بغداد – تبارك عبد المجيد
يُصنف جواز السفر العراقي ضمن أضعف جوازات السفر في العالم، حيث يحتل مراتب متأخرة في المؤشرات الدولية المعتمدة، أبرزها مؤشر "هينلي" العالمي الذي وضعه في المرتبة 101 من أصل 104 دول، إلى جانب مؤشر "باسبورت إندكس" الذي صنفه في المرتبة 81 عالميا.
هذا الترتيب يعكس واقعا دبلوماسيا وأمنيا معقدا يمر به العراق، إذ تعتمد قوة الجوازات عالميا على مدى حرية تنقل حاملها، وعدد الدول التي تسمح له بالدخول دون الحاجة إلى تأشيرة مسبقة. رغم أن بعض التقارير تشير إلى أن حامل الجواز العراقي يمكنه السفر إلى ما يصل إلى 72 دولة دون تأشيرة مسبقة، فإن هذا الرقم يشمل حالات متعددة مثل الحصول على تأشيرة عند الوصول، أو عبر تصريح سفر إلكتروني (eTA)، ما يعني أن عدد الدول التي تتيح دخول العراقيين بشكل مباشر ودون أي متطلبات إضافية يبقى محدودا، مقارنة بجوازات دول مثل اليابان أو فنلندا، التي تتيح لحامليها الدخول إلى أكثر من 180 دولة دون تأشيرة. في مشهد يعكس عمق الإهمال السياسي لقضية تُلامس يوميات المواطنين، يؤكد الناشط السياسي علي القيسي أن أغلب الساسة في العراق لا يبدون اهتماماً حقيقيا بتصنيف جواز السفر العراقي عالميًا، نظرًا لاعتمادهم على جوازات سفر دبلوماسية أو مزدوجي الجنسية، ما يجعلهم بمنأى عن معاناة المواطن العادي. وقال القيسي في حديثه لـ(المدى): "بالنسبة للسياسي، ترتيب الجواز لا يُشكل أزمة، طالما أنه يحمل جوازا دبلوماسيا أو جواز دولة أخرى. ولذلك لا يُنظر إلى ضعف التصنيف على أنه أولوية وطنية". ويُشير إلى أن "هذا التجاهل انسحب على سياسات منح الجوازات، حيث أُعطيت الجوازات الدبلوماسية لأشخاص لا تنطبق عليهم المعايير، مما أضرّ بسمعة الجواز العراقي دوليا".
يشدد القيسي على ضرورة قصر الجواز الدبلوماسي على موظفي السلك الدبلوماسي الرسمي فقط، محذراً من ظاهرة توزيع الجوازات بموجب علاقات شخصية أو محسوبيات سياسية. "حين يُمنح الجواز لأقارب ونواب ومتنفذين دون مسوغ قانوني، فإنه يفقد قيمته"، يقول، "بل وقد نصل إلى مرحلة تُرفض فيها الجوازات العراقية من بعض الدول". ويضيف القيسي أن العراق يمتلك أيضًا جوازات خاصة تُمنح للوزراء والوكلاء، وهي أقل امتيازاً من الدبلوماسي، لكنها تبقى خياراً أكثر واقعية إن حُددت بوضوح واستخدمت بضوابط. ويربط القيسي سمعة الجواز العراقي بعوامل داخلية تتجاوز الإطار الدبلوماسي، قائلاً إن "الوضعين الأمني والاقتصادي هما من المؤثرات المباشرة في نظرة العالم إلى الجواز، وكلما تدهورت هذه الأوضاع، تراجعت الثقة بجوازنا". وفي تقييمه لأداء وزارة الخارجية، لا يخفي القيسي خيبة أمله، قائلاً: "الحكومات السابقة لم تُولِ هذا الملف الاهتمام الكافي. الأموال التي أُنفقت على المؤتمرات والزيارات والسفرات لم تُثمر عن أي تحسّن ملموس في ترتيب الجواز".
يضيف القيسي حديثه مؤكدا أن الحل يكمن في إعادة صياغة النظرة إلى الجواز بوصفه رمزاً للسيادة، لا مجرد وثيقة سفر. ويقترح البدء بتحديث الجواز البايومتري العراقي بنسخ عالية الأمان، حتى وإن كلف الأمر كثيرًا. "إذا أردنا أن نُعامل باحترام، فلا بد أن نعطي للآخرين سببًا لاحترامنا"، يختم بثقة.
لا تقاس جودة جواز السفر العراقي فقط بعدد الدول المتاحة لحامليه، بل أيضًا بمستوى الثقة الدولية بمنظومة إصدار الجوازات العراقية، ومدى استقرار الوضع الأمني في البلاد، إلى جانب كفاءة الأداء الدبلوماسي الذي يُفترض أن يسهم في عقد اتفاقيات تُسهم في تحسين وضع الجواز دوليًا.
الأسباب!
في حديثه لـ(المدى)، رسم المحلل السياسي علي البيدر صورة شاملة لأسباب تدني ترتيب جواز السفر العراقي عالمياً، مشيراً إلى أن الأمر يتجاوز كونه مجرد مؤشر رقمي، ليعكس واقعاً مركباً من التحديات الأمنية والدبلوماسية التي تواجه البلاد. يقول البيدر: "ترتيب الجواز العراقي المتدني يعكس عدة عوامل، في مقدمتها الواقع الأمني الذي ما زال هشًا في نظر المجتمع الدولي، إلى جانب ضعف الحضور الدبلوماسي للعراق، ومحدودية الإقبال العالمي على زيارته". ويشرح أن تقييم قوة الجوازات عالمياً لا يعتمد فقط على عدد الدول التي تتيح دخول مواطني بلدٍ ما دون تأشيرة، بل أيضًا على مدى جاذبية هذا البلد للمسافرين الأجانب، وعددهم، وأسباب زيارتهم.
ورغم ما وصفه بـ "المؤشرات الإيجابية" التي تدل على أن العراق بدأ يتحول من مرحلة الإغاثة إلى التنمية، ويعيش حالة من الاستقرار النسبي، إلا أن البيدر يرى أن ذلك لم يُترجم بعد إلى زيادة في عدد الزوار. "الأعداد ما زالت متواضعة"، يوضح.
ويرجع ذلك إلى مزيج من "المخاوف الأمنية المنطقية، والانطباعات السلبية غير المنطقية التي لم تُواجه برؤية دبلوماسية واضحة".
ويحمل البيدر وزارة الخارجية جزءا كبيرا من المسؤولية، قائلاً إن الأخيرة لم تنجح في توصيل رسائل طمأنة إلى المجتمع الدولي، كما أنها لم تقدم مبررات كافية تشجع على تسهيل دخول العراقيين إلى دول العالم. "الدبلوماسية العراقية تعاني من ضعف واضح"، يضيف، "وذلك نتيجة المحاصصة السياسية التي أدت إلى تعيين سفراء غير مؤهلين في مواقع حساسة".
ويعود البيدر للتأكيد على أن العراق، لكي يستعيد مكانته، بحاجة إلى تغيير قواعد اللعبة. "ينبغي أن ننتقل إلى دبلوماسية تقوم على المصالح المتبادلة، تفرض احترامًا متبادلاً"، يقول، مشيراً إلى أن تشديد إجراءات الدخول إلى العراق بشكل مدروس قد يمنح البلاد هيبة دبلوماسية، ويدفع الدول الأخرى إلى مراجعة مواقفها. ورغم التحديات، يبدي البيدر شيئاً من التفاؤل، مؤكدا أن "العديد من الشركات الكبرى والشخصيات المؤثرة عالميا لديها رغبة حقيقية في زيارة العراق". ويرى أن تنظيم هذه الزيارات وفق قواعد واضحة قد يسهم في تحسين صورة البلاد عالميا، ويعزز من مكانة جواز السفر العراقي.
"الدبلوماسية هي الحل"!
في سياق الحديث عن ترتيب الجواز العراقي المتدني عالميا، يرى الدكتور مهند الجنابي، أستاذ الدبلوماسية والسياسات الخارجية في جامعة جيهان، أن تصنيفات جوازات السفر لا تُبنى على الأحكام المرتبطة بأزمات الدول أو أوضاعها الداخلية، بل على مدى حرية حركة مواطنيها حول العالم.
"المعيار الأهم في تصنيف الجوازات لا يرتبط بشكل مباشر بالمشكلات الداخلية أو الحالة الأمنية للبلد"، يقول الجنابي لـ(المدى)، مضيفاً أن "التصنيفات تعتمد أساساً على عدد الدول التي يستطيع حامل الجواز دخولها دون تأشيرة، وهو ما يعكس مدى نجاح الحكومة في عقد اتفاقيات دبلوماسية مع دول أخرى".
يوضح الجنابي أن هذا النوع من الترتيبات لا يتم تلقائياً، بل هو نتاج مفاوضات طويلة ومعقدة تقودها وزارات الخارجية، ويُقاس نجاحها بقدرتها على انتزاع إعفاءات من التأشيرات من دول مؤثرة مثل الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، واليابان، والصين.
ورغم أن المشكلات الأمنية لا تدخل رسمياً ضمن معايير التصنيف، إلا أنها تلقي بظلالها على مائدة التفاوض. "الواقع الأمني، وإن لم يكن مذكورا صراحة في المعايير، إلا أنه يُؤخذ بالحسبان من قبل الطرف المقابل"، يوضح الجنابي، مشيرا إلى أن دولاً مثل العراق غالباً ما تُواجه ترددا دولياً عند طرح فكرة إلغاء التأشيرات.
ولإعطاء صورة أوضح عن الفجوة، يشير الجنابي إلى أن جوازات الدول الاسكندنافية – مثل فنلندا والنرويج – تتيح لحامليها دخول أكثر من 90 دولة دون تأشيرة، بينما لا يتجاوز عدد الدول التي يدخلها العراقي بجوازه من دون فيزا عدد أصابع اليد الواحدة. "الفرق شاسع"، يقول، "وهذا يوضح أين تكمن المشكلة، وأين يجب أن تتركز الحلول".
يضيف الجنابي مؤكدا أن الطريق نحو تحسين تصنيف الجواز العراقي يبدأ من قاعات التفاوض وليس فقط من تحسين صورة البلاد داخلياً. "الدبلوماسية هي الفيصل"، يقول بثقة، "ومن دون أدوات تفاوض حقيقية، سيظل الجواز العراقي حبيس المراتب الأخيرة".