TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > جاك بريل شاعراً ؟

جاك بريل شاعراً ؟

نشر في: 3 يونيو, 2016: 09:01 م

كان جاك بريل (1929  - 1978) يكتب نصوصه بنفسه. وحسب متابعتنا، تَعتبر الثقافة الفرنسية بريل شاعراً أقلّ مما تعتبره مغنيّاً كبيراً، النساء خاصةً. نعرف أن هناك كتاباً صدر عن "شعريته" (برونو هونغر وبول لدسكي: العالم الشعريّ لجاك بريل، هارماتان 1998)، وهناك صفحة على الفيسبوك مكرّسة له تحت عنوان (جاك بريل شاعر قبل أيّ أمر آخر).
لعلّ تقييم الثقافة الفرنسية لمفهوم الشاعر يختلف عن مفهوم الشاعر في ثقافتنا العربية التي تطلق صفة الشاعر على الزجّال والشاعر الشعبيّ ومؤلف الكلام العادي المقفّى ومؤلفي كلمات الأغاني الجيدة والهابطة، وفي العراق يقال للنائحة في المآتم (شاعرة)، وعلى الشاعر (ة) العميق (ة)، بالمستوى نفسه. الفرنسيون يحترسون على ما يبدو من إطلاق الصفة ويَحْذَرون، كأنّ للشاعر معنى أعمق وأرهف وابْصَر.
في الثقافة الفرنسية يوصف بريل بأنه "شاعر ومؤلف يُغنّي ما يكتبه chansonnier". ووصف بأنه مغنٍ وشاعر ومؤلف موسيقي، وقيل عن (نصوصه) الأولى في بروكسل بأنها كانت تتميز بحرية النبرة وعنف المشاعر. عندما صدر ألبومه الغنائيّ (عندما ليس لنا إلا الحبّ) عام 1957 وقع الترحيب به عالياً، بسبب "السطوة الشعرية لنصوصه المتأرجحة بين العذوبة والعنف". وفي مقالة يوم 3-1- 2016 في صحيفة لافيغارو الفرنسية، تكتب فاليري دوبونشيل بأن الشاب بريل "قارئ جول فيرن وجاك لندن، عضو الكشّافة السابق، والشاعر السابق الطموح ex-poète en herbe، الناجي من مصنع الورق المُقوّى العائليّ في بروكسل.."، كأنها لا تعتبره شاعراً عندما أدرك مجده.
في مقابلة عام 1973 مع جاك سانسيل وهو مقدّم برامج حينها، على هامش مهرجان مدينة كان، طرح سانسيل على بريل هذا السؤال: "أكان بإمكانك أن تكون شاعراً؟ بكلمات [كتبتَها] من قبيل "مع كاتدرائيات من أجل جبال فريدة، ونواقيس سوداء مثل صَوَارٍ ملساء" [...]، أليست هذه قصيدة؟". إجابة بريل: نعم، ليس حين كتابتها. ثم هذا السؤال: "ما الذي ينقصك لتكون شاعراً". جواب بريل: أنْ أؤمن بذلك.
ويعلق ناقل هذا الحوار القصير في مجلة (لا نوفيلست، العدد 37487  عام 2006)  أن ثمة تواضعاً زائفاً في رفض بريل الإقرار بخصّيصته شاعراً، وما علينا إلا قراءة الفصل المعنون "بريل ونظم الشعر الفرنسيّ" في ملحق السيرة الذاتية التي كرّسها له أوليفييه توود الذي يذكر أن بريل كان على قناعة تامة بان ما يُنجزه إنما هو عمل شاعر. وهو في الحقيقة، يقول المعلّق، شاعر غير قياسيّ، يقوم بإنجاز ما لا يقوم الآخرون به وينقل عن كاتب السيرة: "في الأغنية وخاصة عند بريل، ولأنها تأويل في المقام الأول، فإن قواعد النظم الكلاسيكيّ، يقع الالتفاف عليها، تُحطَّم وتُنتَهك".
هنا بعض المفارقة، بسبب أن (الشاعر بريل) ليس مطلق اليد في نصوصه المُغناة، مثل الغالبية المطلقة من المغنين الأوربيين، إذ أننا نعرف أن عازف البيانو جيرار جوانيست كان يساهم معه في كتابة عناوينه الأكثر شهرة وأنه قد أغنى نصوص بريل ببساطة وفاعلية ألحانه، بينما كان عازف البيانو فرانسوا راوبير يُحسّن تناسقاتها وتوزيعاتها الموسيقية.
رغم ذلك يشفُّ بريل هنا وهناك، وليس نادراً قط، عن شاعر كبير. أليس هو القائل "لا يركع المرء إلا لاقتطاف زهرة"، والقائل إن "الطفل هو الشاعر الأخير في العالم، المُصِرّ أن يغدو كبيراً".
جاك بريل مثال جيّد بشأن تعريف ثقافتين لمفهوم الشاعر.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. سامي عادل البدري

    شكراً على هذه المقالة الجميلة الوجيزة، كأنها ترتدي بأناقة بعض أغاني بريل الزجيلة.

  2. سامي عادل البدري

    شكراً على هذه المقالة الجميلة الوجيزة، كأنها ترتدي بأناقة بعض أغاني بريل الزجيلة.

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram