TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > هي منظومات الأمان!

هي منظومات الأمان!

نشر في: 5 فبراير, 2025: 12:02 ص

د. أثير ناظم الجاسور

من بديهيات عمل الدولة او اكثر تحديداً الحكومات أن تتشكل من مجموعة من المحركات فضلاً عن السلطات المتعارف عليها في كل الأنظمة السياسية وتُشكل بالمحصلة منظومة أمان، ومنظومة الامان هذه تحتوي بداخلها منظومات أساسية وساندة وحتى قد تكون ثانوية في محطات اخرى او مناسبات معينة، فكرة ان تكون الدولة منظومة أمان للمواطنين هذا حال لا بد منه لا بل هي قائمة (الحكومات) على ذلك الشيء وتعمل على تعزيزه في كل المراحل والمسارات التي تمر بها، السؤال هنا كيف يشعر المواطن بوجود هذه المنظومة وما اذا كانت هناك منظومات اخرى تعمل على تحقيق الامان له؟، وهذا يُحيلنا لسؤال أخرى كيف يحتل هذا المواطن جزء من تفكير هذه المنظومة او المنظمومات الاخرى؟، بالحقيقة هذا المقال فكرته مستوحاة من الفيلم المصري (فبراير الاسود) والذي جسد فيه الفنان الراحل خالد صالح دور اب لأسرة علمية لا علاقة لها بالسلطة تعرضت لحادث في رحلة سفاري بينت مقدار التمييز بين المواطنين من قبل أجهزة الدولة وهم يسعفون الغارقين في الرمال، مما جعل هذا الاب بعد ان صنف الدولة لمجموعة من المنظومات الآمنة او الامينة البحث عن طريقة تساعده اما بترك البلاد أو الغوص في واحدة من المنظومات التي صنفها وهي (منظومة المناصب السيادية - منظومة القضاء - منظومة الثروة) والمنظومة الاخيرة قد تكون هي المُسيطر والمحرك للمنظومتين
السابقتين لما تحمله من أهمية وتأثير.
قد يختلف التصنيف بين دولة واخرى او المسميات لما للدولة من محركات ولما للاختلاف في ديناميكية العمل وما قد يكون هدف هنا قد يكون غاية وهناك وهكذا تسير وفق مرتكزات عمل معين، لكن لو أردنا الإجابة عن السؤالين السابقين لابد من تحديد مستويات الامن والامان الداخلي الذي من الممكن أن تقدمه الدولة لمواطنيها، ايضا لابد من الوصول للمعيار الذي من خلاله نُحدد قدرة الدولة على ان تحتل هذا الموقع المهم في تحقيق الامان، وهذا يتطلب قراءة سلوك الدولة واجراءاتها الداخلية وقراراتها تجاه مواطنيها بمختلف الوانهم دون تمييز بالمعنى الادق لا تلعب الهويات اي دور في هذا الجانب سوى ان هناك مواطن بحاجة للرعاية والحماية، هذا القياس قد يكون صعباً اليوم في عالمنا لما للمحركات الموثرة داخل الدولة فضلاً عن نشاط الهويات الفرعية التي ساهمت في تعزيز فكرة التمييز بين هذا وذاك، ففكرة التكامل باتت غير متوفرة لا في عقل النخب ولا حتى في عقل من في السلطة بعد أن أصبحت عملية تداول السلطة للاكثر وللاقوى لا للكفوء والمتميز، بالتالي فإن عملية تحقيق الامان اصبح اشبه بالصَدَفة التي تغلف الهويات كل حسب ما تمتلكه من جمهور وقوة مدعومة بالمال وطالما هذه الصَدَفَة موجودة فهي صعبة الاختراق ولا حتى النقد، بهذه الطريقة تم تجزئة المواطن بين مع أو ضد والأخير ايضا يدور ضمن هوية، ليبقى ذلك الذي لا علاقة له بالهويات المؤمن بالمجموع أو المؤمن بالكلية الغير مجزأة، الذي سيعاني في كل المراحل من فقدان الأمان لمجرد انه خارج اطار تلك المنظمومات الثلاث المرسومة ضمن سياق الهويات سواء كانت دينية او قومية او مذهبية او حتى سياسية (حزبية) تحديداً.
فكرة ان يشعر المواطن بوجود منظومة آمنة متكاملة تعمل لأجله شي بمنتهى الروعة لكن بناء هكذا منظومة يتطلب دراسة ودراية عميقين في فهم عملية إدارة الدولة، لأن الاخيرة قد تكون وبسبب عبثية الادارة الغير منطقية تتحول إلى دولة هشه غير قابلة على حماية حتى نفسها مما يساعد ذلك على انتاج الصراعات الداخلية التي بالضرورة ستخلق تابوهات سياسية واجتماعية تعزز فكرة التصنيف والتمييز بين البشر، وهذا يخلق ايضا اكثر من تنظيم داخل الدولة سياسي واجتماعي بتفرعاتها المختلفة تعمل على أضعاف الدولة لتحل محلها، فضرورة وجود منظومة حكومية أمنه يساعد على زراعة الثقة ومن ثم العمل المتبادل على تأسيس مساحات أمنه تعزز فكرة الوطن.
بالمحصلة ستكون الإجابة عن السؤال الثاني إذا عمل المواطن جاهدا ان يكون ضمن هذه المنظومات لابد من أن يترك فكرة التكامل اي بأكثر تحديد أن يكون ضمن صف المطبلين لرفض الهوية الوطنية من داخله كما في الفلم المُشار إليه، وأن يكون ضمن قطيع هوياتي تاركاً كل الاعتبارات الوطنية والانسانية لغرض الحصول على أقل تقدير حماية ضمن وقت محدد، بهذه الطريقة ستعمل المنظومات على كسب التأييد من قبل ثلاث انواع من المواطنين الاول هو المنتمي الذي يعمل بكل مدركاته لها والثاني المواطن الضد الذي يعمل ايضا بكل مدركاته ليكون الضد الذي يمثله مساعداً في تعزيز مكانته، والثالث هو اللامنتمي بالنسبة للآخرين وهذا سيعمل بكل ما له من قدرة على تعزيز فكرة الخوف من تلك المنظومات التي لاي ينتمي إليها بعد أن تستوطن فكرة الاستلاب عليه، مما يعمل جاهدا اما بترك منظومته الفكرية والعقلية والذوبان مع القطيع او يترك فكرة الوطن في سبيل الحفاظ على الامان النفسي والفكري والبدني.
لا دولة من غير مواطن صالح يشعر بالأمان في كنفها وهذا الشعور يُعطي الدافع بالانتماء بعد نيل الحقوق والحرية في كل ما هو إيجابي ومُشجع لبناء حياة كريمة، فمنظومة الامان التي اقتصرت على حماية النخب ومن في السلطة لابد أن ان تعي ان المساحة الجغرافية التي تحكم بهذا الأسلوب هي مساحة محترقة مقدماً سياسياً واجتماعياً خصوصا وإن الشعور العام يتحرك ضمن شعور أن بلاده تُدار من قبل الاخرين ولمصلحة الاخرين، وهذا بحد ذاته استبعاد وتهميش غير مشروع يساهم في وضع نقطة البداية لتغيير مشروع نهايته مواجهة جدران من الرفض التي تساهم في البداية على تغيير المزاج الجمعي من ثم التغيير الفكري وكل ما هو منتمي، بالتالي لابد من ان تكون الدولة هي منظومة الامان لمواطنيها من كل من يحاول العبث بحياتهم ومقدراتهم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

التعليم العالي في العراق.. شهادات من الواقع

العمود الثامن: في ذكرى المتسامح الأكبر

تشريع ما لا يجوز تشريعه

العمود الثامن: أنا أسف

العمود الثامن: لماذا لا يتقاعدون؟

العمود الثامن: تكريم المستقبل في دبي

 علي حسين بعد ايام تنعقد في دبي القمة العالمية للحكومات التي اطلق عليها الشيخ محمد بن راشد عنوان مثير " قمة القمم " ، واذا اردت ان تعرف عزيزي القارئ لماذا سميت "...
علي حسين

سوريا وسيناريو "العرقنة"

إياد العنبر يؤسفني وأنا عراقي أن أكتب عن تجربة تغيير نظام دكتاتوري، وبلادي لا تزال تراوح مكانها ولم تنجح في تجاوز آثاره لا على الدولة ولا على المجتمع. وأثناء إذاعة خبر "سوريا من دون...
اياد العنبر

هي منظومات الأمان!

د. أثير ناظم الجاسور من بديهيات عمل الدولة او اكثر تحديداً الحكومات أن تتشكل من مجموعة من المحركات فضلاً عن السلطات المتعارف عليها في كل الأنظمة السياسية وتُشكل بالمحصلة منظومة أمان، ومنظومة الامان هذه...
د. أثير ناظم الجاسور

في العراق: البحث عن بدائل حديثة لضمان تغيير حقيقي!

جيروم شابويزا ترجمة: عدوية الهلالي تنص المادة الأولى من دستور 15 تشرين الأول 2005 على أن الدولة العراقية هي دولة اتحادية واحدة ذات نظام جمهوري نيابي برلماني ديمقراطي.وكل هذه المصطلحات مستعارة من المفردات الدستورية...
جيروم شابويزا
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram