الرئيسية > أعمدة واراء > دافع الجوع: سلاحا بيد الطغاة

دافع الجوع: سلاحا بيد الطغاة

نشر في: 3 أغسطس, 2013: 10:01 م

لطالما آمنا بمقولة ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ونعلم أيضا أن لا حياة لنا بدون الخبز كما نعرف جيدا أن من يتحكم بخبزنا قادر على التحكم بفكرنا وتعطيل عقولنا وإلغاء قدرتنا على ممارسة أرفع الإبداعات والملكات الإنسانية.
يقع دافع الجوع ضمن الدوافع الأساسية التي أسهمت في صنع الحضارة ومنحت البشر آفاقا جديدة لمواصلة الحياة فهو يتقدم على الدوافع الأخرى التي تنظم حياتنا وقد يبرزها كما يفعل مع دافع الانتماء الذي يتجلى في التعاون والتفاعل الإيجابي بين البشر.
يحرك دافع الجوع ويعطل مزيدا من الدوافع لدى الإنسان ويترك اثره وانعكاساته على الحياة والإنجاز الإنساني لذا تصدى لمناقشته كثرة من أدباء العالم ومفكريه وفلاسفته ببحوثهم ورواياتهم فقد فكك كنوت هامسون الروائي النرويجي الحائز على جائزة نوبل للآداب في روايته "الجوع" دافع الجوع البشري والشبع والارتواء وروى بطريقة دراماتيكية كيف يعجز الكائن الإنساني الجائع عن التركيز وينتابه الشعور بالإحباط و يعجز عن المبادرة وتنعدم قوته وبالتالي قدرته على مواجهة التحديات وصد المخاطر .
وتوقف مفكرون وعلماء نفس عند الآليات التي يشتغل عليها دافع الجوع وما يؤدي إليه استفحاله بين الحشود البشرية في فترات الكوارث والحروب وكيف يستخدمه الطغاة للتحكم بمصائر الشعوب وإذلالها عن طريق حرمانها وتجويعها ووضعها في حالة عوز دائم تحول بينها وبين استنهاض وعيها بالمشكلات الاجتماعية والسياسية و الثقافية ، مثلما تحول عملية إلهائها بدافع الجوع -بينها وبين تطوير قدراتها المختلفة، فالجائعون يوظفون ما تبقى لديهم من قوى جسدية في البحث عن وسائل تهدئ الجوع المرتبط بغريزة البقاء وتجاوره غريزة التعلق من جانب آخر فالجياع المحرومون يكرهون حكامهم الذين تسببوا في تجويعهم بينما يظهرون تعلقهم بهم ويختارونهم في الديمقراطيات الزائفة عبر صناديق الاقتراع التي تبقيهم في مواقع التسلط والتجويع معا ، بخاصة في نظام الاقتصاد الريعي الذي يموه شموليته بأقنعة ديموقراطية بينما تتركز الموارد والثروات بيد الأخ الأكبر الحاكم شبيه شيخ القبيلة فيتصرف بالموارد والثروات كأنها ملكه الشخصي وهو الموكل بها دون سواه فيقدم الهبات الكبيرة لحاشيته و مسانديه أما ( الرعايا) فلهم الفتات و ما يديم الرمق ليضمن تبعيتهم له فهو رب نعمتهم ويصبح تعلقهم به شرطا لبقائهم على قيد الحياة كمثل تعلق الضحية بالجلاد في متلازمة ستوكهولم.
تصف الكاتبة إميلي نوثومب في روايتها "بيوغرافيا الجوع" حالة الجوع المزمنة التي تعاني منها بطلتها فتقرر أن تاريخ الحضارة الإنسانية هو بالأحرى تاريخ الجوع وصناعة الجوع ، فالجوع هو " أن تريد ، أن تأمل ، أن تنتظر و الجائع هو من يسعى ، أما الكائنات التي تولد وهي متخمة فإنها لن تتعرض لمكابدة القلق والانتظار والشقاء الذي يؤرق طوال الليل والنهار" وترحل البطلة الى احدى الجزر في المحيط الهادي وتتجول في جزيرة فانواتو التي كانت مستعمرة بريطانية وفرنسية في وقت ما ثم تخلت عنها الدولتان لسبب يبدو لنا في المعايير الشائعة للاستعمار واستغلال الثروات الطبيعية أمرا خارج قدرتنا على الفهم ، فتقول "ما يجذب غزاة الارض، ليس ثروة البلدان في حد ذاتها ، بل الجهود التي يبذلها الناس فيها :أي نتاج الجوع والعمل "
يتبع

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. Falah Hekmat

    ....... أشار العالم النفسي المرموق ( أبراهام ماسلو ) في نظريته حول التسلسل الهرمي للحاجات Pyramidal Series of Needs الى ان الحاجة الاساسية لكل الكائنات الحية هي الطعام و الشراب ، وان البشر الذين عانوا دوما من نقص الغذاء لم يكن لديهم الوقت الكافي لتطوير قي

يحدث الآن

المفوضية: نسعى لرفع نسبة تحديث سجل الناخبين

تقرير أميركي: تركيا أوقفت إمداد العراق بالكهرباء بعد تخلف بغداد عن السداد المستحقات

البنك المركزي العراقي ينفي رفع حصة المسافرين من 3000 إلى 5000 دولار

سوريا تغازل العراق: ليس لدينا حاليا خلاف معكم

ترامب: مستعد للقاء خامنئي

ملحق معرض اربيل للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: نور زهير ياباني !!

العمود الثامن: البابا فرنسيس وعقدة ساكو

العدالة الدولية تحت المطرقة

العمود الثامن: درس بارزاني

22 عاماً بين "جمهورية الخوف" و"دولة المافيا"

العمود الثامن: حقا إنها مؤامرة!!

 علي حسين في بعض الاحيان يرسل لي بعض القراء الأعزاء رسائل يؤنبون فيها "جنابي" لأنني أثير حالة من الكآبة والسواداوية في مقالاتي، وهم يلومونني لأنني أستغل هامش الحرية وأسخر من السياسيين والمسؤولين الذين...
علي حسين

كلاكيت: القاموس.. الرواية والفيلم

 علاء المفرجي في فيلم (الاستاذ والمجنون) 2018 وهو من أفلام السيرة الذاتية، للمخرج الأميركي من أصل إيراني فيرهاد سافينيا والمعد عن كتاب بالنوان نفسه، صدر عام 1999، للبريطاني سيمون وينشستر، نتابع قصة قاموس...
علاء المفرجي

(50) عاماً على الحرب الأهلية اللبنانية حياة بين قذيفتين

زهير الجزائري (5) نفير عام! لم نسمع الصوت الأجشّ البارد الذي أمر المدافع بأن تدوّي، ولم نرَ الفارس الذي قطع السهوب لينذرنا: نفير عام! النذير استحال إلى رسائل مشفّرة تخرج من أجهزة الإرسال، تمر...
زهير الجزائري

جِماح الطّائفية.. إلى نوويّة شيعيَّة وسُنيَّة!

رشيد الخيون ما كان في الخاطر ظهور مثقفين، تجمَحَ بهم الطّائفيَّة إلى تسمِّية القنابل النَّوويَّة بالأديان والمذاهب، توصلوا إلى هذه الأفكار الجهنميَّة بعد الحديث عن نِفطٍ شِيعيٍّ وماءٍ سُنيٍّ، فعندهم الأوطان مؤامرات على الطَّوائف،...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram