في يوم الثلاثاء القادم، السادس من تشرين الثاني/نوفمبر سينتخب الأميركان رئيساً جديداً، وفي يومين لاحقين من ذلك التاريخ، في يوم الخميس المصادف 8 تشرين الثاني/نوفمبر سيبدأ الحزب الشيوعي الصيني الحاكم أعمال مؤتمره التاريخي. وحتى وقت قريب كانت نتائج الحدثين أمراً منتهياً منه، كل المحللين والخبراء السياسيين كانوا متفقين على أن الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما سيفوز بدورة ثانية، وعلى أن شيوعييّ الصين سيتجهون في تغيير قيادتهم الحالية إلى تسمية كسي رئيساً جديداً للحزب، لكن الأمور لم تجر بما اشتهته رياح المحللين والخبراء هؤلاء سواء في ما تعلق الأمر ببارك أوباما أو بنتائج انتخابات قيادة جديدة للحزب الشيوعي الصيني. فحسب استطلاعات الرأي الأميركي والتوقعات أصبح من الصعب التكهن بنتائج الانتخابات المفتوحة وأن احتمالات فوز رومني المرشح الجمهوري متساوية مع مرشح الحزب الديموقراطي باراك أوباما. أما في الطرف الآخر، في الصين، فقد بدأت الصراعات الداخلية داخل صفوف الحزب الشيوعي الصيني تطفو إلى السطح، لتبين درجة الغليان القوية التي تجري تحت السطح، والتي تكشف أيضاً زيف الانسجام الظاهري التي تبديه قيادات الحزب أمام الرأي العام. تسريب وثائق لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية تكشف عن إثراء عائلة وين جياباوس، رئيس الحكومة الصينية الحالي هو واحد من فضائح عديدة بدأت تهز الصين في الفترة الأخيرة.
إنها لمفارقة بالفعل أن يسبب الأميركيون والصينيون ودون وعي منهم، ببث حالة من القلق إن لم يكن من الاضطراب في كل ما يجري في العالم من أحداث. في الصين مثلاً سيجتمع قياديو الحزب الشيوعي وأصحاب السلطة الأقوياء بالضبط في الوقت الذي سيصبح فيه اسم الرئيس أميركي المنتخب الجديد أمراً ثابتاً. للمرة الأولى في التاريخ تشهد القوتان العالميتان قرارات سياسية حاسمة في نفس الوقت. قبل ذلك كل الخيارات تظل مفتوحة. فطالما لم يُرم النرد في واشنطن وبكين، يبدو بقية العالم محكوماً بالانتظار وبالمراقبة. أليس تلك هي مفارقة كبيرة: أن عالماً كبيراً بما كل ما يحمله من تنوع ثقافي وحضاري، اقتصادي وبشري، يعيش قدراً عبثياً بهذا الشكل. قال فيلسوف الوجودية الفرنسي جان بول سارتر : العالم محكوم بما يحدث في أميركا والصين، يقول واقع الأمور الآن.
نظرة متفحصة للعالم توضح لنا الصورة أفضل. في كل المناطق المشتعلة في العالم تسيطر حالياً حالة من السكون. نعم شلل في كل مكان: سواء في سوريا للعثور على حل للحرب الأهلية الدائرة هناك، أو سواء في العراق وما يخص ديموقراطيته الهشة والخوف من نشوب حرب أهلية تأكل كل ما بقي من يابس (لأن لا أخضر في العراق!). سواء في ما يتعلق بالتغيير المناخي في الكرة الأرضية، سواء في ما يخص الأزمة الأقتصادية في أوروبا. سواء فيما يتعلق بما يُطلق عليه الربيع العربي أو سواء فيما يخص إيران والضربة الإسرائيلية المحتملة. ليس هناك مشاريع سياسية حازمة في أي مكان في العالم. في الوقت "الضائع" هذا تستطيع كل الخطط التقشفية المهلكة وغير النافعة تدمير بلدان البحر المتوسط الأوروبية على راحتها، البلدان النامية التي عاشت قفزة اقتصادية كبيرة من البرازيل وحتى الهند من الممكن أن يسقطوا في وحل فضائحهم، الحروب الأهلية التي لا أمل لحلها من أفغانستان مروراً بمالي وحتى الكونغو يمكن أن تصبح حقيقة واقعة أكثر، حمى شراء السلاح في العراق يمكن أن تصبح بديلاً عن تقديم الخدمات للعراقيين من كهرباء وبناء طرق وتوفير ماء صالح للشرب. إذا لن تكون على حساب توفير الأمن والسلم الاجتماعي في البلاد . أما في ما يخص الأحداث العالمية الدائمية، مثل البرنامج النووي لإيران أو الصراع في الشرق الأوسط ، التجارة العالمية ومكافحة الفقر في العالم. أسواق المال العالمية تعيش حالة من التردد، فيما تدور أوروبا حول نفسها ولا تعرف ماذا تفعل مع اليونان وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال.