اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > شروط الناشر العربيّ

شروط الناشر العربيّ

نشر في: 17 مايو, 2013: 09:01 م

ننطلقُ من تجارب ملموسة: في ظروف العمل الثقافي العربيّ، يقيم الناشر الاعتبارَ الوحيد لشروطه وظروفه واشتراطاته، أمام كتابكَ مهما كانت قيمته. عملكَ وشروطكَ ومواقيتكَ لا وزن لها إزاء مواقيت الناشر، حتى الموغلة في فرديتها. يمكن أن يؤجلكَ حدّ أن يَفقد كتابكَ معناه وهو يخرج في موعد غير ملائم، ناشزٍ. إنها علاقة من دون أصولٍ وأعرافٍ ثقافيةٍ راسخةٍ، وتبدو، بكل جلاء، علاقة بين طرف مُهَيْمِنٍ وطرف مُهَيْمَنٍ عليه، بين مستَلِبٍ ومسلوب، حتى لو ربطتك بهذا الناشر أواصر الصداقة العميقة.
اليوم ثمة أسلوبان للنشر: إما تنشر على حسابك الشخصيّ، وهو أسلوب شَرَّعَ له نمطان من المؤلفين: قادمون من الدول النفطية الغنية الذين أدركوا أن قدراتهم المالية ذات طاقات سحرية، وأنها مؤثرة حتى في صناعة المجد الشخصيّ صناعةً محكمة، بموهبة ومن دون موهبة. لقد ذهبوا بعيداً في استثمار المال الفائض القادم في حساباتهم دون جهد كبير، إلى درجة دفع كل الأموال المطلوبة ليس فقط لنشر أعمالهم وترجمتها بل طبعها في اللغات الأجنبية. لقد استقبل الناشر ـ التاجر العربيّ في كل مكان من العالم العربي، وخاصة في لبنان، هذا النمط من المؤلفين بذراعين مفتوحتين، غير آبه بالنتائج على المستوى الإبداعي ولا مُدْرك للخلاصة الثقافية، الأخلاقية والتاريخية التي تطلع من تنافسٍ شريفٍ حرٍّ على أساسٍ (آخر). لقد فهم المؤلف المذكور أن قدرات رأسماله لا حدود لها حتى في شراء الذمم والأصوات ومنابر الميديا والإعلاميين وحتى بعض المفكرين العرب.
النمط الثاني هو المؤلف الذي يطبع على حسابه، مؤمناً أن موهبته التحليلية المتفرّدة تتجاوز القدرات العقلية للناشرين على فهمها، وأنه يتجاوز مافيا العلاقات التجارية والشخصية، وأن تجربته الإبداعية من الاختلاف والقوة بمكان كبير بحيث أنها تُمْنع من الدخول في منافسةٍ مع التجارب الأخرى المكرّسة السائدة. رأينا ذلك بشكل متواتر في نشر الشعر خاصة، وقيام دور نشر مهمتها الوحيدة نشر الدواوين الشعرية على حساب مؤلفيها. إنها تنشر في الحقيقة، ما تتوفر فيه الحدود الدنيا المقبولة جوار النصوص الرصينة، المدفوعة كلها سلفاً. هذه الطريقة تشكل مَفْسَدة للشعر العربيّ من حيث أنها تخلط الأوراق بين الغث والسمين، في الوقت الذي تزعم فيه تقديم الجميع بطريقة عادلة، بينما هي تقوم بجني الأرباح في المقام الأول من شعراء شبّان متوقدين طموحين.
ثمة نمط ثالث أكثر دهاءً، يتوسّط الاثنين: النشر، بعقدٍ كتابيٍّ، على حساب ناشر معروف، من دون أيّ مكافأة نقدية مع الزعم أنها آتية لاحقاً لا ريب، عبر نسبة العشرة بالمئة من المبيعات. هذا الأمر يُؤجِّل ما لا يتوجب تأجيله، كما أن التحقق من نسِب المبيعات صعب ويمكن المراوغة بشأنه، بينما تدوير المكافأة وتحويلها إلى عدد محدّد من نسخ الكتاب الممنوحة إلى المؤلف في حالات أخرى، دون عقد كتابيّ، فتبدو إجحافاً وتلاعباً قانونياً، إذا ما استلمها المؤلف فعلياً.
نتكلم دائماً عن مؤلفات لها سوق أو بعض السوق، بسبب موضوعاتها أو أهميتها الآنية أو بسبب أصوات مؤلفيها التي أثبتت جدارة إبداعية عبر اختبارات متكرّرة.
الحل الذي يمكن أن يتجاوز ذلك الألم كله، قد يقع في عدة مقترحات: شراء حقوق التأليف لقاء مبالغ واضحة، مشرّع لها قانونياً، وفي آجال محدّدة، اعتماد مؤسسات رسمية (وزارات الثقافة مثلاً) وغير رسمية (منظمات الثقافة، الجوائز الإبداعية.. الخ) بصفتها الناشر المعتمد الحصريّ، إقامة الدعاوى القانونية على الناشرين المجحفين، عبر تكتلات ثقافية إعلامية وصحفية يتوجب إرساء قواعدها منذ الآن، أو الاعتماد على الذات عبر تجاهل النشر الورقيّ كلياً والركون إلى النشر الإلكترونيّ، وإذا ما أراد البعض، على طريقة غادة السمان أو نزار قباني، تأسيس مشروع نشر باسمه الشخصيّ، فلِمَ لا. لا يبدو الحل الأخير لي غريباً أو متطرفاً أو معاندا أو انفعالياً إلا بقدر غرابة وتطرّف ومعاندة (بعض) الناشرين العرب.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

المتفرجون أعلاه

جينز وقبعة وخطاب تحريضي

تأميم ساحة التحرير

زوجة أحمد القبانجي

الخارج ضد "اصلاحات دارون"

العمودالثامن: جمهورية بالاسم فقط

 علي حسين ماذا سيقول نوابنا وذكرى قيام الجمهورية العراقية ستصادف بعد أيام؟.. هل سيقولون للناس إننا بصدد مغادرة عصر الجمهوريات وإقامة الكانتونات الطائفية؟ ، بالتأكيد سيخرج خطباء السياسة ليقولوا للناس إنهم متأثرون لما...
علي حسين

قناديل: لعبةُ ميكانو أم توصيف قومي؟

 لطفية الدليمي أحياناً كثيرة يفكّرُ المرء في مغادرة عوالم التواصل الاجتماعي، أو في الاقل تحجيم زيارته لها وجعلها تقتصر على أيام معدودات في الشهر؛ لكنّ إغراءً بوجود منشورات ثرية يدفعه لتأجيل مغادرته. لديّ...
لطفية الدليمي

قناطر: بين خطابين قاتلين

طالب عبد العزيز سيكون العربُ متقدمين على كثير من شعوب الأرض بمعرفتهم، وإحاطتهم بما هم عليه، وما سيكونوا فيه في خطبة حكيمهم وخطيبهم الأكبر قس بن ساعدة الإيادي(حوالي 600 ميلادية، 23 سنة قبل الهجرة)...
طالب عبد العزيز

كيف يمكن انقاذ العراق من أزمته البيئية-المناخية الخانقة؟

خالد سليمان نحن لا زلنا في بداية فصل الصيف، انما "قهر الشمس الهابط"* يجبر السكان في الكثير من البلدان العربية، العراق ودول الخليج تحديداً، على البقاء بين جدران بيوتهم طوال النهار. في مدن مثل...
خالد سليمان
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram