الأنسان يصنع فنه ومتعته وحياته من خلال ممارساته اليومية وسلوكه النابع من الداخل ويعكس مباهجه ورفعة تطلعاته بطرق سهلة خالية من التعقيدات والتفاصيل المملة ، ويعبر عن ذلك في الغالب من خلال أشياء صغيرة وربما عابرة ، يقيم لها كرنفالات وطقوس فرح ، وهو بهذا يحتفي بأيامه الجديدة التي يعيشها ويقدّر ساعاتها الثمينة التي تمر دون رجعة .
وعيد القبعات أو يوم القبعات هو العيد الذي صادف أحياؤه هذا الأسبوع في هولندا ، هذا البلد الذي ينخفض تحت سطح البحر ويرتفع نحو الجمال بناسه المحبين للأعياد والاحتفالات في كل تفاصيل الحياة ، وهو يتزامن مع عيد الأمراء في نفس اليوم ، وبرغم أنه ذو مسحة تشير ربما الى الأغنياء والمترفين والطبقات العالية ، لكنه في الحقيقة يملك وجهاً آخر أيضاً ، وجه يتعلق بكل من يهتمون بقبعاتهم وملابسهم ، كذلك بمن يرغبون بصنع قبعاتهم بأنفسهم . نساء يرتدين قبعات بكل الألوان والأشكال والتصميمات التي لا تخطر على بال ، من الزهور الملونة الى الورق المعالج بعمليات خاصة ومن رقائق المعادن الخفيفة الى أقمشة منسوجة بشفافية عالية ، وحتى إطارات السيارات لم تنجوا من مقصات المصممين وأخذت نصيبها كي تتحول مادتها الى قبعات مثيرة وصادمة وكأنها لسكان كوكب آخر ، ويبقى هؤلاء المصممين يتابعون هذا اليوم وهم يتبارون ويبحثون عن الجديد لتقديمه . وبالتأكيد كانت الأنظار كلها متوجهة نحو مكسيما ملكة هولندا وهي ترتدي قبعة ذهبية اللون تنسجم مع فستانها الذهبي الطويل . لكن الفضل الكبير في ظهور وترسيخ هذا العيد يعود الى الملكة السابقة بياتريكس التي كانت تهوى القبعات وفي كل مرة كانت لها طلة جديدة وبقبعة مميزة وخاصة في هذا اليوم.
لكن هل أنتهى الموضوع هنا عند ارتداء القبعات ذات الأشكال المثيرة والغريبة واستعراضها بطريقة فيها الكثير من الأرستقراطية والترفع والتبختر تحت هذه السقوف الملونة ؟ بالتأكيد لا ، فقد ظهر حماس كبير ورغبة هائلة لدى العديدين كي يوصلوا رسائل مهمة بل ومؤثرة جداً في هذا اليوم من خلال القبعات ، أهداف وأفكار غير متوقعة وفريدة في طريقة طرحها وتحمل لمحات خاصة ، فيها من الدعابة الكثير ومن الجد نصيب أيضاً ، فنرى سيدة وضعت على رأسها قبعة على شكل كعكة كبيرة لتعكس الجانب الاحتفالي للمناسبة وأخرى كانت قبعتها على شكل طبق مليء بالطعام وفي طرف آخر اعتمرت شابة جميلة قبعة تأخذ شكل منفضة سجائر وهي تدعو لمحاربة التدخين بهذه لطريقة الجمالية . وربما تطبيقاً للمثل الهولندي الطريف القائل ( أذا أردت أن تترأس ، فعليك بارتداء قبعة ) نرى الكثير من النساء العاملات في السياسة يتبارين لعكس وجه مقبول ومناسب بين الناس من خلال نوع القبعة والملابس ، أو يتعدى الأمر ذلك كما فعلت ماريانا تيما عضوة الحزب المدافع عن الحيوانات حين ارتدت قبعة مرسوم عليها ثعلب وضع على هدف للصيد ، في إشارة واضحة منها الى مناداتها ومطالبتها بتوقف صيد الحيوانات .
وبما أن هولندا بلد يتحول فيه كل شيء الى فن ، فمثل هذه المناسبات لا يدعها أصحاب الجاليرهات أو المعارض الفنية تمر هكذا مرور الكرام ، وهذا ما فعله جاليري زافير حين دعا فناني الجاليري البالغ عددهم 50 فناناً لإقامة معرض خاص بالقبعات ، كان معرضاً جميلاً حيث قدم الفنانون ، كل بطريقته الخاصة أعمالاً ( تمثل سيدات في الغالب ) تظهر فيها قبعات على وجوه ساحرة ومغرية مليئة بالضوء والحياة والبهجة.
يوم القبعات
[post-views]
نشر في: 27 سبتمبر, 2013: 10:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 1
ابراهيم الخليفة
اعجبت بما قرأت.ولكن دعها معاكسه واكتب شئ عن بلدك حضارتك .اقول بصراحه اصبح عندك انزياح للرؤيا فيما تعمل ..اتمنى انت تكتب الى هولندا عن بلدك حتى لو كنت زعلان عن بلدك...تحياتي صديقي