TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > للا .. لا له

للا .. لا له

نشر في: 17 أكتوبر, 2012: 05:03 م

جمعتني، ليلة الجمعة الفائتة، جلسة على ضفاف النيل بالممثل المصري عهدي صادق. وقبل أن ألتقيه، ويصبح لي صديقا، كنت قد عرفته من خلال مسلسلات كثيرة منها رأفت الهجان وليالي الحلمية والمال والبنون. وعهدي يجيد نطق اللهجة العراقية لفظا وروحا، كأنه واحد منا.
لا يفوّت، هذا الرقيق الطبع، فرصة إلا ويطالبني بأن أغني له أغانيَ عراقية. الغريب انه لا تطربه غير أغانينا القديمة المشبعة بروح الحسرات والأنين. يعرف حضيري أبو عزيز وناصر حكيم وداخل حسن وزهور حسين. العرب عموما يعرفون ناظم الغزالي وكاظم الساهر. لكن عهدي منشدّ أكثر لأغاني الريف. يعرف الأبوذية والدارمي والمواويل العراقية ويلح من اجل أن اسمعه منها إلقاء أو غناء.
طلب مني أن اسمعه قصيدة من قصائدي فلبيت بواحدة قليلة الحزن. أجمل ما في عهدي هو انه لا يحوجني إلى ترجمة قصائدي إلى المصرية، وهو الأمر الذي غالبا ما افشل فيه. وبالمناسبة، وجدت الناقد  جابر عصفور، هو الآخر، يفهم العراقية بعمق، خاصة شعرنا الشعبي. أذهلني مرة كيف انه توقف عند بيت قلت فيه "وبوسة الكل طفل كابل نجمته ونام .. أو وي طرة الفجر للضيم يتحفه".
قال لي عهدي: يالله غني كافي تتدلل علينا. اخترت بيتا من الأبوذية بدأته بلازمة "للا لا له .. لا له .. لا .. لا له" الشهيرة وبطريقة داخل حسن. كان هدفي أن أمهد للدخول إلى أغنية راقصة كي اخفف من وقع الحزن العراقي على الحاضرين. أنهيت بيت الأبوذية فعرجت على طور "الهجع": "لا لا ولك من علمك ركص الهجع .. لاله ولو". أظن أني وُفقت بالأداء إلى حد ما.
همس عهدي بأذني حين انتهيت: لو انتم العراقيون تعلمتم قول "لا" في الواقع مثلما تكثرون منها في أغانيكم لكانت حالكم غير التي هي الآن. صدقت يا صديقي فالانكليز يحرصون على تربية أطفالهم على قول "لا" منذ الصغر. سألني مستفهما: هيه دي "لا" اللي عندكم في الأغاني نافية ولاّ ناهية؟ احترت في إيجاد جواب سريع فتأنيت قليلا ثم أجبته بأنها ناهية على الأكثر.
ولكي اثبت له أنها "ناهية" غنيت له وغنى معي:
لا تلزم ايدي .. بويه نعيمه يا نعيمه .. رد يا طبيب الجاي
روحي بوريدي ..  بويه نعيمه يا نعيمه .. لا تنكطع وابلاك
ولسعدون جابر غنيت:
عيني عيني
لتعاشر البذات    والماله تالي
مثل اليلم الماي    يرد جفه خالي .. يا عيني
ومن رياض احمد:
لا تنشد عل الحال    حالي أردى حاله
سمجه وشحيح الماي     وبظهري فاله
سادت لحظة صمت بيننا. سرح بي الخيال صوب العراق فقرأت له بصوت عال:
لا تكظي ايام عمرك بلها
واعتلي خيل الصبايا وبلّها
دنّي الماي اللحيتك بلها
لو شفت جارك لحيته امزينه
قال لي عهدي: أظن أنها تعني "أكلت يوم أكل الثور البيض". نعم إنها كذلك يا صاحبي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

العمود الثامن: صنع في العراق

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

 علي حسين منذ أن اعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والطاولات الشيعية والسنية تعقد وتنفض ليس باعتبارها اجتماعات لوضع تصور للسنوات الاربعة القادمة تغير في واقع المواطن العراقي، وإنما تقام بوصفها اجتماعات مغلقة لتقاسم...
علي حسين

إيران في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة

د. فالح الحمـــراني تمثل استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة، الصادرة في تشرين الثاني تحولاً جوهرياً عن السياسات السابقة لإدارتي ترامب وبايدن. فخلافاً للتركيز السابق على التنافس بين القوى العظمى، تتخذ الاستراتيجية الجديدة موقفاً أكثر...
د. فالح الحمراني

ماذا وراء الدعوة للشعوب الأوربية بالتأهب للحرب ؟!

د.كاظم المقدادي الحرب فعل عنفي بشري مُدان مهما كانت دوافعها، لأنها تجسد بالدرجة الأولى الخراب، والدمار،والقتل، والأعاقات البدنية، والترمل، والتيتم،والنزوح، وغيرها من الماَسي والفواجع. وتشمل الإدانة البادئ بالحرب والساعي لأدامة أمدها. وهذا ينطبق تماماً...
د. كاظم المقدادي

شرعية غائبة وتوازنات هشة.. قراءة نقدية في المشهد العراقي

محمد حسن الساعدي بعد إكتمال العملية الانتخابية الاخيرة والتي أجريت في الحادي عشر من الشهر الماضي والتي تكللت بمشاركة نوعية فاقت 56% واكتمال إعلان النتائج النهائية لها، بدأت مرحلة جديدة ويمكن القول انها حساسة...
محمد حسن الساعدي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram