يقولون في تاريخ الفن عادة ، أن العصر الذهبي للرسم الهولندي أبتدأ في مدينة هارلم ، مثلما يذكرون أيضاً أن عصر الباروك الهولندي فيه ثلاث ركائز أساسية ، هي ريمبرانت وفرانس هالس وفرمير ، لهذا ليس غريباً أن تقرر المملكة الهولندية أن تكون هذه السنة هي سنة الرسام فرانس هالس ( 1583 – 1666 ) ، وهي مناسبة رائعة حيث تمر الآن مئة عام على إقامة متحفه في مدينة هارلم ، هو أول الرسامين الهولنديين العباقرة وبه ابتدأت ملامح المدرسة الهولندية بالظهور . كل شيء مهيئ للاحتفال أذن ، من طباعة الكتب والمنشورات والمعارض وجميع ما تحتاجه الأنشطة الفنية التي تتعلق بهذا الفنان ، خاصة في مدينته هارلم ، التي وصلت فيها الاحتفالات الى درجة أن يظهر الناس في الساحات والأسواق وهم يرتدون ملابس القرن السابع عشر احتفالا برسام الوجوه البهيجة والأشخاص المليئين بالحبور وحب الحياة بوجناتهم الحمر وملابسهم المترفة . الكلام وحده لا يصنع المعجزات بالتأكيد ، والنوايا المجردة لاتعطي ثماراً ناضجة ، بل ما يفعل ذلك هو العمل الدؤوب وتسليط الضوء على ناس ساهموا بصنع التاريخ من وجهة نظر جمالية ووضعوا بلدانهم في مقدمة البلدان الراعية والمنتجة للجمال والفن .
أردت من كل هذا أن أقول هنا أيضاً ، أن السنة القادمة ستصادف مرور مئة سنة على ولادة ملك الرسم العراقي فائق حسن ( 1914 – 1992 ) ، هذا الفنان الذي خرج كل رسامي العراق من تحت فرشاته . فائق حسن هو من أعطى كل حياته الى الفن العراقي ، فائق الفنان الذي لولا وجوده لم نصل في الرسم الى ما نحن عليه ، هو أبونا وأستاذنا وملكنا المتوج بلون محبتنا وامتناننا ، علينا أن نعمل بجد ومحبة ، كي نزيل تراب الإهمال الذي تعرض له ونمسح الغبار الذي طال لوحاته ، نمد أيدينا لننقذ سمعة أبينا الرسام الفذ ، لأننا نحمل أسمه وجيناته بين ألواننا وقماشات لوحاتنا ، أقول فقط أنه فائق حسن وهذا يكفي للعارفين .
أناشد هنا بمحبة بلداً كاملاً للاحتفال بفائقنا وألوّح كذلك بسؤالي الى كل الفنانين العراقيين الذين هم خارج العراق ، كي نفعل شيئاً سوية للاحتفال بذلك . لقد فات الكثير من الوقت وطوى النسيان مواضع وانعطافات مهمة وكبيرة في ثقافتنا ، لكن ها هي مناسبة تأتينا كي نستثمرها بشكل مناسب كما يفعل خلق الله في كل العالم ، بل هي أهم مناسبة بالنسبة للرسم العراقي برأيي الشخصي ، أنها مئوية فائق حسن ! .
قيمة فائق حسن الإبداعية كبيرة ، وإنجازاته أضافت الكثير الى قيمة البلد ومكانته بالنسبة للفن التشكيلي ، وينبغي أن نعمل من الآن للاحتفال بذلك ، أن نشيّد تمثالا يليق بفناننا الكبير وبتأثيره وفضله على الحركة التشكيلية ، فمن المعيب أن لا يكون هناك تمثال لفائق في بغداد ، أن تطبع كتب عنه تشير الى مكانته الفريدة ، أن تقام معارض للرسم تحمل أسمه ويشترك فيها مجموعة كبيرة من الفنانين العراقيين ، أن تقام ندوات عنه وعن فنه وتصنع أفلاماً حول حياته ولوحاته وخيوله التي ما زالت تطارد في براري ذاكرتنا . أوضّح هنا بأننا لا ندخل فائقاً التاريخ من خلال القيام بذلك ، فقد دخله الرجل بفنه وإبداعه وشخصيته المؤثرة ، لكننا نسلط عليه شيئاً من ضوء محبتنا عرفاناً له ، كأننا نمد له بكل احترام كرسيا صغيرا ليستريح عليه بعد عناء رحلته الطويلة مع الرسم . عدم القيام بذلك ليس فقط قصر نظر ، أنه عمى مقصود ، بل هو زهايمر ثقافي ونكران للجمال.
مئوية فائق حسن
[post-views]
نشر في: 2 أغسطس, 2013: 10:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
الهيئة العليا للتعداد العام للسكان تقرر تمديد ساعات العمل للعدادين
اللجنة العليا تقرر إبقاء حظر التجوال بين المحافظات غداً الجمعة
جدل حول دخول مواطنين كرد إلى كركوك قبل التعداد السكاني.. ما القصة؟
تحذير من عاصفة ترابية شديدة في هذا الموعد
العراق يشيد بقرار الجنائية الدولية ضد نتنياهو وغالانت ويعده "تاريخياً"
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 5
اياد الشيباني
فائق حسن .. المعلم الاول ..تاريخه هو تأريخ الفن العراقي بلا شك .. وكل الاجيال الفنية خرجت من معطفه الواسع ..كان الاب والمعلم والصديق ..طبع الفن العراقي بطابعه وظهرت تأثيراته على جميع الاجيال من بعده ..انه العين الصادقة للفن العراقي ..عايشناه عن قرب وعرفنا
ماجد السامرائي
انتباهة وفاء رائعة منك، صديقي العزيز. ولكن من تنادي؟ من تخاطب؟ الكل سادر في غي مصالحه..وانت تطلب منه أن يلتفت لفنان مؤسس... أود أن أعلمك بأنني دوّنت حديثاً مع فناننا الكبير استغرق مني أكثر من ثلاثة أشهر من اللقاءات معه.. وكان ذلك قي السبعينات. حررته، وأعد
Iman
أحسنت فنان ستار كاووش ايها النلميذ النجيب حقا ,,مؤكدا أن فائق حسن رمز فني عراقي وعالمي كبير ومن واجب العراق الالزامي كسلطة وكشعب وفنانين ومثقفين العراق بالقيام بأحتفالية كبرى تتناسب وقيمة ها الفنان الانسان العراقي بكل ما تعنيه العراقية الحقة من معاني ,وأت
سعيد عدنان
دعوة كريمة عسى أن تلقى الاستجابة وأن تحيى ذكرى الرائد فائق حسن ..وعسى أن يرسى تقليد الاحتفال بأعلام البلد ونشر آثارهم بين الناس ..
علي ثائر
العزيز ستار : اننا نعد العدة، ومنذ انقضاء محرم السنة الماضية، لمحرم القادم، وهو قريب على الابواب . كل يوم عاشوراء وكل ارض كربلاء. اما صاحبك الرسام فدعه يتقلب ، ظمآن، في قبره. بين سوط منكر واستجوابات نكير . واماماه واماماه