علي حسين
في الفترة التي تعرض فيها الكاتب محمد عارف لمحنة المرض، أصدرت دار المدى كتابه "أسفار في العلوم والتكنولوجيا" وفيه قدم لنا حكايات امتزجت بالعلوم الحديثة ، عن الانترنيت والإنسان الآلي والتكنولوجيا الحديثة، وصورا عن عالم المستقبل، وما الدور الذي تلعبه العلوم في حياة الشعوب.
وبعد اشهر قليلة على صدور الكتاب يرحل محمد عارف عن عالمنا بعد أن عاش فيه منقباً وباحثاً عن كل ما يربط العراق بتراثه الحضاري العظيم، مزهوا بما قدمه هذا البلد الى تاريخ البشرية، لم يفلسف حنينه الى العراق. ولم يطلب راتبا تقاعديا وهو يستحقه، ولم يقف على ابواب المسؤولين.
في واحدة من مقالات كتاب محمد عارف نقرأ هذا العنوان المثير " بابل.. سينهض العراقيون" يكتب فيها : "سينهض العراقيون عاجلاً أم آجلاً لأنهم يمثلون بلد حضارة لا يمكن لأحد أن يُطفئ نورها التقدمي".. مقالة تحمل الحنين والحب لبلده الذي تنكر له، فغاب اسمه عن برقيات النعي التي يبرع فيها المسؤولون، وغَّيب ضجيج العشرين ألف منتسب إلى نقابة الصحفيين العراقيين، اسم محمد عارف من لافتة توضع على جدران النقابة باعتباره واحدا من رواد العمل الصحفي وصاحب المسيرة المتميزة في الإعلام منذ أكثر من نصف قرن، منذ قصصه الأولى في خمسينيات بغداد إلى إشرافه على صفحة آفاق بجريدة الجمهورية في سبعينيات بغداد إلى كتابة زاويته الأسبوعية في جريدة الحياة اللندنية لينتهي به المطاف على صفحات صحيفة الاتحاد الإماراتية بمقال أسبوعي عن دور العلوم والتكنولوجيا في حياتنا، وفي بعض الأحيان يأخذه الحنين إلى بغداد فيكتب مقالاً عن نكات العراقيين التي يصفها بأنها: "تُعبِّر عن روح التسامح في المجتمع العراقي الذي تتعايش فيه وتتزاوج القوميات والمذاهب، وحتى الأديان المختلفة".
يأخذنا محمد عارف في كتاباته للغوص معه في رحلة فكرية وعلمية وأدبية، بدأت عندما قرر أن ينشر قصصه القصيرة في صحف بغداد في الخمسينيات وهي القصص التي وصفها غائب طعمة بأنها من أجمل ما كُتب في السرد العراقي، لتمر رحلة محمد عارف بمحطات كان فيها مصرّاً على أن يستبدل القصة القصيرة، بدراسة علوم الفضاء التي عشقها وغيّرت مصيره بالكامل ليتّجه إلى مهنة واحدة هي الكتابة في مجال العلوم وأحدث ما تنتجه العصر الحديث.
عاش محمد عارف مثل شخصية تشبه حكيماً قادماً من زمن مختلف، يخشى على بلاده التي غادرها مجبراً بعد تجربة مريرة مع الملاحقة والمنع، ويخفي خشيته بنوبات من الحنين والأسى أحياناً، على زمن جعل من العراق مجرد ذكرى لحلم يريد له البعض أن يمرّ سريعاً.
يغيب محمد عارف، فتنطوي معه صفحة مشرقة من تاريخنا الثقافي الذي يريد له البعض ان يتحول الى اهزوجات طائفية.