بغداد / تميم الحسن
حين قُتل "أبو خديجة"، الرجل الثاني في تنظيم "داعش" الشهر الماضي في العراق، كان ذلك بمثابة "عربون سلام" من الحكومة السورية الجديدة وتركيا.
ومن المفترض أن يزور محمد شياع السوداني، رئيس الحكومة، أنقرة قريبًا، للمرة الثالثة منذ توليه السلطة قبل أكثر من عامين، وسيكون الملف السوري و"التواجد التركي" ضمن المناقشات، بحسب ترجيحات.
وبدأت العلاقات العراقية – التركية في التعافي بعد أن تقدمت بغداد بخطوات تجاه "حظر" حزب العمال الكردستاني المعارض لأنقرة.
وتشن تركيا هجمات على العراق منذ نحو 40 عامًا لملاحقة حزب العمال المعروف اختصارًا بـ"بي كي كي"، المتواجد في شمالي البلاد.
ولدى تركيا مئات القواعد العسكرية وآلاف الجنود في العراق منذ نحو 10 سنوات، إضافة إلى أسلحة مدرعة.
تقول مصادر استخبارية لـ(المدى) إن "مقتل أبو خديجة في آذار الماضي كان عن طريق معلومات من سوريا وتركيا، اللتين تسعيان لإنشاء علاقات متينة مع بغداد".
قال محمد شياع السوداني، رئيس الحكومة، الشهر الماضي عبر منصة "إكس"، إن "الإرهابي عبد الله مكي مصلح الرفيعي، المُكنى أبو خديجة، يُعد أحد أخطر الإرهابيين في العراق والعالم".
وأضاف أن الجهادي، الذي استُهدف بعقوبات أمريكية في صيف 2023، "كان يشغل منصب ما يُسمى والي العراق وسوريا" في التنظيم المتطرف. ولم يذكر السوداني متى قُتل الرفيعي، لكنه أشاد بالعملية التي نفذتها الاستخبارات العراقية بالتعاون مع التحالف المناهض للجهاديين بقيادة الولايات المتحدة في العراق.
لكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعلن بعد ذلك أن القوات الأمريكية قتلت "أبو خديجة"، وذلك بتنسيق مع الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان العراق.
تحاول أنقرة، بحسب سياسيين عراقيين، دفع العراق للتطبيع أكثر مع حكومة أحمد الشرع، التي تولت زمام السلطة في دمشق عقب هروب بشار الأسد (الرئيس السوري السابق) العام الماضي.
وفي عطلة العيد الأخيرة، اتصل السوداني لأول مرة بـ"الشرع"، وهنأه بتشكيل الحكومة الجديدة. ولم يقابل العراق الإدارة السورية الجديدة بالانفتاح الذي لاقته من بقية الدول العربية، كما أن الشرع لم يتلقَّ تهنئة رسمية من العراق بعد توليه منصب رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا.
وفي منتصف آذار الماضي، زار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني العراق والتقى نظيره فؤاد حسين، وكانت تلك أول زيارة لمسؤول سوري للعراق بعد سقوط نظام الأسد.
وقد واجهت الزيارة انتقادات من "اليمين الشيعي"، الذي طالب باستجواب وزير الخارجية العراقي في البرلمان.
ويُصرح نوري المالكي، وهادي العامري، وقيس الخزعلي، وهم زعماء التحالف الشيعي، بأن ما يجري في سوريا هو "مخطط تركي".
ويرفض هؤلاء تطبيع العلاقات مع سوريا، كما يرفضون دعوة "الشرع" إلى القمة العربية المُفترض انعقادها في بغداد الشهر القادم.
تركيا 2025
هذا الملف ذاته، يعتبره سياسيون، قد يُضعف وضع أنقرة في أي مفاوضات جديدة مع بغداد.
ويرتبط البلدان في قضايا شائكة تتعلق بالملف الأمني، خصوصًا حزب العمال، وأزمة المياه التي تسيطر عليها تركيا.
وكان السفير العراقي في تركيا، ماجد اللجماوي، قد أكد في 2 نيسان الجاري على أهمية الزيارة المرتقبة. وأشار إلى أن المباحثات ستركز على "عدد من الملفات الستراتيجية، أبرزها مشروع طريق التنمية الذي يُعزز الترابط الاقتصادي ويؤسس لشراكة متينة بين العراق وتركيا، إضافة إلى ملفات الطاقة، والنقل، والتبادل التجاري".
وأضاف السفير اللجماوي: "الزيارة تأتي في ظل تطورات إقليمية ودولية مهمة، ما يجعلها فرصة لتعزيز التعاون الأمني والاقتصادي"، مؤكدًا "حرص العراق على بناء علاقات متوازنة قائمة على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل".
وكان السوداني قد زار أنقرة مرتين منذ توليه السلطة نهاية 2022، كانت آخرها في تشرين الأول من العام الماضي.
وبحسب تقارير تركية، فإن رجب طيب أردوغان، الرئيس التركي، سيزور بغداد في النصف الأول من العام الحالي، لبحث تنفيذ عدد من الاتفاقيات الموقعة بين البلدين في 22 نيسان من العام الماضي، حين زار الأخير بغداد لأول مرة في حكومة السوداني.
ويقول النائب ماجد شنكالي، عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني، لـ(المدى)، إن "الوضع التركي هذه المرة مختلف، حيث مشغول بالمستنقع السوري، والأزمات الداخلية مع المعارضة".
ويُقلل شنكالي من أهمية ملف "انسحاب القوات التركية" من العراق، بسبب أن المتغيرات على الأرض بطيئة.
وكان من المتوقع أن يُغيّر الموقف الأخير لزعيم حزب العمال في تركيا، عبد الله أوجلان، بدعوته أنصاره لرمي السلاح، من الملاحقات التركية للحزب في العراق.
ويؤكد شنكالي أن "المناوشات بين الطرفين في العراق لم تتوقف، لكنها صارت بوتيرة أقل".
ويرى النائب أن الأجيال الجديدة من "بي كي كي"، خاصة الموجودين في سنجار شمال الموصل، لديهم "عقلية وأيديولوجية مختلفة عن الحرس القديم، وقد يرفضون دعوة أوجلان".
ويعتقد شنكالي أن "هذه الملفات ليست مهمة بقدر أهمية الصراع الإسرائيلي في المنطقة، والتهديدات الأمريكية".
ميليشيات أنقرة
تتهم أطراف شيعية بارزة أنقرة بأنها تدرب عراقيين خاضعين لها بنسبة 100%، على حد قول زعيم "العصائب" قيس الخزعلي.
قال الخزعلي مطلع نيسان الحالي إن "هناك ميليشيات تضم الآلاف من المقاتلين، جرى تدريبهم في تركيا التي تتولى تمويلهم وإدارتهم بنسبة 100%. العشرات من هؤلاء تم استقطابهم من محافظات نينوى وكركوك، ونُقلوا إلى داخل تركيا، حيث خضعوا للتدريب وتم تصنيفهم وتقسيمهم، إضافة إلى تلقيهم رواتب منتظمة".
وأشار الخزعلي إلى أن هؤلاء المقاتلين يُعرفون رسميًا تحت مسمى "قوات حرس نينوى" في محافظة نينوى، و"قوات درع كركوك" في محافظة كركوك، مؤكدًا أن عددًا منهم ما زال يتلقى رواتبه من مصادر تمويل تركية حتى اليوم.
وكشف الخزعلي عن دخول بعض عناصر هذه القوات ضمن صفوف الحشد الشعبي، حيث قال: "بقدرة قادر، تم إدخال قسم من هؤلاء ضمن تشكيلات الحشد الشعبي، وهم الآن يستلمون رواتب تحت عنوان قوات الحشد، وتحديدًا في لواء 59 في نينوى".
ودعا الخزعلي إلى فتح تحقيق عاجل حول هذا الملف، لمعرفة كيفية تسلل هؤلاء المقاتلين إلى صفوف الحشد الشعبي، ومن يقف وراء إدخالهم.
علاقات متشابكة
وعن أهمية زيارة السوداني إلى أنقرة، يقول غازي فيصل، وهو دبلوماسي سابق، لـ(المدى): "تحتل العلاقات العراقية – التركية أهمية استثنائية عبر محطات مختلفة من التاريخ. هناك مجالات الطاقة، حيث تحتاج تركيا إلى مصادر الطاقة الحيوية في العراق من الغاز والنفط، وبالمقابل، يحتاج العراق إلى التنسيق وتطوير الاتفاقيات الثنائية في مجال الثروة المائية".
وأضاف فيصل: "تُعد تركيا دولة صناعية وزراعية مهمة، وتحتل المرتبة الـ15 على صعيد الاقتصاد الدولي، وهي مرتبة مهمة. كما أنها مصدر مهم على صعيد السلع والخدمات والمنتجات الزراعية التي يحتاجها العراق. وترتفع معدلات التبادل التجاري بين البلدين إلى أكثر من 20 مليار دولار سنويًا".
ويرى الدبلوماسي السابق أن "تركيا يمكن أن تلعب دورًا مهمًا جدًا في إنشاء سدود صغيرة بالعراق للحفاظ على الثروة المائية، عبر خبرتها وتجربتها في هذا المجال، وأن تُساهم في مواجهة التلوث البيئي والتصحر والجفاف الذي يهدد اقتصادات الجنوب والوسط في العراق".
وعن الجانب الأمني، يشير فيصل، وهو يرأس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، إلى أن البلدين يمكن أن يُنسّقا الأوضاع الجديدة بعد "خطاب أوجلان"، لتجنيب العراق الملاحقات ضد حزب العمال الكردستاني.
وأضاف أن الملف الأمني يؤثر أيضًا على مشروع طريق التنمية الحيوي، الذي سيربط أوروبا عبر تركيا، وتركيا عبر العراق والفاو بالسعودية والخليج، وصولًا إلى الهند. وهذا الطريق، بحسب فيصل، تُولي له تركيا اهتمامًا خاصًا، كما العراق والإمارات وقطر، وهم أيضًا شركاء في المشروع الستراتيجي.