الرئيسية > أعمدة واراء > .. شيريد؟

.. شيريد؟

نشر في: 16 أكتوبر, 2012: 06:13 م

في منتصف السبعينات صار لدينا، نحن مجموعة من الشعراء الشعبيين والإعلاميين، شبه اتفاق على اللقاء ظهر كل يوم  في بار "سميرا ميس"  القريب من دار الإذاعة بالصالحية. وذات ظهيرة دخل البار شخص تتطاير عيناه شررا وجلس حول طاولة قريبة منا. توجس منه صاحب البار فسألنا إن كنا نعرفه فأجبناه بالنفي. ومع أول "بيك" زاد شرر عينيه ثم أخذ يخطب بكلمات أقرب للهذيان. مرت تلك الظهيرة بسلام، لكنه عاود المجيء في اليوم التالي. وعلى نفس الرنّة. تساءل جبار الغزّي: هذا شيريد؟ لا نعرف. توجه جبار صوبه وسأله السؤال ذاته: أخي انت شتريد؟ أجابه: ما أدري. عاد جبار لينقل لنا "السر" الكبير: يابا هذا حتى هوّه ميعرف شيريد. همهمَ زامل سعيد فتاح: الله يستر.

ظل صاحبنا يواظب على الحضور ويزعجنا بخطبه "الرنانة" فعزمنا على تغيير المكان. اتفقنا جميعا سوى صديق لنا   شان عليه أن نترك مكاننا الجميل بسبب ذلك "الصعلوك" حسب وصفه. قال صديقنا: اتركوه لي لآتيكم بخبره. ثم توجه نحوه واستأذنه للحديث خارج البار فوافق "الخطيب". لم تمر سوى لحظات حتى سمعنا صائحا يصيح: لقد قتل صاحبكم! هرعنا خارج البار فوجدنا صديقنا مضرجا بدمه بفعل طعنة سكين فارق الحياة على أثرها. لقد طعنه صاحب العينين الشريرتين وهرب.

ومن يومها صار يرعبني الذي يخطب ولا أفقه ما يريد. أتطلع بعينيه فان وجدت فيهما ما يذكرني بقاتل صديقنا أضع يدي على قلبي وأكرر قول زامل: الله يستر. وهكذا هي حالي كلما شاهدت النائب ياسين مجيد يخطب على منصة البرلمان وعيناه تتطايران غضبا. أسأل نفسي: شيريد؟ فلا أجد جوابا. أتمنى أن يعينني بلحظتها أحد الصحفيين المحيطين به كي يسأله: شتريد؟  ولا احد يحقق الأمنية. لم يبق لي سوى التمعن بصورته. أقابلها فتخبرني عيناه انه يريد الحرب.

من يصف شخصا بأنه "خطر" على البلاد فانه يدعو لإزاحته أو اجتثاثه. ألم يقل صدام عن إيران بأنها صارت تشكل "خطرا" على العراق فأعلن الحرب عليها؟ أولم يقل، أيضا، عن الكويت بأنها باتت تشكل "خطرا" على اقتصاد العراق وأمنه فغزاها؟ أليس صدام، هو لا غيره، من قال إن الكرد صاروا "خطرا" على امن العراق فرشّهم  "المجيد الأول" بالكيمياوي؟ كل حروب صدام وما جرّته على العراق من ويلات كانت تحت ذريعة "خطر".

إن إحساسي بتوق "المجيد الثاني" لإشعال فتيل الحرب على كردستان ليس إحساسا شخصيا، بدليل أن رئيس الجمهورية في بيانه، وربما غيره أيضا، تملكه نفس الإحساس. الغريب أن هذا النائب، المقرب جدا من  رئيس الوزراء اعتبر رد الرئيس جلال طالباني على تصريحاته ضد رئيس إقليم كردستان "خطيرا" أيضا. ما أكثر كلمة "خطير" في قاموس الرجل. لكنه لم يكتف بها بل أضاف لها استغرابه من عدم رد طالباني على دعوات "انفصال كردستان".

هنا أتساءل: إن كان صاحبنا يرى رئيس الإقليم "خطرا". ورئيس الجمهورية "خطرا". والبيشمركة "خطرا". وكردستان  كلها "خطرا" على اقتصاد العراق وأمنه، فعلام يقف ضد الانفصال؟

أي إنسان، أو بلد، له جار يحمل مثل تلك "الأخطار"، قطعا سيفرح لو قرر ذلك الجار الرحيل عنه. إن كان السيد مجيد ينذرنا بكل تلك "الأخطار" ويطلق الهجمات على كردستان، ومع هذا لا يريدها أن تنفصل، فلعد شيريد؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. khalid

    الاستاذ هاشم العقابي .. لك تحياتي هل استطيع الحصول على ايميلك الشخصي انت والاستاذ سرمد الطائي لغرض التواصل .. مع تقديري واحترامي

ملحق معرض اربيل للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: نور زهير ياباني !!

العمود الثامن: البابا فرنسيس وعقدة ساكو

العدالة الدولية تحت المطرقة

22 عاماً بين "جمهورية الخوف" و"دولة المافيا"

العمود الثامن: درس بارزاني

العمود الثامن: حقا إنها مؤامرة!!

 علي حسين في بعض الاحيان يرسل لي بعض القراء الأعزاء رسائل يؤنبون فيها "جنابي" لأنني أثير حالة من الكآبة والسواداوية في مقالاتي، وهم يلومونني لأنني أستغل هامش الحرية وأسخر من السياسيين والمسؤولين الذين...
علي حسين

كلاكيت: القاموس.. الرواية والفيلم

 علاء المفرجي في فيلم (الاستاذ والمجنون) 2018 وهو من أفلام السيرة الذاتية، للمخرج الأميركي من أصل إيراني فيرهاد سافينيا والمعد عن كتاب بالنوان نفسه، صدر عام 1999، للبريطاني سيمون وينشستر، نتابع قصة قاموس...
علاء المفرجي

(50) عاماً على الحرب الأهلية اللبنانية حياة بين قذيفتين

زهير الجزائري (5) نفير عام! لم نسمع الصوت الأجشّ البارد الذي أمر المدافع بأن تدوّي، ولم نرَ الفارس الذي قطع السهوب لينذرنا: نفير عام! النذير استحال إلى رسائل مشفّرة تخرج من أجهزة الإرسال، تمر...
زهير الجزائري

جِماح الطّائفية.. إلى نوويّة شيعيَّة وسُنيَّة!

رشيد الخيون ما كان في الخاطر ظهور مثقفين، تجمَحَ بهم الطّائفيَّة إلى تسمِّية القنابل النَّوويَّة بالأديان والمذاهب، توصلوا إلى هذه الأفكار الجهنميَّة بعد الحديث عن نِفطٍ شِيعيٍّ وماءٍ سُنيٍّ، فعندهم الأوطان مؤامرات على الطَّوائف،...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram