ستار كاووش
عندَ لقائي ببعض الناس أفاجئ ببعض التفاصيل الصغيرة التي تُشير الى نوع من الكسل واللامبالاة وعدم إيجاد الحلول حتى وأن كانت صغيرة. فرغم إنغماس أحدهم بتعديلِ صُوَرِهِ ببرامج الفوتو شوب كي يبدو أصغر عمراً وأكثر جاذبية، فهو لا يملك ذات الحماس لتعديل أو إصلاح ساق كرسي مكسورة في بيته، حتى وأن كان هذا الكرسي على وشك الانهيار تحت الضيف أو صاحب البيت ذاته. أو أن يكون مقبض الباب عند أحدهم مهتزاً ويتأرجح باليد، ويكاد أن ينخلع عند الامساك به، لكنه لا يبالي بذلك ولا يفكر بإصلاح هذا الخلل البسيط. وعند صديق آخر ترى أن احدى بلاطات عتبة البيت قد تحولتْ الى قطع صغيرة متناثرة بعد أن أصابتها الرضوض جراءَ سقوط شيء ثقيل عليها، ولم يفكر بإزالتها من مكانها ووضع بلاطة جديدة أخرى كي تظهر العتبة بمظهر جميل ولائق. أشياء كثير كتلك الثقوب التي تملأ الجدران، أو الحنفيات التي تسرب الماء حتى بعد إقفالها، واللمبات الكهربائية التي تومض وتنطفيء طول الوقت، فلا هي مشتعلة ولا منطفئة، ولا تحتاج سوى الى تحريك بسيط لتعود الى حالتها الطبيعية، لكنها وبسبب الكسل بقيت عند الكثيرين تلهث هكذا دون طائل. ولا يمكن هنا نسيان بعض الأبواب والشبابيك التي ذهب بريقها وتآكلتْ قشرة ألوانها، ولا تتطلب سوى علبة ألوان وساعة من الوقت كي يعود طلائها جميلاً وهيئتها مريحة ومبهجة.
كل ما نحتاجه للقيام بذلك، هو بعض الوقت، نعتني خلاله بالبيت ومفرداته، نعالج العطوب ونرمم المكان الذي يحتوينا ليزداد جمالاً وعمراً. الأمر لا يتطلب عبقرية ولا مواهب عظيمة ولا خبرات أو باع طويل في إيجاد الحلول للمشاكل البسيطة التي تحدث في حياتنا اليومية. فقط علينا المحاولة في عمل ذلك، وعندها ستأتي الحلول تباعاً وسنكتشف المتعة الحقيقية في القيام بهذه الأعمال. علينا أن نعود الى حياتنا الطبيعية الجميلة دون الذكاء الاصطناعي وبهرجة القفزات السريعة التي جعلت الأشياء دون متعة وجعلتنا نبدو بلا فائدة. حتى صرنا منشغلين بالتلفونات أكثر من التطلع بملامح الوجوه، وقد تراكم غبار الاهمال على صورنا القديمة التي طالما أحببناها، بعد أن غزت برامج الفوتو شوب والذكاء الاصطناعي صورنا الجديدة وحولتنا الى نسخ من (أفاتار)، حيث ما زالتْ هذه البرامج تعمل جاهدة على إخفاء (عيوبنا) التي هي ليست عيوباً بالأساس، وقامت بتغيير أشكالنا، وكأننا إستعادة للنعجة الشهيرة دولي التي تم إستنساخها. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إمتد الى تفاصيل أخرى من حياتنا، منها اللوحات الفنية التي لا يعرف الكثيرون ممن يكيلون لها المديح والثناء بأن قسماً كبيراً منها قد عُمِلَتْ بواسطة الذكاء الاصطناعي، وهي ليست أعمالاً فنية ولا يمكنها أن تكون كذلك مهما سطع بريقها المفتعل وعلا صراخها الفج.
وبالعودة الى موضوعنا الذي بدأناه حول القيام ببعض أعمال البيت، فقد أثبتتْ العديد من الدراسات التي قامت بها الجامعات في أوروبا، أن الأطفال الذين يقومون ببعض الأعمال المنزلية ويمنحهم الآباء بعض الحرية بالأعتماد على أنفسهم في تنفيذ بعض المهمات العملية، يصبحون أكثر نجاحاً في المستقبل، بالإضافة الى أن ثقتهم بأنفسهم تكون أكبر وشعورهم كبير بالمسؤولية. شخصياً، عودتُ نفسي منذ زمن بعيد على القيام بكل ما أحتاجه في البيت، وما زلتُ أتعلَّم الكثير من المهارات، فلديَّ يدان وعينان وعقل، فلماذا لا أستخدمها عند الحاجة؟ وفوق كل هذا، لماذا لا أجرب الأشياء بنفسي، لعلي أجد الحلول الصغيرة التي تساعدني للمضي بسهولة ومتعة في هذه الحياة.
في النهاية، مثلما يمكننا الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في بعض تفاصيل حياتنا وتطورها، علينا أيضاً أن نمنح أيدينا وعقولنا شيئاً من الثقة في إنجاز الكثير من المهمات التي لا يمكن لا للذكاء الاصطناعي ولا برامج الكمبيوتر القيام بها. فها هو مثلاً سياج حديقتي يُلَّوحُ أمامي بخشبه القديم الذي أثرت عليه عوامل الطبيعة والمناخ، طالباً التجديد. لذا سأشمر عن ساعدي وأحضر ألواحاً جديدة وأبدأ بتغيير السياج، فالأمر يستحق المحاولة.