الرئيسية > أعمدة واراء > الرسام الذي أهدى إلى حبيبته مليون زهرة

الرسام الذي أهدى إلى حبيبته مليون زهرة

نشر في: 19 يوليو, 2013: 10:01 م

الفنانون الذين يشبهون حياتهم قليلون ، بل نادرون هم الذين تتماهى أعمالهم مع حياتهم حد التطابق ، وأحد هؤلاء هو الرسام الجورجي نيكو بيروسماني ( 1862 – 1918 ) الذي يرسم الأشياء كما يفكر بها وليس كما يراها .
هذا الأسبوع ، وأنا أقترب بخطواتي من معرض هذا الرسام العجيب ، تذكرت كيف غمرني بسحر لوحاته ورومانسيته التي فيها الكثير من العفوية أو البدائية حين تعرفت على أعماله وحياته أثناء السنوات التي عشتها في مدينة كييف ، وقتها عرفت من بعض أصدقائي الرسامين أن أغنية ( مليون وردة ) التي تغنيها المطربة الروسية بوغاتشوفا ، تدور حول حياة رسام يدعى بيروسماني ، حينها قرأت كتاباً عن حياته ووجدت فيه الفرادة التي أبحث عنها وفهمت بعدها لماذا يعتبر هذا الفنان رمزاً فنياً في بلاده ، بل يتحدث عنه الكثير كبطل قومي في جورجيا أو حتى في روسيا .
إنه الرسام الذي قرر في لحظة صفاء لا مثيل لها أن يبيع كل ما يملك من لوحات دفعة واحدة ومعها كل أثاث بيته وملابسه وجميع الأشياء الأخرى التي بحوزته ليشتري بثمنها مليون وردة ، كي يهديها إلى حبيبته في عيد ميلادها . كانت مفاجأة لا تصدق بالنسبة لها وقد أثار سمعها ضجيج العربات وصياح الأطفال في الخارج ، وحين نظرت من شرفتها رأت مشهداً لا يتكرر حتى في الأحلام ، حيث عربات كثيرة تفرغ الزهور على امتداد الشارع المؤدي إلى بيتها حتى تصل أكوام الزهور تحت نافذتها ، عندها لم تفكر إلا بنيكو غريب الأطوار الذي يعشقها بجنون ، هذا الرسام الذي كان وقتها مختبئا في ركن بعيد عن بيتها وينظر إلى المشهد بطرف عينيه وهو يرتجف من البرد والحب معاً ، نيكو الرسام الغريب الذي أدمن النبيذ والمحبة . مرت هذه التفاصيل في مخيلتي وأنا أتجول في معرضه ( البحث عن بيروسماني ) هذا الأسبوع في متحف دوردرخت جنوب هولندا ، هنا يحتفي به المتحف كما يستحق ويعرض له 45 لوحة من أهم أعماله مع مجموعة مختارة من الصور التي تمثل حياة جورجيا في نفس الفترة التي عاش فيها الفنان .
نشأ بيروسماني في قرية صغيرة هي ميرزاني ، بعدها قضى سنوات طويلة من حياته في العاصمة تبليسي . هو ينتمي إلى ما يسمى بالفن البدائي لكنه يرسم موضوعاته الأثيرة إلى نفسه بصدق عجيب وإحساس حقيقي لا تشوبه شائبة رغم الظروف الصعبة التي كان يمر بها في أوقات كثيرة من حياته التي أجبرته على رسم أغلب أعماله على أغطية الطاولات الرخيصة ذات اللون الأسود بدل كانفاس الرسم الجيد ، لكنه وظف حتى ذلك لصالح تقنيته حيث رسم معظم أشكاله وشخصياته بألوان فاتحة على خلفيات سوداء في الحقيقة لون مشمع أو غطاء الطاولات نفسه . يعتبر هذا المعرض من المعارض المهمة التي أقيمت لهذا الفنان بعد معرضيه في باريس سنة 1969 وسنة 1972 ، ونرى بوضوح ذكرياته عن قريته الصغيرة وحكاياتها التي طبعت أعماله بها ، حيث الرجال منهمكون وهم يعصرون العنب بأقدامهم في أحواض كبيرة في طريقهم لصنع النبيذ ، أو الولائم الجورجية العامرة طاولاتها بالأطعمة والشراب ، لكن بالتأكيد لا تخلو أعماله من البورتريهات التي رسمها لحبيبته التي كانت تعمل في ملهى ليلي في مدينة تبليسي .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 4

  1. asma asad

    مقال رائع

  2. علي هادي

    من ذا الذي يستطيع ان يجعلنا سعداء ونحن هنا في بيوتنا التي نخاف ان نخرج منها لئلا نتشضى بمفخخة غير المبدع الجميل ستار كاووش؟ شكرا للمدى .. شكرا لكاووش

  3. عبير ميرزا

    شكرا للمدى على اضافة هذا الجمال بصفحاتها ممتع جدا

  4. الفنان التشكيلي حيدر الياسري

    كم احبك ستار كاووش الغارق في بحار اللون المحلق في فضاءات السحر لا ابالغ ان قلت ارى قلبك الملون كقوس قزح من خلال اعمالك الجميلة التي لا تقل روعه عن اي فنان عالمي اراك مبهور به محبتي لك ايها الاسمر الملون بالحياة

ملحق معرض اربيل للكتاب

الأكثر قراءة

كلاكيت: "ندم" وعودة الفيلم الجماهيري

الحاكم بمنظور إمام سلطة الحق

العمود الثامن: اربيل تقرأ

مرور نصف عقد على رحيل رفعة الجادرجي 10 نيسان 2020

العدالة الدولية تحت المطرقة (الجزء- 2)

العمود الثامن: جماعة الفشل

 علي حسين ثمة متعة خاصة في قراءة كتب المفكر الفرنسي جاك أتالي، وخصوصاً كتابه عن كارل ماركس والذي أكد فيه على مقولة ماركس الشهيرة "ظلّت الفلسفة تفسّر العالم بطرق مختلفة. ولكن المهم تغييره"....
علي حسين

قناطر: المُوحِشُ المُسْتفرَد بين السعفِ والقبّرات

طالب عبد العزيز من السعف الذي لم تأته الريح من الشمال، ومن الجذوع، أنبأتها الشمسُ بموعد النهار، ومن القصب، لم تثقّبهُ نداءاتُ الراحلين، فظلَّ قصباً الى الحين والابد، أنشأتُ كوخاً، آوي اليه أحياناً، أسجِّي...
طالب عبد العزيز

( 50 ) عاماً على الحرب الأهلية اللبنانية حياةً بين قذيفتين

زهير الجزائري   ( 3) من نافذة الصف تمتد أمامي نازلة بساتين الحمضيات. أحاول أن أهدئ نفسي بخضرتها المتعافية و بزرقة البحر الممتد إلى اللانهاية. أسمع جرس الاستراحة وأقول لنفسي: مستحيل! لا البحر ولا...
زهير الجزائري

في خط الشروع للمشروع الوطني التنموي

ثامر الهيمص لكي تنهض اي امة او شعب، لابد ان يكون لديهما مشروع سياسي واقتصادي واضح المعالم ، لذا ينبغي تجديد كتابة الماضي وفق مسلتزمات الواقع المتجدد ، بما يؤهل المشروع للمقبولية الاجتماعية والتاريخية...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram