أمحوك لأصعد في الأعالي

طالب عبد العزيز 2014/01/07 09:01:00 م

أمحوك لأصعد في الأعالي

لا تبلغ الكلمات مبلغ الصورة، وتقف لغتنا -بما عرف عنها من مقدرة- عاجزة عن تصوير ما يحدث للناطقين بها في البلاد العربية اليوم، إذ يكون من الصعب جداً رسم المعاني المبتغاة في مشهد المقاتل من داعش، وهو يركل بقدمه رأس غريمه الذي قتله في الشريط المنشور على اليوتيوب، كذلك ما قام به أحد زعماء التنظيم حين امر بجلْد لاعب الكرة، المتخلف عن صلاة الجمعة بـ 25 جلدة أمام حشد عريض من الرجال والأطفال والنساء، نعم، في ذلك الكثير مما يحيلنا إلى القصص والروايات التي تحدثت عن الإيغال في الانتقام بقصد بلوغ أقصى غايات التشفي بما عرف في النفس البشرية من قسوة ووحشية وفي نفوس البعض من سكان المنطقة العربية من جلف وتصحر. لكن ذلك كان في الكتب والروايات وفي العصور المنصرمة وبما ينسجم مع معطيات العصور تلك.
هنالك قصد مضمر في الضمير الإنساني العربي الشرق أوسطي، فردوس خاص يسعى له بكليته العربي المسلم بخاصة، لا يفرّط به ولا يحجبه عنه حاجب وسواء لديه التفريط بحياته أو التفريط بحياة غيره من أجله، قصد غيّب عنه كل معاني الوجود الآدمي. ولا يمكنني نسيان مشهد المطبّر الهندي الذي شق ظهره بالسيف وهو يحيي العاشوراء هناك، في مشهد لم أطق رؤيته على الشاشة الصغيرة، كذلك ما يفعله بأنفسهم المطبّرون لدينا، بل وما يفعله البعض حين يختصمون، ولا تختلف صورة القسوة والانتقام بفعل القصد المضمر ذاك بالنسبة لي فهي سواء أفعلت ذلك بنفسكَ أو بغيرك، لأن الجسد واحد، أكان لك أو لغريمك، ولا أنسى لحظة اختفاء المرأة التي أرادت أن تنتقم من زوجها الراغب بالزواج من ثانية، ساعة أقفلت باب الحمّام وألقت بصفيحة البنزين عليه ثم أشعلت النارَ به، هي لحظة انتقام خاصة لم يشفع للمرأة أداؤها مناسك الحج مرتين، مثلما لن يردعها عن ذلك مأتم العزاء الذي تقيمه بمناسبة العاشوراء منذ ثلاثين عاماً. بل لم يشفع لها أحفادها وقد ناهزت الستين عاماً.
يزخر الأثر العربي الإسلامي بما يفوق ذلك بكثير، لا بل يزخر التاريخ الإنساني بمثل ذلك أيضاً، لكن الشعوب المتحضرة غادرت المنطق هذا إلى ما يعزز من كرامة الانسان ويؤكد حضوره بما ينتفع وينفع به، وحين نتحدث عن الإنسان بوصفه قيمة عليا لا نجد القيمة تلك في أفعال الساعين لبسط سلطة الآلهة لدينا في منطقتنا العربية، حتى بتنا نسأل ألا يتحقق وجود الذات الإلهية إلا على أجساد البعض منا؟ ولماذا يطغى منطق الموت على جوهر الحياة، وأين صورة البناء ومعاني الوجود الحياتي في موروثنا الفقهي وأدبياتنا الدينية، ولماذا تتقدم صورة الخلود في الجنة واللهو بطيبات الآخرة على مشاريع حياتنا وموجباتها دائماً؟
لا يخرج ما يتعرض له إنساننا من موت وتشريد وسحق في العراق وسوريا ومصر وعموم المنطقة عن فكرة الحرق والمحو من أجل المرضاة والخلود في الفردوس، التي تظل على الرغم من تأكيدها في الكتب السماوية فكرةً لا أكثر، ذلك لأن أحداً ما لم يؤكدها لنا من هناك، وإن سلّمنا بتأكيدها، وهي لعمري فكرة لا تخلو من الجمال والرفعة، ترى اما من سبيل غير القتل والمحو والسحق اليها؟ كانت كلمة بابا الفاتيكان بندكتوس الأخيرة بمناسبة أعياد الميلاد صادمة للكثير من المسيحيين، كلمته التي تحدثت عن وهم الجنة وأسطورة آدم وحواء...لم يكن البابا جريئاً، متجاوزاً لحدود قداسته إنما كان نتاج العقل والحراك الآدمي هناك، لأن الحياة ومنطقها العام تجاوز الوهم والأسطورة إلى المعاني العظيمة الكامنة في الحياة نفسها، حيث صار الانسان هناك لا يرى وجوده إلا من خلال وجود الآخر معه، على العكس من منطقنا العربي المسلم --بضوء معطيات الفهم الذي جاءت به الكثير من الكتل والتيارات الإسلامية (قاعدة، مليشيات، داعش، وهابية، أخوان مسلمين، جيش المختار...)- التي لا ترى وجودها ولا يتحقق صعودها الى المرضاة والخلود في الفردوس إلا من خلال محو وسحق وفناء الآخر فيها، أي آخر!!!

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top