محمد علي الحيدري
في توقيت بالغ الحساسية، حلّ بنيامين نتنياهو ضيفًا على البيت الأبيض، مستعيدًا دفء العلاقة مع دونالد ترامب، الرئيس العائد إلى الحكم وسط انقسام داخلي أميركي وصعود يميني عالمي. لم تكن الزيارة مجرد إعادة إحياء لتحالف سياسي قديم، بل جاءت محمّلة برسائل تتجاوز اللحظة، تعكس تحوّلات عميقة في موازين القوى، ومحاولات حثيثة من الطرفين لكسر طوق العزلة السياسية التي باتت تلاحقهما داخليًا وخارجيًا.
نتنياهو لم يعد كما كان في أيام “صفقة القرن”. إنه اليوم في موقع الدفاع المستميت، تلاحقه اتهامات الجرائم ضد الإنسانية، ويجد نفسه معزولًا عن كثير من العواصم الغربية التي كانت حتى وقت قريب تُمنحه غطاءً مفتوحًا. العدوان المستمر على غزة، وارتدادات المشهد الإقليمي والدولي، جعلت صورته عبئًا حتى على بعض حلفائه التقليديين. في مثل هذا السياق، تأتي زيارته لواشنطن كفرصة رمزية لبث الحياة في شرعيته السياسية المتآكلة، وللظهور بمظهر الزعيم الذي لا يزال يحظى بدعم القوة العظمى الأولى.
أما ترامب، فلا يخفي حاجته إلى مشهد خارجي صاخب يبدّد ارتباك الداخل الأميركي. عودته إلى البيت الأبيض لا تمثّل استقرارًا، بل تصعيدًا للتوترات. ملفات قانونية مفتوحة، مؤسسات سياسية منقسمة، ورأي عام يعيش انقسامًا حادًا حول مستقبل البلاد. في مثل هذا المناخ، يُعيد ترامب تشغيل آلته الرمزية من خلال استضافة نتنياهو، باعتباره شريكًا في “القيم المحافظة” والدفاع المشترك عن “الهوية الغربية” كما يتخيلها جناح اليمين الديني والقومي.
الزيارة لا يمكن قراءتها في سياقها الثنائي فقط، فهي تتجاوز المجاملة الدبلوماسية إلى مستوى إعادة بناء تحالف استراتيجي بين زعيمين اختارا طريق المواجهة بدل التوافق، والانقضاض بدل الاحتواء. ما يجمعهما ليس فقط التاريخ السياسي، بل نظرة واحدة إلى العالم: لا مكان للشرعية الدولية، ولا اعتبار للمؤسسات، بل صفقة مستمرة مع القوة، ما دامت تضمن البقاء.
القلق الحقيقي من هذه الزيارة يكمن في مفاعيلها المقبلة. فحين يعود نتنياهو إلى تل أبيب محمّلًا بصور الدعم والتفاهم، فقد يرى فيها تفويضًا لخطوات أكثر تطرفًا، سواء تمثلت في التوسع الاستيطاني، أو في تصعيد العمليات العسكرية، أو حتى في ضرب فرص الحل السياسي نهائيًا. وفي المقابل، يربح ترامب بطاقة نفوذ جديدة على الساحة الدولية، يوظّفها داخليًا لخدمة سرديته الانتخابية وتثبيت صورته كرجل لا يعترف بالخطوط الحمراء.
ما حدث في واشنطن ليس زيارة رسمية، بل إعلان عن دخول مرحلة سياسية جديدة، تتراجع فيها المعايير الأخلاقية لحسابات النفوذ الفج، ويُعاد فيها تعريف “التحالف” بوصفه شراكة في التحدي، لا التفاهم. إنها لحظة اندفاع لا تعترف بالعودة، حيث تتقدّم الوقائع على المبادئ، ويُدار العالم بصفقات لا يعترف أصحابها إلا بالربح والخسارة.
جميع التعليقات 1
فراس السعدي
منذ 1 أسبوع
العالم قبل مقدم ترامب شكل واليوم شكل اخر هناك احداث متسارعه قد تنهي قرون من الصراعات وقد تفاقمها الأمور لاتسير على مايرام