ في رماد
ارفض أن يصل وضعنا لحالة تشبه بالفعل الموت السريري الذي لن يترك ضمائرنا الحية في حالة ارتياح نسبي مطلقاعندها سنترك للاجيال المقبلة بالضرورة مزيد من الازمات الحادةعلى مختلف الصعد سماتها :” وجودية “تخص مستقبل أمن ونماء شعوبنا . إن الشئ الذي دعاني لكتابة هذا المقال انطلق من مشاعري التي تؤكد أن مناشدة الدول العربية للمجتمع الدولي بالتحرك السريع لإنقاذ اوضاعنا البائسة لازالت بالضبط كحالة النفخ في الرماد إذ مع تكرارها الممل أضحت بغير جدوى طالما لم نحسن تشخيص من نناشدهم بالضبط ، أي لم نتعرف او نحدد ماهية العناصر الفاعلة للتغيير الحقيقي التي نتوجه إليها بمثل هذا الخطاب . من هنا ، علينا التعريف اولا بماهية المجتمع الدولي الذي لازال يتخذ مفهوما هلاميا لم يجري تحديده بدقة اللهم إلا في بعض المعاجم مثل معجم جامعة كامبريدج بالصورة التالية :"اجتماع دول العالم للعمل بشكل جماعي في أمر ما " . حقيقة الإمر إن إجتماع الدول للاتفاق حول مسألة ما ليست ميسرة دائما طالما بقيت مصالح الدول الكبرى والاقليمية متعارضة جدا . علما أنه قد يكون الامر مفهوما في أطار ما يتخذ من قرارات على صعيد الجمعية العامة للامم المتحدة من تأييد للحق الفلسطيني ولكن الحقيقة الواضحة أنه في المجمل الاعم ليست قرارات الجمعية العامة للامم المتحدة ملزمة اللهم إلا في مناسبات محددة منها قرار تأسيس دولة اسرائيل المؤرخ في 29 نوفمبر عام 1947 (اعتراف يتعذر الرجوع عنه أو الغائه) وقرار الاتحاد من اجل السلام رقم 377 خلال مواكبة حل الازمة الكورية في عام 1950 ؟ . اما وسائل الاعلام فقد وصفت مصطلح المجتمع الدولي على صعيد ”دول العالم أو جزء منها أو حكوماتها عندما تتفق على أمر ما ، وبدقة أكثر يقصد به جميع الدول ذات النفوذ الدولي التي تختار المشاركة في المناقشات العالمية وصنع القرار الدولي". اما الامين العام للامم المتحدة الراحل السيد كوفي أنان فقد عرفه :”عندما تعمل الحكومات ، بدفع من المجتمع المدني معا لتحقيق أهدافها الانسانية والعمل من أجل سيادة القانون ".
يوسف قبلان في مقال له بعنوان المجتمع الدولي خصم أم حكم ؟ بحث الموضوع في ظل علاقته بالقضية الفلسطينية حيث طرح تساؤلا مشروعا عن حقيقة دور المجتمع الدولي (أخذا بالاعتبار هلامية المفهوم ) في عدم التوصل لصيغة واضحة تحدد من ستتوجه إليه حكومات الدول العربية بالمناشدة لإنهاء أزمة احتلال مقيت لفلسطين دام لأكثر من 75 عاما وإقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران 1967 . قرار رفض من قبل الكيان الصهيوني بمجمله وكذا بالمبادرة العربية للسلام التي اعلنت حل" تأسيس الدولتين " في مؤتمر القمة العربي – بيروت في 28 مارس عام 2002 . أكثر من ذلك تستمر اسرائيل بإقامة المزيد من المستوطنات الصهيونية حيث وافقت مؤخرا حكومة نتنياهو على تأسيس 13 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية . ظاهرة الاستيطان وصلت لمرحلة الذروة بحيث اقتضمت جزءا كبيرا من ال18 بالمائة مما بقي من فلسطين التأريخية. تطهير عرقي واضح ، معرف ومشخص باعتباره”جريمة ضد الانسانية “. من هنا نحن أمام مواجهة خطيرة ومحيرة لفهم دورالمجتمع الدولي وماهية قواه الرئيسة الفاعلة في ردع اسرئيل عن ممارستها العدوانية التوسعية . ضمن هذا الاطار اثار يوسف قبلان مسألة مهمة جدا تخص موقف المملكة العربية السعودية من ظاهرة التطبيع مع اسرائيل بالقول : ان الامير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء اشار بوضوح إلا أن المملكة العربية السعودية لن تقيم علاقات مع اسرائيل دون قيام دولة فلسطينية . من هنا أشار الباحث ايضا على ضرورة التركيز لإيجاد حل واضح استراتيجي يتفق مع القرارات الدولية لقضية فلسطين بدلا من تضييع الجهد والوقت على تفرعات القضية وهوامشها من خلال ضرورة اقتران الاقوال بالافعال "لإن افعال تفتقر إلى الشجاعة ولا تعبر عن المبادئ التي يثرثر عنها المجتمع الدولي دون توقف هي مفقودة على أرض الواقع ". إذن السبب واضح لكل ذي لب وبصيرة كون اسرائيل لازالت من خلال قيادتها العنصرية مستمرة بشن حملة ابادة لشعب اعزل حيث جمعت بين الاحتلال والامن خارقة بذلك القانونين الدولي العام والانساني معا . من هنا ، لا نرى جدوى حقيقية في الامد المنظور على الاقل اطلاق مناشدات مستمرة اخرى لتحرك المجتمع الدولي طالما ظل الاخير عاجزا عن توحيد صفوفه على الصعيدين الحكومي والمدني الدولي لردع اسرائيل حتى ولو بالدرجة الدنيا . علما أن الجامعة العربية هي الاخرى أي ” خيمة العرب “ لم تتسنم بعد ريادة فاعلة شجاعة هدفها إدارة الشأن العربي الفلسطيني بصورة تستعيد معها ثقة الشعب العربي . واقعيا لم تستطع الجامعة العربية أن تفعل بنود ميثاقها للعام 1945 وفقا للاطار الدفاعي - الامني -الاقتصادي - الاعلامي ـ الثقافي بل والقانوني - الانساني يمعناه الشامل إذ لازلنا نشهد تكرار الانتهاكات الصهيونية الفاضحة لحقوق وحريات الانسان الفلسطيني والعربي ( في اليمن ، لبنان وسوريا ) . إن غياب الروادع العربية والدولية مسألة مؤسفة حقا . علما بإن القرارالقضائي الصادر عن محكمة الجنايات الدولية في الادانة لبنيامين نتنياهو بإعتباره مجرم حرب مع وزيره السابق يحسن تنفيذه عاجلا (مع قرارات اخرى لاحقة ) خاصة وأن ذات المحكمة نجحت في استقدام رئيس الفلبين الاسبق رودريغو دوتيرتي بخطة عاجلة محكمة كي يحاكم حاليا امامها عن جرائم ضد الانسانية . وهنا ، لابد أن نحي ونشيد بموقف جنوب افريقيا ودول اخرى مهمة مساندة للحق الفلسطيني : مثل ارلندة ، اسبانيا ، بلجيكا، وأخرى من قارة امريكا الجنوبية ،افريقيا وآسيا حيث سارعت بتطبيق سلة من الاجراءات العقابية - القانونية بضمنها اسهام بعضها بدعم ومساندة موقف جنوب افريقياالشجاع في إدانة اسرائيل من قبل محكمة العدل الدولية عن جرائم الحرب والابادة والتطهير العرقي تعزيزا للحق الفلسطيني.
أخيرا على الدول العربية قبل غيرها أن تتخذ خطوات متدرجة مدروسة ضمن اجندة الردع الستراتيجي من خلال استقطاب مختلف انواع طاقاتها الفاعلة بأتجاه أبعاد الاخطار الامنية الخارجية لإسرائيل عن منطقتنا . إن الاستناد على أرادة المجتمع الدولي في تطبيق قرارات الامم المتحدة حول القضية الفلسطينية مسألة لن تنجح واقعيا طالما بقي المجتمع الدولي يلوذ بدور الادارات الامريكية المتعاقبة التي استخدمت حق الفيتو في مجلس الامن لدعم اسرائيل ماديا ومعنويا في بلورة مشروعها الاستيطاني للشرق الاوسط الجديد .