TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > "هدية" حضيري أبو عزيز

"هدية" حضيري أبو عزيز

نشر في: 5 مايو, 2015: 09:01 م

الراحل داخل حسن ليس بحاجة الى تعريف، فهو كغيره من مطربي جيله تغنى بالمصيبة وكانت وقتذاك لا تتعدى صدود الحبيبة، وتنصلها عن التزامها بان تكون رفيقة حبيبها وشريكة حياته حتى نهاية العمر، ابو كاظم رحمه الله تغنى بمصيبته حين قال "ياطبيب صواب دلالي كلف" فجسد معاناته الشخصية طالبا العلاج لقلبه المعطوب، لعل من استهانت بمشاعره وخانت العهد والوعد تسمع صوته، لكنها لاسباب شخصية واجتماعية، فضلت الخروج من المشهد مع نماذج اخرى، لتضيف للاغنية العراقية طابع الحزن والشجن، نقله الى الجيل الجديد المطربون الرواد داخل حسن وحضيري ابو عزيز وناصر حكيم وغيرهم، المصيبة في مقاييس ذلك الزمن، كانت كبيرة وسواء انطلقت من تجارب العشق الفاشلة الحقيقية او المفترضة او من خيال الشعراء، فانها كشفت عن توجه صادق لطرح المعاناة وابداء الاسف لتبدد امنيات وضياع احلام، تعكس احترام الحب وتتويجه بالزواج، وربما لهذا السبب عالج داخل حسن جراح زميله حضيري حين غنى له "ياحضيري بطل النوح شالت هدية" داعيا زميله الى الكف عن النواح والبكاء، لان هدية غادرت الديار واتجهت الى مكان مجهول.
في الظروف الامنية والسياسية المستقرة تعكس الاغنية بوصفها جزءا من ثقافة المجتمع الهموم اليومية قبل ان تسخر لخدمة اغراض اخرى تلبي حاجة السلطة الى التعبئة، والتغني بالمكتسبات والمنجزات، الاغنية العراقية فقدت هويتها وعفويتها، حين جعلتها السلطات المتعاقبة أداة اعلانية لتجميل الخراب وتلميع وجوه كالحة، تبثها وسائل الاعلام الرسمية على مدار الساعة، فاصيبت بالانحطاط المزمن، مع استثناءات قليلة، تعيد للاذهان صورة الزمن الجميل المفقود، وسط ضجيج وصخب مخربي الذوق العام .
بمقاييس الزمن الراهن هل تستحق عشيقة حضيري "هدية" النواح والبكاء وتجبير الخواطر لتجاوز ازمة شخصية؟ طرح السؤال في ظل الموت المجاني اليومي، والمكوث الثقيل لنكبة حزيران العراقية على صدر الوطن، يجعل ممارسة مظاهر الحياة الطبيعية على الهامش، فيما يتضمن المتن، الخوف والقلق من مصير مجهول، وامنيات مؤجلة تنظر الى استقرار الاوضاع الامنية واحدة من المعجزات، المصيبة العراقية لا تستوعبها قصيدة او لوحة او فلم سينمائي وحتى اغنية تعيد الشجن المتكلس في النفوس منذ قرون، فما يجري على الارض دمار شامل، يهدد الحياة بكل صورها، الساسة من زعماء القوى والتنظيمات العاملة في الساحة، ورؤساء الكتل النيابية، المشاركة في الحكومة الحالية تقع على عاتقهم مسؤولية بعث الاطمئنان بنفوس ابناء شعبهم، وانقاذهم من الموت المجاني، معجزة من هذا النوع تبدو مستحيلة لان النخب السياسية تخطط لارسال مركبة فضائية الى كوكب المريخ للبحث عن "هدية" حضيري، ولم تضع في برامجها، بلورة موقف موحد مع الاطراف الاخرى لحفظ امن البلاد والخلاص من المصيبة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. شرهان قاطع

    حضيري ابو عزيز فنان لا يتكرر رحمة الله عليه

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

 علي حسين منذ ان ظهرت الديمقراطية التوافقية في بلاد الرافدين ،والمواطنونالعراقيون يبحثون عن مسؤول مختلف يمنحونه ثقتهم، وهم مطمئنون ، رغم أنهم يدركون أنّ معظم السياسيين ومعهم المسؤولين يتعاملون مع المناصب على أنها...
علي حسين

قناطر: ليلُ العشَّار الطويل

طالب عبد العزيز يحلَّ الليلُ باكراً في أزقّة العشَّار، أزقته القصيرة والضيقة، التي تلتفُّ عليه من حدود شبه جزيرة الداكير الى ساحة أم البروم، يحدث ذلك منذ سنوات الحرب مع إيران، يوم كانت القذائفُ...
طالب عبد العزيز

محاسبة نتنياهو وغالانت أمام محكمة الجنايات الدولية اختبار لمصداقية المجتمع الدولي

د. أحمد عبد الرزاق شكارة يوم عظيم انتصاراللعدل عبارة تنم عن وصف واضح مركز ساقه الاستاذ المحامي الفلسطيني راجي صوراني عن طبيعة الدور الايجابي المؤثر للمحكمة الجنائية الدولية متمثلا بإصدار مذكرتي القاء القبض تخص...
د. أحمد عبد الرزاق شكارة

الاندماج في العراق؟

أحمد القاسمي عندما نسمع بمصطلح الاندماج يخطر بأذهاننا دمج الأجانب المقيمين في بلد ما. فاستخدام هذا المصطلح بات شائعا منذ بضعة عقود في الغرب ويُستخدَم غالبا عند الحديث عن جهود الدولة أو مؤسسات المجتمع...
أحمد القاسمي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram