اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > نبوءات أفلاطون الشعرية

نبوءات أفلاطون الشعرية

نشر في: 2 أكتوبر, 2017: 09:01 م

قبل أكثر من عشرين عاما قرأتُ (جمهورية) أفلاطون، واليوم اقرأها من جديد لسبب يتعلق بمفهوم أفلاطون العميق عن الفن الشعريّ (اقرأُ ترجمة د. فؤاد زكريا العربية وأمامي النصّ الفرنسيّ أيضاً)، لاكتشف أن قراءتي القديمة "سطحية" بكل بساطة، ومحض إسقاط لا شعوريّ للمختصرات التي قرأتها عن أفلاطون "المثاليّ" مقابل أرسطو "الماديّ".
تأكدت أيضاً، عَرَضاً، من صواب فرضيتينا القائلة إن ابن خلدون يُنشئ مدينة فاضلة بالمقلوب بناءً على "الجمهورية"، وهو ما حاولنا تطويره في عمل بعنوان (الفن والحرف لدى ابن خلدون: المدينة الخلدونية الفاضلة). دين ابن خلدون وغيره من الفلاسفة المشارقة يستحق المزيد من الضوء. كما أن الفارق في فهم مبدأ (المحاكاة) بين أفلاطون وأرسطو، يستوجب توقّفاً عميقاُ في الثقافة العربية التي تبدو الأقرب لأرسطو بشأن الشعر والشعريات، ما عدا النص القرآنيّ الأقرب للمفهوم الأفلاطوني، إذا لم يكن صدى عميقاً له، وقد كتبنا ذات مرة هنا في "المدى" عموداً عن تلاقي سورة الشعراء مع تصورات أفلاطون عن الشعراء الذين (يقولون ما لا يفعلون)، وفق اعتقاده بمفردات أخرى، ويفرطون بالمبالغة والأكاذيب في توصيف الآلهة و(في كل وادٍ يهيمون).
لكنك لتعجب من خلاصاته الدقيقة بشأن علاقة مثقف السلطة بالسلطة. لقد كان مثقف السلطة في يومه هو الشاعر التراجيديّ، ومثاله يوربيدوس خاصةً. دعوني أنقل لكم ما يقول وفق ترجمة د. فؤاد زكريا التي لن أحسن خيراً منها في هذا المقام:
"وعلى ذلك، فإن شعراء المأساة، لما كانوا حكماء حقاً، فإنهم سوف يلتمسون لنا عذراً، ولكلّ حكومة مشابهة لحكومتنا، حين نأبى أن نقبلهم في دولتنا، ما داموا يمتدحون الطغيان.
فقال: أعتقد أنهم سيطوفون البلاد واحدة تلو الأخرى، فيجمعون الجماهير، ويستأجرون أصحاب الأصوات الجميلة المقنعة، لكي يغروا الجماهير على الأخذ بدستور إستبدادي أو ديمقراطيّ.
- هذا صحيح.
- وهم فضلا عن ذلك يتلقون الأموال والمكافآت على خدماتهم هذه من الطغاة بوجه خاص، كما هو منتظر، وكذلك من الديمقراطيات في المرتبة الثانية. غير أنهم كلما ارتقوا إلى حكومات أرفع، تدهورت سمعتهم وكأنهم متسابقون انقطعت أنفاسهم فعجزوا عن متابعة السباق". شيء مذهل.
بالنسبة لأفلاطون هناك (مُصَنِّعُون) و"مفبركون" للتراجيديا حسب معايير جاهزة، وهو ما يتطابق مع ملاحظات نقدنا الشعريّ الحديث القائل بوجود أنساق جاهزة ولغة موحدة للقصيدة، مُسْتهلَكَة. لقد مسّ الفيلسوف اليونانيّ مشكلة ما زالت شاخصة منذ القرن الرابع قبل الميلاد.
ستستغرب بعد ذلك وتتساءل فيما إذا تحدث أفلاطون عن الشعر الشعبيّ والشعر الحسينيّ؟ تعاود قراءة جمهورية أفلاطون بدقة، وتقرأ:
"الأفضل من بيننا، عندما نصغي لهوميروس أو لأيٍّ من مُصنِّعي التراجيديا وهو يُحاكي بطلاً مُنغمساً بعذاباته مُصَعِّدَاً، في خِضم نحيبه، خطبة مُسهبة عنيفة [ترياد]، أو حين نرى هؤلاء الأبطال وهم يُغنّون ضاربين الصدور، تعرف بأننا نشعر بالسرور ونحن نتابعهم متخلّين عن أنفسنا بعذاب مثل عذابهم، وبجدية عظيمة نمتدح، كشاعر جيد، ذاك الذي يعرف وضعنا قدر الإمكان في مثل هذه الحالة".
ترجمة هذا المقطع لنا عن الفرنسية، وهي تتفارق باللوينات مع ترجمة د. فؤاد زكريا.
ألا تمسّ هذا الفقرة ما نسميه اليوم الشعر الشعبيّ، العراقيّ خاصةً، وشعر المنبر الحسينيّ؟ أظنّ، خاصة مع معرفة أن شعراً شعبياً بالمعنى الراهن قد لا يكون له وجود عند الأغريق، لكن رثاء بطل أغريقيّ على نمط رثاء شخصيات واقعة الطف، هي إمكانية قويّة جداً، وهي التي يُلمّح المقطع إليها.
هل ترك شيئاً لم يقله؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

المتفرجون أعلاه

جينز وقبعة وخطاب تحريضي

تأميم ساحة التحرير

زوجة أحمد القبانجي

الخارج ضد "اصلاحات دارون"

العمودالثامن: جمهورية بالاسم فقط

 علي حسين ماذا سيقول نوابنا وذكرى قيام الجمهورية العراقية ستصادف بعد أيام؟.. هل سيقولون للناس إننا بصدد مغادرة عصر الجمهوريات وإقامة الكانتونات الطائفية؟ ، بالتأكيد سيخرج خطباء السياسة ليقولوا للناس إنهم متأثرون لما...
علي حسين

قناديل: لعبةُ ميكانو أم توصيف قومي؟

 لطفية الدليمي أحياناً كثيرة يفكّرُ المرء في مغادرة عوالم التواصل الاجتماعي، أو في الاقل تحجيم زيارته لها وجعلها تقتصر على أيام معدودات في الشهر؛ لكنّ إغراءً بوجود منشورات ثرية يدفعه لتأجيل مغادرته. لديّ...
لطفية الدليمي

قناطر: بين خطابين قاتلين

طالب عبد العزيز سيكون العربُ متقدمين على كثير من شعوب الأرض بمعرفتهم، وإحاطتهم بما هم عليه، وما سيكونوا فيه في خطبة حكيمهم وخطيبهم الأكبر قس بن ساعدة الإيادي(حوالي 600 ميلادية، 23 سنة قبل الهجرة)...
طالب عبد العزيز

كيف يمكن انقاذ العراق من أزمته البيئية-المناخية الخانقة؟

خالد سليمان نحن لا زلنا في بداية فصل الصيف، انما "قهر الشمس الهابط"* يجبر السكان في الكثير من البلدان العربية، العراق ودول الخليج تحديداً، على البقاء بين جدران بيوتهم طوال النهار. في مدن مثل...
خالد سليمان
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram