الرئيسية > أعمدة واراء > الطريق ليس معبداً بالزهور دائماً

الطريق ليس معبداً بالزهور دائماً

نشر في: 1 نوفمبر, 2013: 10:01 م

في مناسبات عــدة يحدث اتصال مع بعض الأصدقاء الفنانين الذين يعيشون داخل العراق أو في بعض الدول الأوروبية ، وغالباً ينحو الحديث حول الفرص التي ينالها الفنان العراقي في البلد الغربي الذي يعيش فيه ، وقد كانت بعض تعليقاتهم جاهزة حين يعرفون على سبيل المثال أن ثلاثة كتب صدرت عن أعمالي في هولندا ، فيقولون ( الفرص في هولندا سهلة ، حيث يهتمون بالفنانين الذين يعيشون هناك وتصدر عنهم كتب دائماً ) .
أود أن أقول هنا :إن هذا الكلام غير دقيق ، على الأقل من وجهة نظري الشخصية ومن خلال ما أراه يحدث أمامي على صعيد الفن ، أين الكتب التي صدرت عن الفنانين العراقيين في أوروبا، وما عددها مقارنة بعدد الفنانين ؟ النجاح في أوروبا له معالم واحدة ، واضحة وثابتة وصريحة ، وهو يتحقق من خلال الموهبة الساطعة والمتفردة والحضور الجيد والمؤثر والأستمرار من دون توقف مهما كان الثمن ، وليس كل من يدخل الى أوروبا من الفنانين سيحالفه النجاح وتعرض أعماله في المتاحف وتتصدر أعمالة أغلفة المجلات الفنية ، فالطريق ليس معبداً بالزهور دائماً أمام المبدع وهو يبحث عن موطىء قدم في مكان جديد وغريب وموحش أحياناً . وفي كل الأحوال ، يحتاج الفنان الى بعض الأشياء والتفاصيل التي تساعده كي يثبّت خطواته في البداية ، مثل الانسجام مع ثقافة البلد الجديد ، وهذا يحدث من خلال اللغة ، وأقصد لغة البلد الذي تعيش فيه وتطرح نتاجك الفني ، اللغة هي خطوتك الذهبية نحو النجاح وهي التي تبني من خلالها كل أفكارك وطروحاتك وفنك ، اللغة هي النافذة التي تطل من خلالها على عالمك الجديد وهي المفتاح السحري لتقديم نفسك وإبداعك بشكل مناسب وجميل وناجح ، أنا أعرف أشخاصاً على سبيل المثال يعيشون في هولندا منذ أكثر من عشرين سنة ولا يتكلمون سوى ثلاث أو أربع جمل باللغة الهولندية ويتفاهمون مع الآخرين باللغة الإنكليزية التي هي في كل الأحوال ليست لغة البلد ، ويشتكون بعد ذلك من عدم توفر الفرص! كيف تحصل على فرصة مناسبة وجيدة وأنت تتحدث مع الناس بلغة بلد آخر غير بلدهم ؟!
من جهة أخرى ، برغم الصعوبات واختلاف الجذور والثقافة والتربية والسلوك وطريقة التفكير فالفنان الحقيقي برأيي قادر على المضي في عوالم ومناخات مختلفة وتعلم وسائط جديدة لم يكن يعرفها وهذه المسألة تتعلق أيضاً بالمهارات الفردية التي يملكها الفنان وعمق موهبته وذكاءه والكاريزما التي يمتلكها . ومثلما تتفاوت هذه المسألة بين الفنانين تتفاوت بين الفنون نفسها ، فلا تنطبق معطيات الفنان التشكيلي على معطيات الممثل على سبيل المثال ، فالأول يملك لغة خاصة تكون بمثابة قدم ثالثة تساعده في اختصار الطريق الجديد ، وهذه القدم تتعلق باللون والخط والكتلة والفراغ والحجم والمتريال بشكل عام ، ولا تتعلق باللغة بمعناها الحرفي .
وهناك مسألة جوهرية لاحظتها بشكل شخصي في مناسبات عــدة ، ففي هولندا مثلاً ، الفنان الجيد لا يمكن أن يحصل على فرص جيدة أو رعاية كبيرة ! أنت هنا تحصل على رعاية واهتمام إذا كنت فناناً مبتدئاً أو إذا كنت فناناً متفرداً وتقدم شيئاً خاصاً وجديداً لتتجاوز فنانينهم الموجودين ، إذا كنت مبتدئاً ، فأنهم يأخذون بيدك ويساعدونك كي تتطور قليلا ، وإذا كنت مهماً وذا تجربة خاصة ، فسيهتمون بك من أجل بيع لوحاتك أو تسويق نتاجك الفني كي يحصلوا على نسبة المبيعات والفوائد منها ، أما إذا كنت مجرد فناناً جيداً فالمسألة في الغالب غير لافتة للنظر بالنسبة لهم ، فهم لديهم الكثير من ذلك.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. أيمان

    تحية للفنان المبدع ستاركاووش على المقال الجميل والمحزن في ذات الوقت !! نعم أنها مشكلة المغتربين جميعا تقريبا وعلى أختلاف مستوياتهم الثقافية وشهاداتهم العلمية وخبراتهم الفنية التي قد تكون فعلا عالبة ولكن مشكلة اللغة وأتقانها هي من أصعب مشاكلهم !هم يرغبون ب

ملحق معرض اربيل للكتاب

الأكثر قراءة

كلاكيت: "ندم" وعودة الفيلم الجماهيري

الحاكم بمنظور إمام سلطة الحق

العمود الثامن: اربيل تقرأ

مرور نصف عقد على رحيل رفعة الجادرجي 10 نيسان 2020

العدالة الدولية تحت المطرقة (الجزء- 2)

العمود الثامن: جماعة الفشل

 علي حسين ثمة متعة خاصة في قراءة كتب المفكر الفرنسي جاك أتالي، وخصوصاً كتابه عن كارل ماركس والذي أكد فيه على مقولة ماركس الشهيرة "ظلّت الفلسفة تفسّر العالم بطرق مختلفة. ولكن المهم تغييره"....
علي حسين

قناطر: المُوحِشُ المُسْتفرَد بين السعفِ والقبّرات

طالب عبد العزيز من السعف الذي لم تأته الريح من الشمال، ومن الجذوع، أنبأتها الشمسُ بموعد النهار، ومن القصب، لم تثقّبهُ نداءاتُ الراحلين، فظلَّ قصباً الى الحين والابد، أنشأتُ كوخاً، آوي اليه أحياناً، أسجِّي...
طالب عبد العزيز

( 50 ) عاماً على الحرب الأهلية اللبنانية حياةً بين قذيفتين

زهير الجزائري   ( 3) من نافذة الصف تمتد أمامي نازلة بساتين الحمضيات. أحاول أن أهدئ نفسي بخضرتها المتعافية و بزرقة البحر الممتد إلى اللانهاية. أسمع جرس الاستراحة وأقول لنفسي: مستحيل! لا البحر ولا...
زهير الجزائري

في خط الشروع للمشروع الوطني التنموي

ثامر الهيمص لكي تنهض اي امة او شعب، لابد ان يكون لديهما مشروع سياسي واقتصادي واضح المعالم ، لذا ينبغي تجديد كتابة الماضي وفق مسلتزمات الواقع المتجدد ، بما يؤهل المشروع للمقبولية الاجتماعية والتاريخية...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram