الرئيسية > أعمدة واراء > نتنياهو في واشنطن: سياسة اللاعودة وإعادة ترسيم العزلة

نتنياهو في واشنطن: سياسة اللاعودة وإعادة ترسيم العزلة

نشر في: 9 إبريل, 2025: 12:01 ص

محمد علي الحيدري

في توقيت بالغ الحساسية، حلّ بنيامين نتنياهو ضيفًا على البيت الأبيض، مستعيدًا دفء العلاقة مع دونالد ترامب، الرئيس العائد إلى الحكم وسط انقسام داخلي أميركي وصعود يميني عالمي. لم تكن الزيارة مجرد إعادة إحياء لتحالف سياسي قديم، بل جاءت محمّلة برسائل تتجاوز اللحظة، تعكس تحوّلات عميقة في موازين القوى، ومحاولات حثيثة من الطرفين لكسر طوق العزلة السياسية التي باتت تلاحقهما داخليًا وخارجيًا.
نتنياهو لم يعد كما كان في أيام “صفقة القرن”. إنه اليوم في موقع الدفاع المستميت، تلاحقه اتهامات الجرائم ضد الإنسانية، ويجد نفسه معزولًا عن كثير من العواصم الغربية التي كانت حتى وقت قريب تُمنحه غطاءً مفتوحًا. العدوان المستمر على غزة، وارتدادات المشهد الإقليمي والدولي، جعلت صورته عبئًا حتى على بعض حلفائه التقليديين. في مثل هذا السياق، تأتي زيارته لواشنطن كفرصة رمزية لبث الحياة في شرعيته السياسية المتآكلة، وللظهور بمظهر الزعيم الذي لا يزال يحظى بدعم القوة العظمى الأولى.
أما ترامب، فلا يخفي حاجته إلى مشهد خارجي صاخب يبدّد ارتباك الداخل الأميركي. عودته إلى البيت الأبيض لا تمثّل استقرارًا، بل تصعيدًا للتوترات. ملفات قانونية مفتوحة، مؤسسات سياسية منقسمة، ورأي عام يعيش انقسامًا حادًا حول مستقبل البلاد. في مثل هذا المناخ، يُعيد ترامب تشغيل آلته الرمزية من خلال استضافة نتنياهو، باعتباره شريكًا في “القيم المحافظة” والدفاع المشترك عن “الهوية الغربية” كما يتخيلها جناح اليمين الديني والقومي.
الزيارة لا يمكن قراءتها في سياقها الثنائي فقط، فهي تتجاوز المجاملة الدبلوماسية إلى مستوى إعادة بناء تحالف استراتيجي بين زعيمين اختارا طريق المواجهة بدل التوافق، والانقضاض بدل الاحتواء. ما يجمعهما ليس فقط التاريخ السياسي، بل نظرة واحدة إلى العالم: لا مكان للشرعية الدولية، ولا اعتبار للمؤسسات، بل صفقة مستمرة مع القوة، ما دامت تضمن البقاء.
القلق الحقيقي من هذه الزيارة يكمن في مفاعيلها المقبلة. فحين يعود نتنياهو إلى تل أبيب محمّلًا بصور الدعم والتفاهم، فقد يرى فيها تفويضًا لخطوات أكثر تطرفًا، سواء تمثلت في التوسع الاستيطاني، أو في تصعيد العمليات العسكرية، أو حتى في ضرب فرص الحل السياسي نهائيًا. وفي المقابل، يربح ترامب بطاقة نفوذ جديدة على الساحة الدولية، يوظّفها داخليًا لخدمة سرديته الانتخابية وتثبيت صورته كرجل لا يعترف بالخطوط الحمراء.
ما حدث في واشنطن ليس زيارة رسمية، بل إعلان عن دخول مرحلة سياسية جديدة، تتراجع فيها المعايير الأخلاقية لحسابات النفوذ الفج، ويُعاد فيها تعريف “التحالف” بوصفه شراكة في التحدي، لا التفاهم. إنها لحظة اندفاع لا تعترف بالعودة، حيث تتقدّم الوقائع على المبادئ، ويُدار العالم بصفقات لا يعترف أصحابها إلا بالربح والخسارة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. فراس السعدي

    منذ 1 أسبوع

    العالم قبل مقدم ترامب شكل واليوم شكل اخر هناك احداث متسارعه قد تنهي قرون من الصراعات وقد تفاقمها الأمور لاتسير على مايرام

ملحق معرض اربيل للكتاب

الأكثر قراءة

العدالة الدولية تحت المطرقة (الجزء- 2)

قناطر: أغنيةُ أبي

العمود الثامن: روسو يتطلع إلى بغداد

العمود الثامن: قائمة المنتفعين

العمود الثامن: المتشائل

العمود الثامن: جماعة الفشل

 علي حسين ثمة متعة خاصة في قراءة كتب المفكر الفرنسي جاك أتالي، وخصوصاً كتابه عن كارل ماركس والذي أكد فيه على مقولة ماركس الشهيرة "ظلّت الفلسفة تفسّر العالم بطرق مختلفة. ولكن المهم تغييره"....
علي حسين

قناطر: المُوحِشُ المُسْتفرَد بين السعفِ والقبّرات

طالب عبد العزيز من السعف الذي لم تأته الريح من الشمال، ومن الجذوع، أنبأتها الشمسُ بموعد النهار، ومن القصب، لم تثقّبهُ نداءاتُ الراحلين، فظلَّ قصباً الى الحين والابد، أنشأتُ كوخاً، آوي اليه أحياناً، أسجِّي...
طالب عبد العزيز

( 50 ) عاماً على الحرب الأهلية اللبنانية حياةً بين قذيفتين

زهير الجزائري   ( 3) من نافذة الصف تمتد أمامي نازلة بساتين الحمضيات. أحاول أن أهدئ نفسي بخضرتها المتعافية و بزرقة البحر الممتد إلى اللانهاية. أسمع جرس الاستراحة وأقول لنفسي: مستحيل! لا البحر ولا...
زهير الجزائري

في خط الشروع للمشروع الوطني التنموي

ثامر الهيمص لكي تنهض اي امة او شعب، لابد ان يكون لديهما مشروع سياسي واقتصادي واضح المعالم ، لذا ينبغي تجديد كتابة الماضي وفق مسلتزمات الواقع المتجدد ، بما يؤهل المشروع للمقبولية الاجتماعية والتاريخية...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram